مؤتمر ميونخ.. الأمان العالمي يتراجع وسباق التسلح يهدد أوروبا

مؤتمر ميونخ
مؤتمر ميونخ

ما تعلنه التقارير الدولية عن تراجع معدلات النمو العالمي مفزعة.. الحرب الاقتصادية تشتعل بين الشرق والغرب.. الصراعات الطائفية والمذهبية تغلي.. الإرهاب يفسد الحياة، وداعموه لا يزالون غير قابلين للمس.. أضِف إلى ذلك تزايد معدلات الاكتئاب عند الأطفال والشباب بسبب التطلعات غير المحققة. 

تطور عملية الاتصال خلقت مساحات مقارنة غير صحيحة بين الإنسان وغيره، والقصص السلبية التي يبثها الإعلام تملأ الأرواح بالإحباط، أما السعادة فتائهة، ولا مكان آمن على وجه الأرض في عالم القرن الواحد والعشرين.

الناس حول العالم تتطلع إلى عودة نور الأمل المختفي خلف ضباب الاضطرابات، والصراعات السياسية العاصفة التي تموج وتطحن غالبية سكان الكوكب.. عدم الأمان مقسَّم على شعوب الأرض بالعدل، يتساوى أمامه الغنى والفقير.. تبدو النظرة متشائمة لأقصى درجة، ولكنها الحقيقة تصدمنا حين نسمعها رغم أننا نعيشها ونراها رأى العين.

الأمن في عالم مضطرب هو محور مؤتمر ميونخ الدولي الذي يتزامن مع تزايد انعدام الأمن على مستوى العالم، وعدم قدرة النظام العالمي القائم على قواعد مشتركة وهيكلية عالمية على البقاء، خاصة مع عودة التنافس بين القوى الكبرى والذي صار أقوى مرة أخرى.

تعيش أوروبا تحديدا حالة من الرعب بسبب الإنهاء الكامل والمتوقع لمعاهدة نزع الأسلحة النووية متوسطة المدى، حالة وصفها فولفجانج إشينجر رئيس المؤتمر «بمأساة لمنظومة الأمن الأوروبية» التي تستعيد ذاكرة الرعب بتعثر معاهدات نزع السلاح الأخرى بين الولايات المتحدة وروسيا.

يعتبر مؤتمر ميونخ للأمن أكبر ملتقى سنوي لخبراء السياسة الأمنية على مستوى العالم.. لكنه في دورته الحالية يرسم صورة قاتمة عن الأمن العالمي، حيث أشار إلى تصاعد في وتيرة الصراعات.. كما ربط تغير المناخ بالصراعات، التي ساهمت بدورها في الهجرة والمجاعة، وحذر رئيس المؤتمر في تقرير الأمن الجديد الذي يسبق انعقاد المؤتمر، أنه بات واضحا بأن العالم قد أصبح خلال العام الماضي أكثر قربا من حافة الصراعات المسلحة الثقيلة.

وأشار «إيشينجر» إلى التهديد المتنامي الذي يثيره الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الشمالية، وكذلك إلى التنافس المتزايد بين السعودية وإيران، فضلا عن التوترات المتصاعدة باستمرار بين الناتو وروسيا في أوروبا.. 

وتوصل تقرير الأمن لهذا العام إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تنسحب من دورها القيادي.. إذ تبدى الولايات المتحدة الأمريكية اهتماما ضئيلا ببناء مؤسسات إقليمية أو حتى عالمية تضع قواعد لتشكيل العلاقات الدولية كما انخفضت ميزانية وزارة الخارجية الأمريكية بشكل كبير، مع وجود ارتفاع في النفقات العسكرية وهو ما دفع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى التأكيد على أنه «يجب الآن على الأوروبيين أخذ مصيرهم بأيديهم»، وتأسيسا على ذلك ظهر إلى النور الحديث عن الجيش الأوروبي وارتفاع نفقات الأسلحة في أوروبا، وتزايد الإنفاق العسكري المتوقع بحوالي 50 في المائة والذي ربما يتخطى حوالي 386 مليار دولار بحلول عام 2024.. 

وأشار معدو التقرير إلى وجود «ثغرة  في الرقمنة والتشبيك». غير أن سد هذه الفجوات سيتطلب أموالاً إضافية، وليصبح الجيش الأوروبي أكثر كفاءة، يجب عليه أن يكون أولا وقبل كل شيء مترابطا فيما بينه.. كما سيكون من الضروري أيضا توحيد الصناعة الحربية الأوروبية الواسعة النطاق، وشخص التقرير وجود مساعي على الأقل للتقارب في المجال الدفاعي بين الدول الأوروبية.. حيث قررت 25 دولة تنسيق سياستها الأمنية والدفاعية على مستوى الاتحاد الأوروبي في إطار ما يطلق عليه بالتنسيق الهيكلي الدائم (PESCO)، وتعتزم فرنسا وألمانيا العمل معا لتطوير الجيل القادم من الطائرات المقاتلة.

وتشغل قضايا المناخ والهجرة مساحات مهمة من جدول أعمال المؤتمر، فى ظل تصاعد حالة من الغضب والرفض التي صاحبت انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من اتفاق باريس بشأن المناخ وعدم اعتبار تغير المناخ خطرا أمنيا ضمن إستراتيجية الأمن القومي الأخيرة.. 

ويذكر التقرير بأن الأعوام و2015، و2016 2017  تعد الأعوام الثلاث، التي سجلت خلالها أعلى درجات الحرارة منذ بدء تسجيل درجات الحرارة، وأنها أيضا أكثر الأعوام التي شهدت مجموعة من الكوارث الطبيعة منها العواصف والجفاف والفيضانات، وأشار التقرير إلى العلاقة الموجودة بين تغير المناخ والصراعات، حيث ذكر أن ظاهرة تغير المناخ تعد بمثابة عنصر يسبب إثارة المزيد من الصراعات. 

وجاء في الفصل الخاص بالقارة الإفريقية والهجرة من تقرير الأمن بأن «الاستمرار في العديد من الصراعات المسلحة طويلة الأمد، كان سببا رئيسيا للهجرة والتهجير والجوع».