ورقة وقلم

ياسر رزق يكتب: كارت توصية من الملك «توت» للطبيب الفرنسي

ياسر رزق
ياسر رزق

تأخرت عن موعدي مع طبيبي الفرنسي لمدة ساعة كاملة، وهو أمر لو تعلمون عظيم!

لم تشفع لي أعذار ازدحام المرور وإغلاق بعض الطرق المؤدية إلى المستشفى الذي قضيت فيه أربعين يوما في صيف العام الماضي حيث خضعت لجراحتين كبيرتين ناجحتين والحمد لله.

إنما الذي شفع لي - في عدم إلغاء الموعد وقبول معاودتي للطبيب رغم تأخري - هو الملك توت عنخ آمون!

أمسكت سكرتيرة جراح القلب بأوراقي وفتحت ملفي على جهاز الكمبيوتر أمامها، وهى تقول إن جدول أعمال الطبيب مزدحم للغاية، ولا يمكن أن تحدد موعداً آخر لي في نفس اليوم، ثم علمت من البيانات أنني مصري، فتغيرت لهجتها، وأخذت تتحدث عن غرامها بالآثار المصرية والتاريخ المصري، وولعها بشرم الشيخ التي زارتها أكثر من مرة. ثم قالت: إنني أبحث عن تذكرة لزيارة معرض الفرعون الذهبي توت عنخ آمون الذي افتتح مساء الخميس، ولابد أن أزوره قبل أن يغادر الملك توت باريس في سبتمبر المقبل.
حملت السكرتيرة المولعة بالحضارة المصرية أوراقي، ودخلت إلى مكتب طبيبي البروفيسور ناييل لإقناعه، ثم عادت وهى تبشرني بأنه وافق على أن يفحصني بعد دقائق. وقد كان!


<<<

مساء الخميس الماضي، افتتح الدكتور خالد العناني وزير الآثار، معرض توت عنخ آمون يرافقه فرانك ريستر وزير الثقافة الفرنسي الذي لم يترك قطعة صغيرة أو كبيرة في المعرض إلا وسأل عنها وكان من الواضح إلمامه بتاريخ مصر القديمة.

شارك في الافتتاح السفير النشط الهمام إيهاب بدوى سفير مصر في باريس الذي أحاط به سفراء دول العالم في فرنسا وبدا أنه يحظى بعلاقات صداقة وطيدة بالجميع.

كان نجم هذا المعرض من الحضور، الوزير الأسبق الدكتور زاهي حواس كبير الآثاريين، الذي تضاهى شهرته في أوروبا وأمريكا وكل مكان تقريباً، شهرة نجوم كرة القدم وكواكب هوليوود.

وداخل المعرض، وفي شوارع باريس كان الدكتور زاهي محاطاً دائماً بالمعجبين والمعجبات، وحتى بين الوفد المصري الذي حضر مراسم الافتتاح، كان كبير الآثاريين يتحدث والكل يستمع بإنصات إلى ما يقول عن مصر القديمة، إلى درجة أنه كاد يقنع مريديه، وأنا منهم، بأن الملك توت كان أهلاوياً متعصباً، بدليل أنه خرج من مقبرته عام 1922 وهو العام الذي شهد حصول الأهلي على كأس مصر لأول مرة!

<<<

180 ألف تذكرة بيعت لدخول المعرض بعد مضي 24 ساعة لا غير على افتتاحه، وهناك مائة ألف تذكرة أخرى خصصت للأطفال مقابل 5 يوروهات فقط للتذكرة من جانب الشركة المنظمة، والغرض هو الترويج للحضارة المصرية بين الجيل الجديد من الفرنسيين المغرمين بتاريخ الفراعنة.

160 قطعة من آثار توت عنخ آمون، جاءت إلى المعرض من بين 5398 قطعة هى مجمل ما عثر عليه في مقبرة فرعون مصر الذهبي، ولم يأت إلى المعرض قناع توت الشهير ولا كرسي العرش أو توابيت الملك، لأنها كلها لا تقدر بثمن ولا يمكن التأمين عليها وليس لها قطع مثيلة.

آخر مرة جاءت فيها كنوز توت عنخ آمون إلى باريس كان في عام 1967 أي منذ 52 عاماً.

أما المرة الوحيدة التي خرج فيها قناع الملك توت من مصر، فكان في مطلع الستينيات وذهب إلى أمريكا وفرنسا وألمانيا، عرفاناً بدور هذه الدول في إنقاذ آثار النوبة ومنها معبد أبوسمبل درة الحضارة المصرية.

إلى باريس، جاءت متعلقات الملك توت، قادمة من لوس أنجلوس، ومن المقرر أن يطوف المعرض بعد ذلك بلندن، ثم طوكيو، وأوساكا، ومنها إلى فيلادلفيا وشيكاغو، وثلاث مدن أخرى، وستقضي المعروضات 6 أشهر في كل مدينة قبل عودتها إلى مصر.

الشركة الأمريكية المنظمة للمعرض، ستدفع لمصر ما يصل إلى 120 مليون دولار - وفقا للتوقعات - على مدى السنوات الخمس المحددة لجولة آثار توت عنخ آمون، بواقع 5 ملايين دولار عن كل مدينة، ونسبة من قيمة تذاكر الزوار تزداد بارتفاع عددهم. والمتوقع أن يناطح عدد زوار هذا المعرض رقم المليون زائر.

<<<

عادة لا يتفق الآثاريون، بالأخص خبراء المصريات مع مسئولي الوزارة وعلى رأسهم الوزير.

لكني لمست اتفاق الذين استمعت إليهم، على أهمية سفر معارض الآثار إلى الخارج، للترويج للحضارة المصرية، وجذب الاهتمام لزيارة المعابد والمتاحف على أرض مصر.

هناك تناغم بين الدكتور زاهي حواس، والوزير الدكتور خالد العناني، كان مفتقداً بين زاهي وأسلاف الوزير الحالي. ويعتبر زاهي أن العناني يقود طفرة كبرى في مجال حماية الآثار والاكتشافات الأثرية، منذ عامين، بعد توقف دام 7 سنوات.

أما الوزير الأسبق للسياحة والتجارة والصناعة منير فخري عبدالنور الذي صادف افتتاح المعرض زيارته لباريس، فقد بدا معجباً للغاية بوزير الآثار الذي يجيد الفرنسية والإنجليزية بطلاقة، ويتمتع بثقافة رفيعة وهمة عالية.

<<<

أحد أسباب عدم سفر قناع الملك توت - واسطة العقد في جواهر الآثار المصرية- هو الحرص على أن يكون في صدارة المعروضات بالمتحف المصري الكبير عند افتتاحه في نهاية العام المقبل.

ومن الآن وحتى افتتاح المتحف الكبير، سيتم افتتاح المتحف اليوناني الروماني بالإسكندرية المغلق منذ 13 عاماً، بعد تطويره، والمعبد اليهودي بالإسكندرية، وقصر البارون الذي خصص لعرض تاريخ مصر الجديدة، ومشروع تطوير منطقة الأهرامات وطريق الكباش بالأقصر.

وقبيل حلول منتصف هذا العام - كما يقول د.خالد العناني - سيتم نقل مومياوات فراعنة مصر العظام من متحف التحرير إلى متحف الحضارة، في موكب مهيب يليق بعظمة هؤلاء الملوك العظام.

وبالمناسبة الدكتور خالد العناني كان مديراً لمتحف الحضارة، ثم مديراً للمتحف المصري الكبير قبل توليه منصب وزير الآثار، وقبل ذلك كان رئيساً لقسم الإرشاد السياحي ووكيلاً لكلية السياحة والفنادق التي تخرج فيها عام 1988.

<<<

يتكتم الدكتور زاهي والدكتور العناني تفاصيل 3 اكتشافات كبرى، سيتم الإعلان عنها في غضون أشهر، وربما معها اكتشاف رابع، وتقع هذه الاكتشافات في سوهاج ومنطقة الأهرام والأقصر، ويوجد في الأقصر بالذات أهم هذه الاكتشافات والمنتظر أن تحدث دوياً كبيراً.

والمتوقع أن تزيد هذه الاكتشافات، التي تترقبها الفضائيات العالمية المتخصصة حجم الإقبال على السياحة الثقافية لمصر، ورواج معرض آثار الملك توت في باريس الذي تزداد خارجه طوابير الزائرين في كل يوم، ومعها اهتمام الصحافة الفرنسية، إلى درجة أن مجلة ميكي الفرنسية صدرت وعلى غلافها صورة لـ«دونالد داك» وهو يرتدي قناع توت عنخ آمون.

<<<

وأسأل الدكتور زاهي، عن الاكتشافات التي يتمنى أن تبوح بها رمال مصر ووديانها، فقال: أهمها بالتأكيد مقبرة نفرتيتي والملوك أمنحتب الأول وتحتمس الثاني ورمسيس الثامن، وكذلك مقبرة الإسكندر الأكبر، ومقبرة كليوباترا.

 

د.خالد العناني ووزير الثقافة الفرنسي في معرض توت عنخ آمون وفي الصورة منير فخري عبد النور والسفير إيهاب بدوي


شاهد على رفع علم مصر فوق طابا


ما ضاع حق وراءه مقاتل.. أو مقاوم

 

منذ 30 عاماً بالضبط شاهدت رفع علم مصر عالياً خفاقاً فوق طابا مرتين.

المرة الأولى يوم 16 مارس عام 1989 في احتفال عسكري، وكان الذي رفع العلم العميد أركان حرب - وقتها - شوكت طلعت نائب رئيس جهاز الاتصال العسكري.

والمرة الثانية بعدها بثلاثة أيام في احتفال قومي تصدره الرئيس الأسبق حسني مبارك، وتسلم العلم من المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة القائد العام للقوات المسلحة وقتها، ليرفعه عالياً على الصاري في قلب مدينة طابا، وسط دوي هتاف حناجر الحضور من المصريين، وزراء وإعلاميين وشخصيات عامة.
كان المفترض أن تنسحب إسرائيل من طابا يوم 25 إبريل عام 1982، كغيرها مما تبقى من أرض لم يحررها السلاح في سيناء وفقا لمعاهدة السلام.

لكن كما هى العادة، أثارت إسرائيل خلافاً مع مصر، على مواقع بعض نقاط وعلامات على الحدود المصرية الإسرائيلية منها العلامة (90) التي تحدد موقع طابا ومساحتها كيلو متر مربع داخل الأرض المصرية.

كاد الخلاف ينسف معاهدة السلام، لولا أن تم الاتفاق على انسحاب إسرائيل من طابا، وعدم دخول القوات المصرية إليها، لحين حسم الخلاف.

ومن يومها دخلت مصر في ماراثون قانوني دبلوماسي مع إسرائيل، استمر قرابة سبع سنوات، وانتهى بصدور حكم هيئة التحكيم الدولية بمصرية طابا.

وللإنصاف أقول: إن موقف الرئيس الأسبق من قضية طابا كان موقفاً وطنياً شجاعاً، ولعل هذا الموقف ومن قبله دوره في حرب أكتوبر، يشفعان له أمام محكمة التاريخ.

والدرس المستفاد من قضية طابا ونحن نتابع هجوم الضباع الأمريكية الإسرائيلية على الحق العربي في القدس والجولان، أنه ما ضاع حق وراءه مقاتل، فلولا بطولة الجندي المصري في حرب أكتوبر ما تحررت بقية أرض سيناء بالتفاوض.

ولولا المقاوم العربي في غزة وجنوب لبنان، ما فر جنود إسرائيل في جنح الليل يسابقون الرعب وتلاحقهم المذلة.

مرة أخرى.. ما ضاع حق وراءه مقاتل أو مقاوم.