«أمهات في الظل».. رحلات شقاء 3 سيدات لـ«حياة كريمة»

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

-«أم فتحي» رحلة يومية من «سنديون» للغورية لبيع الخضروات للإنفاق على الأيتام

-«حُسنية» «سيدة المش والفطير».. تجسد أعظم ملامح العطاء مع ابنتها المطلقة وأبنائها

 -«منال».. تمسح أحذية للإنفاق على زوجها المريض وصغارها الثلاثة

 

الأمهات أوطان صغيرة.. ففي كل أم وطن نسكنه، نحبه، نفتخر به.. ولكل أم رسالة تجسد المعنى الحقيقي لفطرة الله، فتضرب الكثيرات أروع ملاحم العطاء، ظاهرها الرحمة وباطنها الشقاء، حتى تكمل مسيرتها مع أبنائها لتوصلهم إلى الأمان والاستقرار في دروب الحياة.

وبالتزامن مع احتفالات المصريين بعيد الأم، أيقونة الأعياد المصرية، في 21 مارس من كل عام، تبرز «بوابة أخبار اليوم»، مشوار عدد من الأمهات المثاليات، اللاتي تعملن في الظل، وتجسد رحلاتهن أفضل قصص النجاح والفخر، فبذلن كل غالي ونفيس من أجل إسعاد أبنائهن وكل من حولهن.. وتقدم السطور التالية أبرز تلك النماذج..

أم فتحي «بائعة الخضروات».. رحلة يومية من «سنديون» للغورية

البداية من الحاجة «أم فتحي»، بائعة الخضروات، تلك السيدة الستينية التي تجسد المعني الحقيقي للعطاء، وتضرب أروع وأقوى الأمثلة في رحلات شقاء الأمهات اللاتي تستحق عن جدارة لقب «ست بـ100 رجل»، فهي تقضي رحلة يومية تنطلق من قرية «سنديون» بمحافظة القليوبية، إلى سوق الغورية بالقاهرة، لعرض منتجات أرضها الزراعية من خضروات على «فرشة صغيرة» بقلب السوق.

«أم فتحي» تستيقظ يوميًا قبل أوان الفجر بنصف ساعة، فتبدأ في تهيئة نفسها للصلاة، فتصلي ثم تحمل بضاعتها في «قفص» أو «عداية خشبية» كبيرة مليئة بالخس والفجل والباذنجان والطماطم، وتتوجه إلى الطريق السريع لتستقل أتوبيسًا ينقلها إلى القاهرة في الخامسة والنصف صباحًا، ومن موقف أحمد حلمي، تنتقل إلى سوق الغورية مترجلة، لتبدأ في تهيئة فرشتها، وعرض بضاعتها للزبائن، فتواصل عمليات البيع حتى أّذان المغرب، وعند حلول الظلام تبدأ في لّم فرشتها وجمع بضاعتها وتخزينها في أحد مخازن السوق، لتعيد الرحلة بشكل يومي.

«السيدة أم فتحي» تروي لـ«بوابة أخبار اليوم»، قصتها في الكفاح من أجل لقمة العيش عبر مشواري السفر واقتحام السوق، قائلة: «أنا من الناس القديمة اللي تعودت على الشقاء، فمنذ طفولتي وأنا أنزل الأرض لأزرع مع والدي، وبعد زواجي واصلت المشوار مع زوجي الذي يمتلك ربع فدان، للإنفاق على بيتنا وتعليم أولادنا الـ6 من خير الأرض».

وتضيف: «علّمنا أولادنا، بعضهم يعمل في الوظيفة وآخرين يعملون باليومية، وزوجت الـ3 بنات، إلا أن إحداهن توفي زوجها، فانتقلت للعيش معنا في بيتنا، وزوجي الآن على المعاش، وبعد أن ضاق الحال وتعددت المطالب، قررت نزول السوق لبيع منتجات الغيط من خضراوات، وشراء الخس والفجل والجرجير من أهالي البلد، لبيعها في سوق الغورية».

وتابعت: «مشوار كل يوم مرهق، لكني مضطرة للعمل من أجل الإنفاق على أحفادي وعائلتي، فأبنائي الرجال لديهم أسر ومسئوليات، وابنتي أرملة وأولادها الأربعة أيتام، ولكن أكثر ما يسعدني هو يوم الثلاثاء، حيث نتجمع كل ثلاثاء في البيت الكبير، فيحضر أبنائي وأحفادي، ونعد وليمة أسبوعية كبيرة، تتكلف حوالي 500 جنيه، من أجل لم شمل الأسرة، في هذا الوقت لا أشعر بالتعب، فكل مشاعري تتحول إلى سعادة وأبنائي وأحفادي حولي».

وأضافت في نهاية حديثها معنا: «سأواصل رحلتي حتى آخر يوم في حياتي، رغم مرضي بالضغط وإصابتي في ساقي، لكني أؤدي رسالة وظفني الله من أجلها، سأواصل في تقديمها حتى آخر يوم في حياتي، فأنا أعشق أبنائي وسأقدم كل لحظة من عمري من أجل إسعادهم».

«أم محمد».. بائعة «المش والبيض والفطير المشلتت»

أما الحاجة «حُسنية» أو «أم محمد»، فهي تأتي من قريتها البعيدة بالشرقية إلى القاهرة لتستقر في أحد شوارع وسط البلد مع ابنتها «عفاف» لبيع منتجات البيت الشرقاوي الريفي من «المش والعسل والفطير المشلتت والبيض»، إلى زبائن القاهرة ممن يشتهون تلك المأكولات المصرية الأصيلة.

تقول «أم محمد» - كما تحب أن يناديها الناس-، لـ«بوابة أخبار اليوم»، إنها تأتي من قرية غزالة في الشرقية، لبيع منتجاتها، مضيفة: «أنا أرملة، زوجت أولادي الثلاثة، وتعيش معي ابنتي المطلقة التي لديها 3 أولاد في مراحلهم التعليمية المختلفة، قررنا سويًا عمل مشروع للإنفاق على أنفسنا، وهو بيع المش والعسل والفطير المشلتت والبيض، إلى زبائن القاهرة، واستقرينا في أحد شوارع القاهرة لبيعها».

وعن طرق تحضير منتجاتها، قالت «الحاجة حُسنية»: «نجهز كل يوم الفطير ليلًا ونخبزه، فيتكون من الدقيق والماء والسمن ويتم عجنه ووضعه بالفرن، ونلفه بقماش كي يحتفظ بسخونته، ثم نشتري المنتجات الأخرى مثل البيض والمش والجبنة الحادقة من الجيران، وتتوجه ابنتي إلى القاهرة لبيعها لكسب رزقنا، وأنا هنا أرعى أبنائها، وأذهب معها في كثير من الأوقات إلى القاهرة لمساعدتها، فنبيع الفطيرة الواحدة بـ15 جنيها، وكيلو العسل بـ35 جنيهًا، والمش بالكيلو».

وأضافت في نهاية حديثها: «الحمد لله مستورة، وربنا يبارك فيما رزق».

 

«منال» ماسحة الأحذية.. أكل العيش مُر

ومن «حُسنية» إلى «منال مصطفى»، ماسحة أحذية، البالغة من العمر 37 عامًا، فهي تستقر على رصيف نقابة المحامين بالقاهرة، وتفترش ملاءة صغيرة، وبينما هي تحمل صغيرتها، تظل منهمكة في تلميع أحذية المارة من أجل لقمة العيش.. هي تستحق عن جدارة لقب «المرأة الحديدية»، فاضطرتها الظروف إلى الانتقال بين أرصفة وسط البلد، لممارسة مهنة الرجال من أجل اللقمة الحلال، رغم أنها تعيش بكلية واحدة، بعد تبرعها بكلية لوالدتها المريضة.


تؤكد السيدة الثلاثينية لـ«بوابة أخبار اليوم»: أنها تأتي يوميًا بصحبة أبنائها الثلاثة و«صندوقها الخشبي» وأداة التلميع والورنيش، مع قطعة قماش بالية لتبدأ مهام عملها، وتواصل قائلة: «اسمي منال مصطفى، 37 عامًا عايشة في بولاق، بلمع جزم في وسط البلد، وبتنقل بين الأرصفة من 5 سنين عشان لقمة العيش، هو عمل شريف، ومش عيب».

وتضيف «منال»: «بخرج كل يوم من البيت من 5 الفجر ومعايا الصندوق والورنيش والمنشفة، بوصل الرصيف 6 صباحًا، واقعد في مكاني اشتغل لحد 6 المغرب»، مضيفة:«جوزي مريض بفيروس سي وبيتعالج، وعندي 3 أطفال بصرف عليهم، أكبرهم مروة في أولى ابتدائي، ومحمد 4 سنوات، والبنت الصغيرة سنة ونصف».

وتابعت: «فكرت في تلميع الجزم بعد تمكن المرض من زوجي، وتهديد صاحب الشقة لنا أكثر من مرة بالطرد بسبب عدم قدرتنا على دفع الإيجار».

وأوضحت أن شقتها المكونة من «أوضة وصالة» تفتقر أبسط مقومات الحياة، وأنها بحاجة إلى «بوتاجاز وأنبوبة» حتى تستطيع من خلالهما إعداد الأكل لأطفالها، كما تحتاج إلى «غسالة» تريح يديها التي لا تهدأ، مضيفة في نهاية حديثها: «بقالي 5 سنين شغالة، الزباين بتساعدني، الرزق على الله، وربنا يكرمنا».