حكايات| «بلبل عراقي».. هرب من «الخراب» في طائرة وعاد بقرار ترحيل

البلبل العراقي بعد ترحيله
البلبل العراقي بعد ترحيله

«لقد ضقت ذرعا بهذا البلد.. لما أنا سيء الحظ جدا بهذا الشكل.. لما ارتكبا أبي وأمي جرمهما وأخرجاني للحياة في هذا البلد.. فأنا محاط بالدماء والرصاص.. ليس هناك قيد أنملة وإلا الموت يرفرف بجناحيه المقيتين فوق رأسي.. أنا استحق أفضل من ذلك.. فأنا مكاني أحد المسارح العالمية أشدو على خشبته بصوتي.. أنا استحق أن يصفق الجمهور لي تحيةً لإبداعي وتألقي.. لابد أن هناك حل لما أعيشه من خيبات».

 

via GIPHY

 

هجرة بلبل!!

 

الحل في الهجرة.. تفتق عقل «بلبل عراقي» إلى هذا الحل؛ معلنا كفره بما حل بالعراق من خراب، في ظل ما يعيشه العراقيون من ظروفا صعبة، فهم يهربون من الموت ويجدونه في البحر غرقا أو في المطر يأكل خيامهم أو في الشمس تحرق جباههم، وإذ كل نعم الطبيعة تتحول في حالتهم إلى نقمات الدهر..

 

بل وعدد «البلبل العراقي»؛ الأرقام المفزعة التي يعلمها عن النازحين العراقيين، ومر من أمام عينيه مشاهد الـ 6 ملايين عراقي الذين تشردوا جراء الحرب على تنظيم داعش الإرهابي والتي بدأت عام 2014، ورغم إعلان العراق انتهاء الحرب ضد «داعش» في ديسمبر 2017 إلا أنه لم يعد منذ ذلك الوقت إلا حوالي 736 ألف نازح..

 

أرقام مفزعة

 

«البلبل العراقي»، ذهب إلى أبعد من العراق وعدد أرقام المهاجرين حول العالم، وكأنه يشجع نفسه على فكرة الهجرة من هذا البلد، واستعرض الـ 21 مليون شخص الذين اضطروا لمغادرة بلادهم في أخر إحصائية بعام 2015، ملمحا إلى أن هذا الرقم أعلى من أي وقت سابق منذ الحرب العالمية الثانية.

 

في عام 2014، قام 11 مليون إنسان بالنزوح وهو ما يشكل أعلى معدّل حتى الآن، أي أنه يوجد شخص مجبر على الهرب كل 3 ثوان أو ما يعادل 30 ألف مجبرين على النزوح يوميا، الأرقام بدأت تتقافز في ذهب البلبل العراقي دون مجهود منه، وكأن كل شيء يقول له، غادر!..

 

قرار الهروب

 

اتخذ «البلبل العراقي» قراره بالمغادرة معلنا كفره بكل هذا الخراب الذي تعيشه البلاد، وأعد خطته واختار وجهته وبدأ في تنفيذ مبتغاه، وحلق بجناحيه متجها إلى مطار إربيل الدولي، ونصب عينيه حلم الهجرة في أول طائرة متوجهة إلى أي دولة أوروبية، وبالفعل تمكن الطائر العراقي من التسلل إلى داخل طائرة من الخطوط الجوية النمساوية في الإقليم العراقي، قبل إقلاعها في رحلة اعتيادية نحو فيينا.

 

ولكن يبدو أن الطائر سيء الحظ كما أغلب العرب، وجاءت الرياح كما لم تشتهي السفن، واكتشف أحد الركاب وجود الطائر، بعد إقلاعها ووصولها إلى ارتفاع شاهق، قام طاقم الطائرة بالقبض على العصفور، وما أن وصلت الطائرة إلى الأراضي النمساوية، حتى تم تسليم الطائر للطبيب البيطري المسؤول في المطار.

 

يتمتع بصحة جيدة

 

وخلال إجراء الكشف الطبي عليه، حدث الطائر نفسه متسائلا: «ما هذا الحظ السيء الذي يلتصق بي؟ كنت أظن أنني سأتركه خلفي في العراق، ولكنه يبدو أن سبقني أيضا إلى النمسا؟ ما الذي سيحل بي الآن؟ هل سترق قلوب النمساويين مع حالتي؟ أم أن الوضع سيزداد خيبة؟».

 

طبيب المطار، بدأ في ممارسة مهامه وأجرى الكشف الطبي عليه، وما أن انتهى من الفحوصات حتى أشار إلى عدم وجود أي خطورة على حياة الطائر، إذ تبين أنه يتمتع بصحة وافرة رغم مشاق السفر الجوي، وعدم معاناته أي أمراض مُعدية.

 

كتم الطائر العراقي فرحة في صدره، وقال بينه وبين نفسه: «يبدو أنهم سيقبلون بي في هذا البلد.. فأنا سليم معافى»، ولكن ليس كل ما نتمناه يشاء له القدر بالاستجابة، وبعد تفكير متأن من قبل الخطوط الجوية النمساوية، تم اتخاذ قرار إعادة البلبل على الرحلة التالية لشركة الطيران المتجهة إلى موطنه، على أن يتم وضع في قفص حتى عودته إلى العراق.

via GIPHY

 


هواجس الأوروبيون

 

اضمر البلبل العراقي ما تشكل في نفسه من حنق تجاه هذا البلد الأوروبي، ولم يبد أي ملامح تعجب أو استغراب من هذا الفعل، فهو يعلم جيدا أن أولى ملامح التغيير التي ساهم فيها المهاجرون انعكس في الدول التي وصلوا إليها، إذ بدأت أوروبا تتوجس من القادمين الجدد وطفت قضايا الهوية والأسلمة والتغيير الديمغرافي، على السطح، كما أنه منذ أن أصبح حزب الحرية اليميني المُتطرِّف جزءا من الحكومة النمساوية، تغير المناخ السياسي في البلاد بشكل كبير، بخلاف أن التصريحات العنصرية أصبحت الوضع الطبيعي الجديد، بالإضافة إلى أن الساسة اليمينيون المتطرفون أصبحوا يتحكمون في الشرطة والقضاء ويجري إنفاذ سياسات الإسلاموفوبيا.

 

«البلبل العراقي» يعلم جيدا أن اللاجئون أصبحوا أول ضحايا اليمين المتطرف في دول أوروبا وليس النمسا فقط، بل ويعلم أيضا أن التقارير الأخيرة تفيد بأن المشاعر المناهضة للاجئين قد شهدت ازديادا ملحوظا خلال الأشهر القليلة الماضية. وهذه ليست حالة عامة في المجتمع فحسب، بل إنها تظهر بصورةٍ خاصة في المكاتب العامة والأماكن الحكومية الأخرى التي يجب على اللاجئين زيارتها بانتظام.

 

رجاء ربط الأحزمة استعداد للهبوط بالطائرة في مطار إربيل الدولي.. انتزع الصوت القادم من مذياع الطائرة «البلبل العراقي» من أفكاره، على حقيقة أن حلم الهجرة تم اغتياله قبل حتى أن يمر يوم واحد عليه، وبعد أن خاطبت إدارة مطار فيينا نظيرتها بمطار أربيل، في رسالة بالبريد الإلكتروني، تم اتخاذ قرار «ترحيله» على متن الطائرة التي جاءت به، لينتهي الحلم بعد ساعات من لحظات الأمل.