تنويع مصادر السلاح .. قرار مصري استراتيجي

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

نحن نصنع السلاح.. ونشتريه من 10 عواصم مختلفة.. فالعقيدة العسكرية المصرية تحتم تنويع مصادر تسليحنا.. عن إيمان راسخ بعدم وضع رأسنا «تحت ضرس» أى شريك أجنبي، فإرادتنا فولازية نحو تحديث قدراتنا الدفاعية حفاظا على السلام وحماية للأمن القومى المصرى فى وجه تهديدات لا تنتهي.. وقديما قالوا إن الاستعداد الدائم للقتال خير وسيلة لمنع العدوان.. وأن الاحتفاظ بقوة عسكرية رادعة هى الضمانة الحقيقية للسلم.

ومع ذلك.. فإن هذا القرار ليس بالأمر الهين.. أن تقرر دولة تنويع مصادر تسليحها.. فهو قرار صعب لا تستطيعه سوى جيوش محدودة على مستوى العالم.. فتشكيلة السلاح وتوظيفه لتحقيق أعلى كفاءة ممكنة عملية معقدة للغاية وتعتمد على عوامل أشد تعقيدا خارجيا وداخليا.. وتتحكم فيها عشرات العناصر والمتغيرات.. وتشترك فيها الجوانب السياسية والاقتصادية، فضلا عن التاريخية والجغرافية، وكذلك الإمكانات البشرية والمادية، إضافة للعقيدتين القتالية والعسكرية.

وذلك ليس ترفا أو شكلا اعتباريا، وإنما هو حاجة وطنية، لتأمين سيادة الدولة ووحدة أراضيها، كونها تشكل صمام أمان لأمنه واستقراره.

وبالتالى فإن امتلاكنا لقوة ردع عسكرية قوية مع تنوع مصادرها، يتطلب توافر امكانيات داخلية موجودة بالفعل، منها كفاءات وقدرات وخبرات خاصة، فلكل سلاح اسلوب استخدام ووظائف محددة تمهد لاستخدامه بأقصى امكانيات، فضلا عن اجراءات الصيانة والتدريب والرماية  و هو مالا يتوافر إلا فى جيوش محدودة على مستوى العالم.. و هو ما وضع ترتيب الجيش المصرى ضمن قائمة أقوى عشرة جيوش على مستوى العالم.. و هو ما حدا بأكبر دول العالم وأقواها عسكريا للسعى إلى اجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع قواتنا المسلحة، وهو ما يؤكد كفاءة قواتنا وتطور جيشنا ، وقدرة رجاله على استيعاب أحدث تكنولوجيات العصر فى المجال العسكرى وخاصة التسليح.

بالإضافة إلى ذلك.. هناك التوازن فى العلاقات الدولية وهو ما تحقق منذ سنوات وأخذ دفعة قوية إلى الأمام بعد ثورة 30 يونيه.. لكى يكون قرارنا بيدنا، كما منح القيادة المصرية سندا وصلابة تجعل من أى ضغوط خارجية  فى محاولة عودتنا للوراء بالاعتماد على مصدر واحد فى التسليح أمرا مستحيلا، بل إن العكس هو ما حدث.. فإن أكبر الدول المصدرة للسلاح تحرص على ان يكون سلاحها ضمن منظومة تسليح الجيش المصرى باعتبار ذلك دليلا على تميز سلاحها، مثلما حدث من عدة دول غربية وشرقية خلال الأعوام الماضية.

كما أن سوق السلاح الدولى فى الحقيقة ما هو إلا ساحة للصراع بين الحيتان الكبرى فى عالم التصنيع والبيع وتحقيق المصالح وجنى المليارات من ورائها.. لكن يظل تنويع مصادر التسلح فى النهاية.. قرارا وطنيا يُجسد الإرادة الحرة للشعوب بامتياز.

فقد أعلنت المؤسسة الدولية للأبحاث حول السلام فى ستوكهولم أن مجمعات تصنيع السلاح الأمريكية عززت خلال السنوات القليلة الماضية سيطرتها على سوق السلاح فى العالم أمام روسيا والصين، فى حين تسجل أوروبا تراجعا.

وتكشف أرقام هذه المؤسسة أن حجم السوق العالمى لتجارة السلاح يزداد بشكل مطرد منذ 2001 بعد أن كان سجل انخفاضا طوال عشرين عاما قبلها.

وفى مجال تصدير السلاح فإن «الولايات المتحدة لا تزال تتربع على القمة» بفارق كبير عن الدول الأخرى، بحيث ارتفعت نسبتها من السوق لنحو 33% أى أنها هيمنت على ثلث هذه التجارة تقريبا!!

ويعتبر زبائن السلاح الأمريكى من الأكثر تنوعا.. فقد باعت الولايات المتحدة أسلحة لنحو 96 دولة من بين 193 دولة تمثل المجتمع الدولى خلال السنوات الخمس الماضية.

وحلت روسيا فى المرتبة الثانية بنسبة 25% ، أى ربع حجم السوق العالمية تقريبا، رغم العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وتليهما الصين.

ومن هذه الأرقام تظهر حدة التنافس الدولى بين «حيتان» سوق السلاح، ومحاولة كل طرف فيها استمالة باقى الدول بالتسهيلات تارة، وبالضغوط تارة أخرى.

ويخطئ بعض الشركاء الأجانب فى الضغط على مصر من هذا الاتجاه.. وإعادتنا لسياسة الفلك الوحيد.. الذى سبق لهم الفشل فيها.. فقد مارسوا نفس اللعبة من قبل وراهنوا عليها وخسروها وكادوا يخسرون جزءا مهما من رصيد الصداقة الذى بنيناه معا منذ عقود طويلة، فالتأثير على «الإرادة المصرية» فى تنويع مصادر تسليحنا.. مستحيل.. وقرار «تنويع» مصادر تسليحنا إستراتيجى وبيعد المدى.