بطاقة ٢٥٠٠ طن يوميًا.. «الأخبار» داخل أكبر مصنع لتدوير القمامة في «١٥ مايو»

صورة من المصنع
صورة من المصنع

- ٨ دول تستعين بالتجربة المصرية

على مدار عقود كانت هناك محاولات لاستقطاب العديد من التجارب والشركات العالمية لاستغلال القدرات التقنية والتكنولوجية الكبيرة فى محاولة للتخلص من أزمة القمامة، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل فى النهاية.. على الرغم من امتلاك مصر الكثير من المشروعات الوطنية المتطورة فى مجال المعالجة والتخلص والدفن الصحى للمخلفات الصلبة، والتى فى حال تعميمها يمكن أن توفر الملايين مع حل مشكلة القمامة بشكل آمن، ولعل مشروع المعالجة والدفن الصحى للمخلفات، بمدينة 15مايو جنوب القاهرة، التابع للشركة المصرية لتدوير المخلفات الصلبة «إيكارو» من أنجح هذه المشروعات.

 «الأخبار» قامت بجولة ميدانية داخل مشروع 15 مايو، والتقت المسئولين لشرح تفاصيل التجربة وكيفية الاستفادة منها فى كافة المحافظات.

تلال القمامة تنتظر دورها للدخول فى عملية التدوير لتسلك طريقها نحو المدفن الصحى للتخلص منها بشكل آمن، سيارات محملة بالمخلفات تسير فى اتجاه ماكينات الفرز حتى تأخذ دورتها الكاملة سواء فى التحول إلى السماد العضوي، أو الوقود البديل، بالإضافة لنقل المواد غير الصالحة للتدوير «المرفوضات» إلى المدفن.. اثناء السير تجد أكوام السماد فى شكلها النهائى جاهزة للبيع، وحركة ناقلات الوقود الصلب لا تتوقف.. النظام والحرفية يحكمان العمل داخل المشروع، كما أن الأجهزة والماكينات المتطورة تجعل المكان قليل العمالة البشرية مواكبا للمشروعات المتطورة الحديثة فى الدول المتقدمة.

رافقنا بجولة مطولة داخل المشروع كل من د.هشام شريف العضو المنتدب لشركة «إيكارو»، والمهندس محمود زاهر مدير المشروع، والمهندس مهاب شريف المسئول عن المدافن الصحية.

بداية يقول زاهر، إن هنالك عقدا مبرما بين شركة «إيكارو» وهيئة نظافة وتجميل القاهرة بخصوص معالجة مخلفات المنطقة الجنوبية التى تضم 13 حياً، وبالتالى تخدم حوالى 5 ملايين نسمة، وقد تم هذا التعاقد عام 2004.

ويضيف قائلا إن الخدمة التى يقدمها المشروع تشمل معالجة القمامة المنزلية بالإضافة إلى تصميم وإنشاء مدفن صحى لدفن مرفوضات التشغيل، ويستقبل المشروع حوالى 2500 طن مخلفات يوميا، ويعمل به حوالى 234 عاملا فى ثلاث ورديات للعمل يوميا.. كما تبلغ مساحة المشروع 100 فدان بواقع 35 فدانا للمصانع، و65 للمدفن الصحى.

أزمة «النباشين»
ويتابع أن العمل داخل المشروع يتم وفقا لمنظومات محددة، أولاً منظومة الفرز والاسترجاع، فالمخلفات فى مصر مختلطة وليست مفصولة من المنبع، وبالتالى لابد من فصل مكوناتها، فتبدأ عملية الاستقبال للمخلفات فى منطقة محددة بالمشروع ( الاستقبال )، ورفعها مباشرة إلى المصانع وخطوط التشغيل وهى عبارة عن سير صاعد وماكينة تفتيح أكياس، بالإضافة إلى سير للفرز ثم لاقط «مغناطيسى» و«منخل» للتصفية.

ويؤكد زاهر أنه فى بدايات المشروع كانت هناك كثافة فى وجود العمال على خطوط التشغيل والفرز نظراً لوجود مفروزات نستطيع استغلالها مثل الكرتون والبلاستيك والمعادن وغيرها، إلا أننا فى الوقت الراهن نعانى من مشكلة كبيرة تتمثل فى انتشار «النباشين» فى الشوارع لفرز القمامة المنزلية والتجارة بها، وبالتالى أصبح تشغيل خطوط الفرز بعمالة كبيرة غير مجد اقتصاديا، فيتم استقبال القمامة على سير الفرز، وتشمل هذه المرحلة «الفرز الأولي» لفصل المواد الثقيلة التى يمكن أن تضر بماكينات التشغيل، ثم فصل بقايا الطعام « المواد العضوية » عن المخلفات الصلبة ليتم استخدامها فى صناعة السماد العضوي، والمرفوضات التى تستخدم فى صناعة الوقود البديل.. ويشير إلى أنه بعد فصل المادة العضوية عن المرفوضات، ننتقل إلى منظومة المعالجة البيولوجية بنظام المصفوفات، لانتاج الأسمدة العضوية بطريقة « الكمر الهوائى »، من خلال تقليب المواد العضوية وتزويدها بالماء مع درجة حرارة معينة لتدخل فى عملية التحلل، ثم تقلب لمدة شهرين حتى تتحول إلى شكلها النهائى كسماد جاهز للتسويق.

الوقود البديل
ويتابع زاهر أن المرحلة الثانية بعد عملية الفصل تشمل المرفوضات، وقديماً كانت هذه المرفوضات تذهب إلى المدفن الصحى بنسبة 100% لعدم وجود استخدام لها، ولكن بعد عام 2011 وأزمة الوقود وتحرير سعر الطاقة، بدأت الشركات والمصانع التى تستخدم طاقة كبيرة فى الاتجاه نحو البدائل المتاحة لتوفير النفقات، فاتجه المشروع إلى تخصيص جزء من المرفوضات من المخلفات الصلبة فى إنتاج ما يسمى بالوقود البديل RDF»».. وتبدأ هذه المنظومة بفرم المرفوضات بماكينات فرم أولية، ثم نخلها، ويتبعها مرحلة الفصل بماكينة الفصل بالهواء، ثم الفرم الثانوي، يليها الخلط والتجفيف للحصول على المنتج فى صورته النهائية.. ويكون الطلب على الوقود البديل كثيفا من قبل مصانع الأسمنت كثيفة الطاقة التى تستخدمه بديلاً عن الفحم لتوفير النفقات، كما أن اضراره البيئية اقل كثيرا من الفحم، ويبلغ سعر الطن من 500-700 جنيه حسب القيمة الحرارية.

المدفن الصحي
انتقلنا بعدها إلى المدفن الصحى للمرفوضات، وهى مساحات واسعة من الأراضى الصحراوية تم حفرها وتجهيزها على شكل خلايا بشكل منظم لاستقبال اطنان المرفوضات والتى تتكون من اى شىء لايستفاد منه وذلك للتخلص منها بشكل آمن، حيث يتم فردها على الارض ويقوم هراس بالمرور عليها ثم يتم فرش الرمال عليها بارتفاع وسمك معين كما ان هناك سيارات النقل و«الأوناش» منتشرة فى موقع العمل الذى لايتوقف، نظراً لنظام العمل المتطور الذى يواكب التكنولوجيا المتطورة.

من جانبه يقول مهاب شريف، المسئول عن المدافن الصحية بشركة «إيكارو»، إن المدفن الصحى يعد المرحلة الأخيرة من عملية المعالجة والتخلص من النفايات الصلبة، حيث يتم تجميع المرفوضات الخارجة من إنتاج السماد العضوى أو الوقود البديل، وفى بعض الأحيان يكون هناك سيارات محملة بمخلفات مختلطة تتكون من صخور ومخلفات بناء وغيرها من المواد التى لا يمكن فرزها فيتم توجيهها إلى المدفن الصحى مباشرة، ويتابع أن الشركة عند استلامها للموقع عام 2004، وجدت مدفنا عشوائيا غير آمن، فبدأت بإنشاء الخلايا الهندسة للمدافن الصحية المتواجدة حتى الآن، والخلية تبلغ مساحتها 90 ألف متر يتم تقسيمها إلى خلايا فرعية، وكل خلية فرعية تستقبل يوميا المخلفات ليتم التخلص منها بشكل آمن، وهناك عملية غطاء يومى لكل المخلفات التى يتم دفنها وتسمى بمرحلة الإغلاق حتى تكون هناك اثار للروائح والغازات، وتكون كل خلية مبطنة حسب المنطقة الجغرافية وطبيعة التربة منعا لتسرب أو تجمع «ماء الرشيح» الناتج عن بواقى المخلفات العضوية، مع وجود نظام لسحب السوائل والغازات عن طريق نزع الرطوبة منعا لتلوث التربة وفقا للقياسات العالمية.. ويضيف أن العمل داخل المدفن الصحى الهندسى يتم على عدة خطوات، بداية من استقبال السيارات الناقلة للمخلفات، ليقوم الونش الضاغط «compactor»، بفرد هذه المخلفات على سطح الخلية الفرعية فى خطوط طولية، بعدها يقوم الونش الضاغط بالمرور ببطء عليها بعد فردها، فى خطوط متقاطعة حيث يحدث ضغط كامل للمخلفات، ثم يقوم «اللودر» بنقل مادة الغطاء التى تم تشوينها على أطراف الخلايا الفرعية ويقوم بفردها على سطح الخلية فيقوم الـ«compactor» بالمرور عليها مجددا لاتمام عملية الانضغاط الكامل.

مشاكل وتحديات
تحدثنا مع د. هشام شريف، العضو المنتدب لشركة «إيكارو»، فيؤكد الأهمية الكبيرة للاهتمام بمنظومة التدوير والتخلص الآمن للمخلفات الصلبة فى مصر، ويتابع بأن طن القمامة يمكن أن يضم 50 % مادة عضوية، والتى يمكن دفنها بأكملها مع باقى المخلفات، إلا انها ستشكل مشكلة كبيرة، لأن 50% منها تقريبا تشكل «رطوبة»، فعلى سبيل المثال فى حال وجود 2000 طن قمامة يومياً، ستتضمن 1000 طن مادة عضوية، ينتج عنهما 500 متر مكعب من الماء، فيترسب فى العام حوالى مليون ونصف المليون متر مكعب من ماء الرشيح الناتج عن المخلفات، مما يسبب كوارث بيئية وصحية ناهيك عن انتشار الروائح الكريهة.. ويتابع أن العقد المبرم مع الشركة ينص على إلزامها بتدوير 20% من حجم القمامة التى تحصل عليها، مما يعنى دفن 80% من المخلفات بما فيها من مادة عضوية وبالتالى اضرار جسيمة من الناحية البيئية، إلا أن شركة «إيكارو» تعمل بمنظومة احترافية ويهمها فى المقام الأول الحفاظ على البيئة والتخلص الآمن من القمامة والاستفادة منها قدر الامكان.. ويضيف شريف، أن المادة العضوية الموجودة فى القمامة هى نتائج من التربة فهى بقايا طعام سواء خضراوات او مواد نشوية وغيرها، ولذلك تكون مفيدة للغاية كسماد عضوى للتربة بعد تنقيتها ومعالجتها عن طريق «الكمر الهوائى للمخلفات» لإنتاج السماد.. ولذلك يتم تحويل 25% من طن القمامة داخل المشروع إلى سماد عضوي.

تجربة ناجحة
يضيف أن منظومات المعالجة والتخلص الآمن من النفايات يجب تعميمها فى كافة المناطق، فمشروع 15 مايو يعد تجربة عمرها 14 عاما فى المنطقة الجنوبية لمحافظة القاهرة، وهناك تجربة اخرى فى محافظة الدقهلية منذ 6 سنوات، كما أن الشركة تمت الاستعانة بها فى نقل التجربة إلى حوالى 8 دول منها السعودية، والسودان، وماليزيا، وليبيا، والجزائر وخلال هذا العام ستفتح الشركة مدافن صحية فى رأس الخيمة والشارقة بالإمارات، فلولا نجاح المشروع فى مصر لما تمت الاستعانة به فى الخارج.. ويشير شريف إلى أن الدولة تعانى من انتشار مقالب القمامة العشوائية التى تبلغ حوالى 400 مقلب على مستوى الجمهورية، بسبب سوء التنظيم وإعطاء حق الانتفاع منها لأشخاص غير مؤهلين لا يهمهم سوى الحصول على المخلفات الصلبة التى يمكن الاستفادة منها اقتصاديا، وحرق باقى القمامة او تركها فى العراء مما يسبب مشاكل بيئية وصحية كارثية. لذا يجب غلق مدافن « الوفاء والامل » والعمل على توفير اماكن لمنطقة شرق وشمال القاهرة.