عاجل

مواكب الشهداء في مصر .. من «المارشال الذهبي» لآخر شـهيد

أرشيفية
أرشيفية

"لو ع الحزن بنعرف نحزن بس مفيش للحزن مكان.. ابنى هيفضل جوة فى قلبى صورة بتضحك بالألوان.. لسه بيتنفس حرية حى فى عينى لا غاب ولا راح.. لسه ملامحه فى وش أخواته صبر وحلم وشوق وكفاح".

هذه كلمات ليست كالكلمات.. نعم هى تلخص مشاعر أب تجاه ابنه الشهيد.. لكنها تختصر أيضا حالنا كمصريين.. فنحن شعب نعتبر الشهادة عزا ومجدا وجاها وفخارا.. ومواكب نصر نحرص عليها كحرص أنفسنا على الحياة.. هى «نوبة صحيان» تشحذ وتسن حد الذاكرة عند 100 مليون مصرى ويزيد!!

ولقصة الشهادة فى مصر حكاية طويلة، حكاية تمتد جذورها إلى الأعمدة السبعة للشخصية المصرية كما أوضحها المفكر الراحل د. ميلاد حنا فى كتابه الشهير الذى يحمل نفس الاسم «بداية من الآن.. مرورا بالحقبات الاسلامية وقبلها القبطية.. وانتهاء بالعصور المصرية الأبعد والأقدم..

من هنا.. فإن للمصريين تاريخا ممتدا مع الشهادة، تاريخا يختلف عما ألفته حضارات العالم قاطبة.. لأنها تحولت لمعنى ولقيمة توارثناها عبر العصور، وسرت فينا «جيناتها» مسرى الدم فى العروق والخلايا.. حتى وصلت لعصرنا الحديث.

ويتفرد المصريون بنظرة احترام وتبجيل لأهل الشهداء وبالذات لأسرهم وأبنائهم، خاصة لو كانوا أطفالا..

نظرة الرئيس

تلك نظرة التبجيل التى يؤكدها الرئيس عبدالفتاح السيسى بكل مناسبة وطنية.. المتمثلة فى التحية لأرواح أبطال مصر من الشهداء.. فلا يترك الرئيس فرصة أبدا إلا ويُعلن قائلًا: «أتوجه بالتحية عرفانًا وامتنانًا وتقديرًا لأرواح أبطال مصر شهداء جيشها العظيم الذين روت دماؤهم الغالية رمال سيناء المقدسة، والتى اسفرت جهودهم عن السلام للمصريين».

ودائما ما يؤكد القائد الأعلى للقوات المسلحة مُعلنا.. «أوجه تحية من القلب لأبناء وأسر شهداء مصر على كل العصور وفى الحرب على الإرهاب»، وأن مصر تتذكر بكل الخير ولا تنسى تضحيات أبنائها، وهم يوفون بالعهد، عهد العمل والعطاء لهذا الوطن العزيز.. وأن أولئك الأبطال قدموا أرواحهم فداء للوطن ومن أجل أن يعيش 100 مليون مصرية ومصرى فى أمان وسلام، وأن دماء الشهداء هى التى كتبت تاريخ مصر ووضعت الأساس لبناء مصر الحديثة، ودعم قدرتها على مواجهة التحديات بفضل التلاحم بين شعبها وقواته المسلحة.

 كما لم ينس الرئيس أبدا مناسبة واحدة تُشعر أطفال الشهداء وأسرهم وذويهم أنهم وحدهم، أو أن «بطلهم الشهيد» غائب عن المشهد، بل هو حاضر معهم دائما يشاركهم تلك المناسبات من خلال حضور الرئيس وكبار رجال الدولة.. حدث هذا فى الأعياد الدينية وفى المناسبات القومية.. وعند دخول المدارس وبدايات العام الدراسي.. كان الرئيس معهم دائما يُشعرهم بحنان الأب ورعايته، وكذلك كبار المسئولين بالدولة كانوا الآباء والأشقاء للأهل.

حكايات البطولة

وحكايات البطولة عند شهدائنا.. سواء فى حربنا ضد الإرهاب الأسود، أو خلال انتصاراتنا العسكرية على المعتدى المحتل لأراضينا.. كثيرة وأكثر من أن ت حصى ما علمنا منها، فما بالنا بما لم نحصه.. لكننا نقدم منها بعض نماذجنا المضيئة، التى تُعد كل منها «محطة» مهمة فى موكب الشهداء، أو نقطة تحول فى انتصاراتنا..

 فمن منا لا يذكر استشهاد البطل أحمد منسى أسطورة الصاعقة وقاهر الإرهاب الأسود فى سيناء، الذى استشهد فى أرض الفيروز أوائل يوليه 2017، الرجل الذى مازال زملاؤه ومقاتلوه يذكرونه بكل الخير حتى الآن، وأذكر عندما زرت كتيبته منذ شهور قليلة، وجدت صورة مُعلقة بكل أنحائها، فمازال يعيش بينهم حتى كتابة هذه السطور!!

هكذا كان البطل منسى الذى خدم فى العريش والشيخ زويد ورفح.. المنطقة التى كانت «مثلث الارهاب» فى سيناء اكثر من ست سنوات، حتى قامت قواتنا المسلحة الباسلة بتدمير بنيته الأساسية من جذورها.. أذاق خلالها الجبناء من عصابات التكفير المرار علقما، لذلك كانوا يعرفونه تمام المعرفة ويترصدونه مجموعات!!

كان معروفا عنه أيضا علاقة المحبة التى تربطه بزملائه الأقباط، فقالت السيدة زوجته بإحدى الندوات التثقيفية للقوات المسلحة: « أحمد بكى وحزن كثيرا عندما حدث تفجير بإحدى الكنائس، فكان يحب الإخوة الأقباط جدًا ويحبونه، لدرجة أنه «إتصلى» عليه فى «المساجد والكنائس» معا عقب استشهاده».

رثاه أحد زملاءه بالكتيبة، ممن شاركوا فى دفنه أيضا.. قائلا:

 «شفتوا القمر ؟؟.. لأ..أنا شفته..

- طيب ممكن أسألك سؤال ؟

أنا لسه مقابلك فى فطار السيل «أى إفطار رجال الصاعقة»، وقلت لك يا فندم انت وشك «متبهدل» من الشمس.. ممكن تقولى لما كشفت وشك وبوستك وبصيت عليك وشك ابيض كده امتى وإزاى؟!

- طيب ممكن تقولى انت ليه هادى كده؟ وشكلك نايم ووشك مرتاح مع انك مستشهد فى ضرب نار وانفجار؟! إزاى عضلات وشك مرتاحة أوى كده كأنك نايم مش ميت؟!

- طيب ممكن تقولى إزاى وأنت فى لحظاتك الأخيرة قدرت تركز وتقول بأفرولى بأفرولى بأفرولى، وناديت اسم حمزة ابنك وباقى الأسماء؟!

وصيتك دفنك بأفرولك وحصل زى ما أمرت والأفرول هو اللى إتشرف والله..

- طيب ممكن تقولى وأنا «بعدلك راسك» تحت فى القبر إزاى دمك سال فى إيدى بالشكل ده، وأنت بقالك يومين فى التلاجة؟!

- طيب ممكن تقولى ايه الزفة دى وإزاى كل دى ناس بتحبك وبتدعيلك كده؟! وكلهم عارفينك.. عرفتهم أمتى وفين وإزاى؟!

- نمت على جانبك اليمين جنب والدك د.صابر أعز حد كان عندك فى الدنيا؟!

يا فرحتكم ببعض وبالجنة.. نشهد برجولتك وشجاعتك وبطولتك وأخلاقك وإخلاصك، وضميرك وحبك وعشقك لتراب بلدك لما أنت ما تبقاش شهيد مين هيكون يعنى !!؟ طيب أحنا ماشيين بقى السلام عليك يا طيب الذكر..سلام عليك يا أخى حتى نلتقى».

كان الشهيد منسى مقاتلا من طراز رفيع.. يجمع بين الكفاءة القتالية العالية، والروح الانسانية المثالية، يشبه أسلافه العظماء وربما كان الأقرب فى سلوكياته لقائد وبطل أسطورى فاخر هو الشهيد ابراهيم الرفاعى الذى سبب الجنون للعدو الاسرائيلى من جرأة وقوة ودهاء العمليات التى قام بها ورفاقه من أبطال المجموعة «39 قتال» خلف خطوط العدو، والتى أدت لانتصاراتنا فى حربين متتاليتين.. هما حرب الاستنزاف، وانتصارات أكتوبر المجيدة.. والمثير ان البعض أطلق على المنسى لقب «رفاعى 2017» من شدة الشبه بينهما إنسانيا وبطوليا!

أما الشهيد البطل اللواء عادل رجائى قائد إحدى الفرق المدرعة بالقوات المسلحة، الذى استشهد فى أكتوبر 2016 أمام منزله بمدينة العبور، أثناء توجهه للعمل فهو يمثل أيضا نقطة تحول فى حربنا على الارهاب، لأنه عمل لفترة كبيرة فى شمال سيناء، وكان له دور بارز فى عمليات هدم الأنفاق على الحدود الشرقية لمصر.. وتميز أيضا بأخلاقه العالية الرفيعة، وقربه الشديد من رجاله ضباطا وضباط صف وجنودا.

100 مليون مطمئن

يواكب هذين البطلين عشرات من الحكايات التى لم ترو عن أبطال من الشهداء بين عناصر قواتنا المسلحة، ورجال الشرطة المدنية يضيق المجال عن ذكرهم جميعا واحدا واحدا.. كلهم قدموا أرواحهم فداء للوطن ولكى نعيش 100 مليون مواطن مطمئن مما تريده جماعات خفية ممولة من الخارج، وتريد نشر الإرهاب الأسود بيننا.

أما احتفالنا بيوم الشهيد فى «9 مارس» من كل عام فله حكاية تمتد لنصف قرن من الزمان.. أى منذ خمسين سنة من الآن، فهو يوم استشهاد أحد شهداء مصر الأبرار، وهو الفريق اول عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب قواتنا المسلحة عام 1969 الذى لقبوه فى الاتحاد السوفييتى «وقتها» باسم المارشال الذهبى نظرا لتفوقه على أقرانه من الدول الأخرى فى فنون التكتيك العسكري.. الرجل الذى استشهد على خط المواجهة المباشر فى جبهتنا الأمامية مع العدو الاسرائيلى وقت احتلال سيناء عقب هزيمة 1967.

يعنى إيه وطن؟

ولأن القائد العسكرى فى جيشنا يتقدم الصفوف.. ويقول دائما لجنوده: اتبعوني.. فقد قرر استطلاع الموقف على الجبهة يوم الثامن من مارس أثناء عمليات تبادل لاطلاق المدفعية على الجبهة، وكان عند النقطة 6 بترقيم القناة، وكان الجانب الاسرائيلى يقصف المكان عشوائيا، فانفجرت «دانة» بالقرب من الخندق الذى كان يستطلع منه العمليات، أدت لاستشهاده فداء للشعب وللوطن. 

وأخيرا.. كلنا نتذكر مقطعا شهيرا من نشيدنا الجميل «يعنى ايه كلمة وطن؟!» الذى كتبه الفنان محمد العدل؟! يعنى أرض.. حدود.. مكان.. ولا حالة من الشجن؟!

والإجابة.. إن كل نقطة دم سالت من جسم شهيد فى أى معركة، وكل لحظة أمان عشناها و»بنعيشها».. أجابت يعنى ايه كلمة وطن؟!