حكايات| السد العالي اليوناني.. «براسكوس» حارس قاد مصر لأول بطولة أفريقية

السد العالي اليوناني.. «براسكوس» حارس قاد مصر لأول بطولة أفريقية
السد العالي اليوناني.. «براسكوس» حارس قاد مصر لأول بطولة أفريقية

حين اشتدت الإصابة عليه وجد هيكل حارس الأهلي الراحل يقف خلف المرمى يشجعه بقوة، وكلما كان قريبا من رفع راية الاستسلام عاد اليوناني «براسكوس» إلى المشهد بقوة ليدافع عن عرين الفراعنة أمام الديوك الفرنسية في واحدة من أهم البطولات التاريخية العالمية لمصر.

 

منذ مولده في 10 يناير 1931 في بور فؤاد، غاص الشاب اليوناني براسكوس تيرميريتيس في حواري وشوارع المدينة، حتى تركت شمسها في وجهه علامات مصرية لشاب من أبوين يونانيين.

 

تاريخ مفقود

 

لا تزال كرة القدم في مصر تفقد جزءًا تاريخيًا من مشوارها غير العادي لضعف التوثيق؛ لكن «حسن أمين- لاعب بور فؤاد السابق» يحتفظ في ذاكرته بالكثير عن هذا الحارس التاريخي؛ إذ كشف لـ«بوابة أخبار اليوم» أن «براسكوس من مواليد بورسعيد لأسرة يونانية كانت مقيمة في مصر، وكانت منطقة بور فؤاد مليئة باليونانيين».

 

اقرأ للمحرر أيضًا| «ماحدش بيلعبها بالساهل».. بدايات الظل لنجوم الكرة

 

«انتقل براسكوس لحراسة مرمى نادي أولمبي القناة في دوري الدرجة الثانية تحت القيادة الفنية للفرنسي بول بلان، وأثبت الشاب اليوناني جدارته بحراسة مرمى فريقه المصري؛ بل وقاده إلى الدوري الممتاز للمرة الأولى موسم 1953/54، مع جيل يضم محمد أبو جريشة، وروكا، ومحمد عبد الله، وأنوس الكبير، ويوسف أبو العلا».

 

 

أما شهادة سيد عبد الله، حارس مرمى المصري البورسعيدي ومنتخب مصر عن الرجل.. «براسكوس أعظم حارس رأته عيناي، لن يتكرر مرة أخرى.. لقد كان مثلًا أعلى لكل حراس هذا الجيل».

 

كيف انضم براسكوس للفراعنة؟

 

يروي الدكتور طه الطوخي، شيخ المدربين المصريين، قصة انضمام براسكوس لمنتخب الفراعنة، قائلا: «تعاقد منتخب مصر مع أستاذ أساتذة التدريب اليوغوسلافي ليوبيسا بروشتش في العام 1954، وحينها كان براسكوس أحد أفضل حراس المرمى الشباب في الدوري المصري مع نادي أولمبي القناة».

 

وبحسب الدكتور الطوخي فإن بروشتش طلب من براسكوس الانضمام لمنتخب مصر، فبادر الحارس اليوناني الشاب بطلب الجنسية المصرية لتمثيل الفراعنة، وبالفعل حصل عليها ليحرس مرمى المنتخب الوطني وهي المرة الأولى والأخيرة في التاريخ التي يحصل فيها لاعب على الجنسية المصرية لتمثيل الفراعنة.

 

اقرأ للمحرر أيضًا| رحلة بروشتش.. عملاق التدريب من الفراعنة والأهلي إلى قيادة برشلونة ويوفنتوس

 

وبالفعل شارك براسكوس مع منتخب مصر في بطولتي دورة ألعاب البحر المتوسط في إيطاليا، وكذلك أول بطولة لأمم إفريقيا عام 1957 في السودان، وكان حارس مرمى مصر الأساسي ومعه أسطورة مصر والأهلي عادل هيكل احتياطيًا، وقدم مباريات قوية مازالت في ذاكرة من حضروها حتى الآن.

 

 

هيكل الراقي

 

هنا يزيد الكابتن حسن أمين لاعب بور فؤاد السابق عن هذا الحارس جمالا بقوله: «تألق براسكوس في حراسة مرمى منتخب مصر خلال خمسينيات القرن الماضي، فقاد الفراعنة للانتصار على إيطاليا وفرنسا وحافظ على نظافة شباكه أمام الآزوري، ورغم المنافسة على حراسة مرمى الفراعنة، كان هيكل يشجع براسكوس من خلف المرمى أمام فرنسا بعد علمه بأن زميله اليوناني المصري يلعب مصابًا من أجل تحقيق الفوز».

 

 

واصل براسكوس رحلته مع منتخب مصر وقاده للتتويج بكأس الأمم الإفريقية للمرة الأولى في النسخة الافتتاحية للبطولة الأكبر عام 1957 بالسودان، وتألق في المباراة النهائية أمام إثيوبيا والتي حسمها الديبة بسوبر هاتريك تاريخي. 

 

اقرأ للمحرر أيضًا| رحلة مصري من «المظاليم» حصد دوري أبطال أوروبا أربع مرات

 

في منتصف الستينات رحل براسكوس إلى أستراليا حيث رزق بابنته ماريا، وبعد فترة عاد إلى اليونان، ولكن علاقته بمصر لم تنقطع، فأنجب ابنه الذي تزوج من ابنة أحد نجوم الكرة البورسعيدية بعد ذلك، واتجه للتجارة مع إخوته في اليونان، فامتلك متجرًا لبيع الحبال والمشمع، وهي مهنة والده الذي كان عاملاً بهيئة قناة السويس في بورسعيد.

 

 

 

دعوة وعودة

 

بدموع الذكريات المختلطة بمواقف التاريخ يستعيد الطوخي الكثير فيقول: «عادل هيكل كان حريصًا على التواصل مع براسكوس رغم رحيله عن مصر، وواصل الثنائي هيكل وبراسكوس تبادل الخطابات في مختلف المراحل، حتى دعاه إلى مصر مرتين، فكانت فرصة لاستعادة الذكريات مع الحارس اليوناني الرائع».

 

وخلال الزيارة الأخيرة لبراسكوس، والتي كانت في منتصف التسعينات، دعاه عادل هيكل للتكريم داخل النادي الأهلي، وكذلك نور الدالي داخل نادي الزمالك بحضور الكاتب الصحفي ناصف سليم، وعبد الفضيل طه، والأساطير طه إسماعيل وهيكل والدالي، وزكي عثمان ونبيل نصير، وحنفي بسطان، وكانت المرة الأخيرة التي نرى فيها براسكوس في مصر.

 

 

ويواصل حسن أمين كلماته: «علاقتي ببراسكوس امتدت لأكثر من 30 عامًا، عندما سافرت إلى اليونان وبدأت حياتي العملية هناك، وعملنا سويًا لفترة، وكانت علاقتنا العائلية أكثر من رائعة، وعندما عدت إلى مصر للمرة الأخيرة في العام 1989، أوصلني نجله إلى المطار».

 

اقرأ للمحرر أيضًا| مجدي طلبه.. نجم عشقته اليونان ولعب للثلاثة الكبار في مصر

 

«بعد عودتي إلى مصر طالبته بالعودة وزيارتنا، وأرسلت له عدد من إحدى الصحف تتحدث عن كونه اللاعب الوحيد الذي حصل على الجنسية المصرية لتمثيل منتخب مصر، وشعر هو بسعادة كبيرة وقال لي (سعيد بأن المصريين مازالوا يتذكرونني)، لكن عندما تحدثنا عن عودته لمصر، توفي نجله، ودخل في حالة اكتئاب أفقدته الرغبة في فعل أي شيء».. حروف نطقها أمين غير أنها تحمل تفاصيل مؤلمة للحارس السابق.

 

 

صدمة الوفاة

 

توفي براسكوس في يوم 16 نوفمبر الماضي، بعد صراع مع المرض، في منطقة بيريوس بالعاصمة اليونانية (أثينا)، حيث عاش بعد رحيله عن مصر واستراليا، وسط حالة تجاهل من اتحاد الكرة المصري.

 

يظل براسكوس حالة فريدة في تاريخ كرة القدم المصرية، وشاهد على جوانب عظيمة من تاريخ المجتمع المصري الذي استوعب مختلف الجنسيات والأديان ومازال يقدم الصورة الأفضل للمجتمع المدني الراقي منذ نشأة التاريخ، وحتى الآن.