1919 .. شعب ثار وانتفض

أول جنازة شعبية لأول شهداء سقطوا في ثورة 1919
أول جنازة شعبية لأول شهداء سقطوا في ثورة 1919

لمصر تاريخ طويل مع الثورات منذ قديم الأزل، ومنذ عهد المصريين القدماء، كان للشعب نصيب وافر من الثورة، وكانت دائماً ضد الظلم أو لتحرير أرض وطرد محتل، أو لرفع معاناة عن البسطاء، ولم يكن يوماً مُخرباً لشيء فى ثورته، التى طالما كانت سلمية بيضاء.

فقد أثبتت الأحداث عبر التاريخ ان الشعب المصرى تجاوز كثيراً ما حل به من كوارث، تلمساً لطريق النجاة، وبعد فيض الكيل واستنفاد كافة الوسائل القانونية، يتجه إلى الخلاص.. خلاص ليس له طريق سوى الثورة وتغيير الأمر الواقع.

وجاءت ثورة 1919 لتتوج ذلك النضال الممتد للشعب المصرى الأبي، وقد جمعت تلك الثورة كافة المصريين للتعبير عن غضبهم من الظلم الذى عانوا منه خلال فترة الاحتلال، وتزعم الشعب فى وقتها سعد زغلول ونجح بمعاونتهم فى إحراز النتائج المنتظرة، وتمكن الشعب المصرى حينها من التمرد على أغلال الاحتلال البريطانى وتحقيق مطالبهم فى العدالة والحرية وعيش حياة كريمة.

هوجة عرابى
«هوجة عرابى» كما سميت وقتها تعد أول ثورة تسمى باسم قائدها «عرابى»، والتى كانت ثورة الجيش المصرى بقيادة أحمد عرابى، عامى 1881 و1882 فقد كان سبب هذه الثورة إيثار العناصر غير المصرية على العنصر المصرى فى الجيش، وفى الإدارة على السواء، ومما يثير الدهشة ان المصريين الذين ثاروا على الترك ليأتوا بمحمد على، ثاروا على حفيده توفيق لأنه كان يفضل عليهم الترك وغيرهم فيخصهم بالوظائف والمناصب والرتب والعطايا.

لكن لأن الثورة التى لم تقم على أساس من التنظيم، منيت بفشل ذريع إذ أعقبها احتلال بريطانى لمصر دام لأكثر من سبعين عاماً احتلال جثم على صدور أبناء الشعب المصرى وعمد إلى تخلف المجتمع ومعاملته بسخرة بغيضة.

ثورة جديدة ومجيدة
وتأتى بداية القرن العشرين ويشهد المصريون ثورة جديدة ومجيدة هى ثورة 1919 بقيادة سعد باشا زغلول زعيم الحركة الوطنية المصرية.. وهى تلك الثورة الشعبية التى استمدت روحها من نضال زعيمين عظيمين قادا بدايات الثورة ضد المحتل البريطاني، وأثارا شعور المصريين فى التطلع نحو الحرية والعدالة، لقد كان كل من مصطفى كامل، ومحمد فريد، بمثابة الشعلة التى أنارت الطريق لثورة 1919 بقيادة زعيم الأمة سعد زغلول احتجاجاً ضد المعاملة القاسية التى عانى منها المصريون من قبل الاحتلال البريطاني.

احتجاجات عارمة
ثورة 1919 كانت سلسلة من الاحتجاجات الشعبية على السياسة البريطانية فى مصر عقب الحرب العالمية الأولى، بقيادة الوفد المصرى الذى كان يرأسه سعد زغلول ومجموعة كبيرة من السياسيين المصريين.

بدأت أحداث الثورة فى صباح يوم الأحد 9 مارس 1919، بقيام الطلبة بمظاهرات واحتجاجات فى أرجاء القاهرة والإسكندرية والمدن الإقليمية. تصدت القوات البريطانية للمتظاهرين بإطلاق الرصاص عليهم، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى. استمرت أحداث الثورة إلى شهر أغسطس وتجددت فى أكتوبر ونوفمبر، لكن وقائعها السياسية لم تنقطع واستمرت إلى عام 1922، وبدأت نتائجها الحقيقية تتبلور عام 1923 بإعلان الدستور والبرلمان.

كان لتأليف الوفد المصرى المنوط به السفر إلى مؤتمر باريس للسلام، لمناقشة القضية المصرية بعد انتصار الحلفاء، أثره الكبير كمقدمة أدت إلى اشتعال الثورة. فقد اعتقلت بريطانيا سعد زغلول وثلاثة من زملائه لتشكيلهم الوفد ونفيهم إلى جزيرة مالطا، الأمر الذى أدى إلى بداية الاحتجاجات فى مارس 1919.
انطلقت تظاهرات فى العديد من المدن والأقاليم المصرية وكانت القاهرة والإسكندرية وطنطا من أكثر تلك المدن اضطرابًا، الأمر الذى أدى السلطات البريطانية إلى الإفراج عن سعد زغلول وزملائه، والسماح لهم بالسفر لباريس، ليصل الوفد المصرى إلى باريس فى 18 إبريل، وأعلنت شروط الصلح التى قررها الحلفاء، مؤيدة للحماية التى فرضتها إنجلترا على مصر.

الأزهر والكنيسة
ولثورة 19 طبيعة خاصة ووضع خاص فى نفوس المصريين، حيث تجلت أسمى صور المواطنة ومعانيها حينما اعتلى منبر الأزهر شيخ الأزهر الراحل محمد عبداللطيف دراز والقمص سرجيوس اللذان ألقيا خُطبا ثورية داخل الأزهر والكنيسة خلال أحداث ثورة 19، فهى ثورة شعبية بكل المقاييس.