«اكتئاب الأطباء النفسيين».. عندما يهاجم المرض مُعالجه

«اكتئاب الأطباء النفسيين».. عندما يهاجم المرض مُعالجه
«اكتئاب الأطباء النفسيين».. عندما يهاجم المرض مُعالجه

- د.«إيمان»: المرضى وضغوط العمل ونظرة المجتمع «السبب».. وإخفاء الطبيب مرضه «أزمة»

- الدراما تقدم صورة خاطئة عن الأطباء النفسيين.. وبعض الاكتئاب وراثي والوقاية «هامة»

- د. «هلال»: العلاج بالصدمات الكهربية دليل تأخر الحالة.. والاكتئاب الذهاني نتيجة تفاعلات المخ

- هذه المراحل يمر بها مريض الاكتئاب قبل الانتحار.. والأطباء النفسيون المركز الثالث في الانتحار

 

لم يخطئ ونستون تشرشل، رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، حين أطلق لقب «الكلب الأسود» على مرض الاكتئاب الذي كان يحاصره في كل مكان، ذلك المرض اللعين الذي يؤثر على أكثر من 300 مليون شخص حول العالم – بحسب منظمة الصحة العالمية - وفي كل عام يموت ما يقارب 800000 شخص من جراء الاكتئاب المفضي إلى الانتحار.


النهاية المأساوية لمرض الاكتئاب القاتل كان ضحيته الأخيرة الطبيب النفسي المُنتحر، إبراهيم أحمد، 33 عاما، والذي قفز من الطابق السابع ببرج سكني بمدينة دمنهور بالبحيرة، ونشر على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» قبل وفاته عن إصابته بالاكتئاب ورغبته في الانتحار، ووصوله لآخر مرحلة يتم استخدامها في العلاج، وهي العلاج بالصدمات الكهربائية «ECT»، قائلا: «مدام أنا كده كده رايح لنفس المصير، مرحهوش بسرعة ليه» في إشارة إلى الموت.


وسبق الطبيب النفسي المُنتحر «إبراهيم»؛ أطباء آخرين أبرزهم طبيب نفسي مغربي أقدم على الانتحار بمدينة الدار البيضاء، ويبلغ من العمر 38 عاما، ملقيا بنفسه من الطابق السابع الذي تتواجد به عيادته النفسية في عمارة بحي «بوركون»، وفي عام 2016، انتحر طبيب نفسي في تونس، يبلغ من العمر 43 عاما، إذ ألقى بنفسه من الطابق السابع لعمارة في منطقة أريانة، ومات قبل نقله للمستشفى.


وكشفت إحدى الدراسات عن نسبة الانتحار عند من يمارسون المهن الطبية بأنها تبلغ أعلاها عند الأطباء المتخصصين في التخدير، ثم يحتل الأطباء النفسيون المركز الثالث.


في هذا السياق، نتناول الأسباب والدوافع التي تؤدي بالأطباء النفسيين إلى مرض الاكتئاب المفضي إلى الانتحار، وكيف يمكن تجنبه والوقاية منه، وعلاجه، والصورة النمطية بالدراما عن الأطباء النفسيين بأنهم ذوي شخصيات غريبة الأطوار، وكثير من التفاصيل المثيرة حول اكتئاب الأطباء النفسيين.


الأسباب والعلاج.. وإخفاء المرض


في البداية تقول د. إيمان عبدالله، استشاري علم النفس والعلاج الأسري، في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم» إن نتائج الدراسة التي تشير إلى ارتفاع معدلات إصابة الأطباء النفسيين بالاكتئاب بعد أطباء التخدير نظرا لما يرون من حالات مرضية ويقومون بعلاجها ومن الممكن أن تؤثر عليهم، بالإضافة للضغوط الكثيرة، مضيفة أن بعض الأطباء النفسيين عندما يصابون بالمرض يخفون ذلك خوفا من نظرة المجتمع السلبية لهم وحتى لا يقال عنهم المثل الشعبي «باب النجار مخّلع».


وتابعت «مع إخفاء المرض عن الناس تزيد الضغوط النفسية عليه أكثر، ويتظاهر بمظهر يخالف واقعه، وبالتالي تزيد الضغوط ويُقبل على الانتحار، كما أن هناك جانب من الاكتئاب الشديد يؤدي فعلا إلى الانتحار، فمن الممكن أن يتناول المريض أدوية للاكتئاب ولم يفرغ هذه الطاقة بجلسات علاجية في عيادة ويتحدث للطبيب ويقوم بأنشطة ويسير على جدول أسبوعي».

 

وأضافت د. «إيمان» أن الطبيب النفسي المنتحر طالما كان يعالج بصدمات كهربية «ECT» فذلك يعني أن حالته النفسية متأخرة ولم يتوقع من حوله أن ينتحر بهذا الشكل، موضحة أن المريض بالاكتئاب لابد أن يكون من حوله على دراية بمرضه وكذلك طاقم التمريض خاصة إذا كانت حالته متأخرة ويعالج بالصدمات الكهربية «ECT»، مؤكدة أن مفهوم «الطبيب يستطيع علاج نفسه» خطأ كبير، وكان لابد من حوله أن ينتبهوا له بشدة لأن مريض الاكتئاب يؤذي نفسه أكثر من أي شيء آخر.


وأوضحت أن مريض الاكتئاب يكون في حالة من الحزن الشديد ولديه معاناة كبيرة ويتصور إذا تخلص من نفسه بالانتحار يرتاح من تلك الضغوط، مشددة على ضرورة تفريغ الطاقة النفسية مع أخصائي نفسي بالجلسات بجانب الطبيب النفسي الذي يعالج بالأدوية مما يساهم في تحسن الحالة.


واستطردت استشاري علم النفس والعلاج الأسري، أن المرض ليس عيبا وهو اختبار من الله - سبحانه وتعالى - والجميع يتساوى في المرض بما فيهم الأطباء النفسيين، مؤكدة على ضرورة أن يأخذ الطبيب النفسي راحة من علاجه للمرضى حتى لا يصاب هو بالقلق والاكتئاب، وأن يفصل الحالات المرضية في عيادته عن حياته الشخصية بالرياضة والمشي والهوايات المفضلة، واعتبار المريض حالة فردية نتعاطف معها بما لا يؤثر على وجدان الطبيب المعالج.


وذكرت أن بعض أنواع الاكتئاب تكون بسبب عوامل وراثية مثل الوسواس القهري والاكتئاب الدوري، وفي تلك الحالات أسرته تكون لديها علم بالمرض وتدرك أنه وراثة من العائلة وتعرضه على طبيب منذ صغره حتى لا يصاب بالمرض عند الكبر، وينقسم الوسواس القهري إلى أنواع بعضها متعلق بالنظافة أو أفكار مضللة أو أفكار اضطهادية، مؤكدة على أهمية الوقاية منذ الصغر من المرض لأنها خير من العلاج خاصة في الأسر التي لديها تاريخ في الإصابة بالأمراض النفسية.


وشدد د. «إيمان»، على أن صورة الأطباء النفسيين في الدراما غير صحيحة دائما، وأحيانا المؤلف يخدم الدراما على حساب التخصص الحقيقي والواقع، وضربت مثالا بعد صدق الدراما كثيرا بأن فيلم «الناصر صلاح الدين» به أخطاء تاريخية كثيرة، وحتى جلسات الكهرباء بالأفلام يصورها المؤلف على أنها مؤلمة وهذا مخالف للحقيقة بل تكون تحت مخدر.


ولفتت إلى أن النظرة السلبية للمجتمع للطبيب النفسي «دكتور مجانين.. مخهم لاسع.. ربنا يكفينا شرهم» تؤثر عليهم بـ«الإيحاء»، وتخوف فئات كبيرة بالمجتمع لديها أمراض نفسية وتخاف الذهاب للطبيب النفسي بسبب ما شاهدته في الدراما، مضيفة أن التنويم المغناطيسي صورته الدراما في فيلم أنه يُستخدم في الشر بخلاف الواقع فهو يُستخدم مع حالات مستعصية جدا ولا تستجيب في العلاج بشكل سريع، مؤكدة على ضرورة استشارة الأطباء عند إنتاج دراما تخص الأطباء النفسيين بما يزيد الوعى ويقدم صورة صحيحة للجمهور.


واختتمت: «المرض ليس عيبا والوقاية خير من العلاج واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون».


الاكتئاب التفاعلي والذُهاني


أما الدكتور أحمد هلال، الطبيب النفسي، فيرى أن الاكتئاب نوعين إما اكتئاب تفاعلي أو اكتئاب ذهاني، والاكتئاب التفاعلي يحدث لأي إنسان نتيجة تفاعل النفس مع الظروف والحياة، وبالأدوية والجلسات النفسية يتم التخلص منه، أما الاكتئاب الذهاني فله أساس في إفرازات وحركة المخ وهو يصاب به الإنسان لا محالة ويكون موسميا أي يزيد في فصول شهرية معينة عن الآخرى كالصيف أكثر من الخريف والشتاء أكثر من الصيف، أو نتيجة ضغوط معينة كحالة وفاة أو فرح شديد.


وأضاف د. «هلال» في تصريحات خاصة لـ«بوابة أخبار اليوم» ويتم تناول أدوية لها تسمى «Mood stabilizers» أي مثبتات المزاج ويداوم على تناولها حتى لا تتأخر الحالة لهلاوس وحركة كثيرة أو عزلة عن الناس وانطواء ومنها يفكر في الانتحار والتخلص من حياته ورغبة في عدم الحياة ولكن لا يسعى لها وبعدها تزيد حالته للتفكير في الموت ومحاولة للتخلص من النفس ويقوم بمحاولات انتحارية.

 

وتابع الطبيب النفسي، أن مريض الاكتئاب بصفة عامة يجب على من حوله عدم تركه بمفرده وحمايته من نفسه حتى لا ينتحر من الطابق العلوي أو يلقي نفسه أسفل عجلات القطار، ولابد من حجزه في مستشفى وطاقم التمريض يكون على دراية بالحالة جيدا.


وأكد أنه في حالة الطبيب النفسي المنتحر بالبحيرة فالمعالجين له أخطئوا وأهملوا فيه ولم يحجزوه في مستشفى ويتناول العلاج بانتظام، مضيفا أن الطبيب النفسي حتى لو أخفى مرضه على أهله ملاحظة ذلك المرض وعرضه على الطبيب، والمرضى ما بين أمرين أحدهما يعلم بحالته وآخر لا يعلم بحالته، وفي حالة مريض الاكتئاب الذهاني فهو لا يعلم بحالته ومستسلم للمرض ويجب على من حوله مواجهة المرض بجدية.


ولفت د. «هلال»، إلى أن حالة طبيب البحيرة كان لديه اكتئاب شديد طالما وصل للجلسات الكهربية «ECT»، وتكون في حالة الاكتئاب الذهاني الشديد، وعددها 6 جلسات وبعدها ينتشي المريض وتتحسن حالته.