مؤتمر ميونخ.. نهاية نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية

مؤتمر ميونخ
مؤتمر ميونخ

منذ أن أطلقه الباحث الألمانى إيوالد فون كلايست، منذ أكثر منذ 55 عاما، لمناقشة الأزمات والصراعات والسياسة العسكرية والأمنية حول العالم، ظل «مؤتمر ميونخ الأمني» أحد الطقوس السنوية التى تتجدد فيها الولاءات والعهود العسكرية القائمة بالفعل والمستندة لنظام عالمي ثابت تقوده أمريكا وقافلة حلفائها من دول الغرب الكبرى.

 

لكن هذه الصورة النمطية لمؤتمر يحضره عشرات الرؤساء ومئات الوزراء والشخصيات العامة من مختلف دول ومؤسسات العالم كل عام، فى طريقها «للتشظى» فى نسخة المؤتمر لهذا العام، والتى قال عنها رئيس المؤتمر، الدبلوماسى الألمانى المخضرم فولفجانج ايشينجر، إنها تأتى فى عام مصيرى بالنسبة للاتحاد الأوروبى، وفى وقت يتم فيه «إعادة ترتيب النظام العالمى».

 

بداية خلط أوراق النظام العالمى الحالى بدأت مع انسحاب أمريكا المتوالى من غالبية الاتفاقيات الدولية، بداية من الاتفاق النووى مع إيران، مرورا باتفاقية المناخ، وعدد من الاتفاقات التجارية الثنائية والإقليمية، وانتهاء بانسحابها من معاهدة الحد من الأسلحة النووية، وهذه الانسحابات لا تقوض فقط أعمدة نظام استقر عليه العالم لعقود ولكنها تسببت فى تفرق السبل بين واشنطن وحلفائها الأوربيين وخلق صدع فى تكتل هو عماد النظام العالمى الحالى.

 

وما زاد من تعميق هذا الصدع فى التحالف الأمريكى -الغربى، وفقاً لصحيفة «فاينانشيال تايمز» «قصف الجبهة» المتواصل من الرئيس الامريكى دونالد ترامب للمؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة وحلف «الناتو»، الذى وصفه ترامب أثناء حملته للرئاسة بأنه تحالف «عفا عليه الزمن».

 

وهو الحلف الذى يشكك المراقبون الأوروبيون فى استمرار وفاء ادارة ترامب بالتزاماتها نحوه فى ظل «مسلسل» الانسحابات الامريكى، خاصة ان الرئيس ترامب يرى ان اعضاء الناتو لا ينفقون ما يكفى على ميزانية الدفاع.

 

ووفقاً لناتالى توتشى، مديرة معهد الشئون الدولية بروما والمستشارة الخاصة لوزير خارجية الاتحاد الأوروبى فديريكا موجيرينى، هناك تخوف اوروبى من انسحاب واشنطن من المادة 5 للدفاع الجماعى الخاص بحلف الناتو ما لم تفى المزيد من الدول الأعضاء بحصتها من الإنفاق الدفاعى بما يعادل 2 % من اجمالى ناتجها المحلى.

 

ويعزز المخاوف الاوروبية تغيير ترامب لكل الوجوه المعروفة فى إدارته والذى كان وجودهم يرسل رسائل طمأنينة للشركاء الأوربيين.

 

وبعيدا عن الفجوة الاوروبية - الامريكية، تعانى اوروبا نفسها من خلافات وانقسامات داخلية بدأت بمنطقة اليورو وتعمقت باختلاف دول القارة حول قضية استقبال اللاجئين، وبلغت ذروتها مع فتور العلاقات بين قطبى القارة (المانيا وفرنسا) بسبب خط الغاز الروسى لالمانيا «نورد ستريم2»، وفقاً لصوفيا بيسش، الاخصائية فى شئون الدفاع والأمن فى مركز أبحاث الإصلاح الأوروبى.

 

هذا الشقاق الداخلى الاوروبى وفتح بريطانيا باب «الخروج» من الاتحاد، كما يقول موقع «ديفينس يوز» يحّد من قدرة الاتحاد الأوروبى على المنافسة بقوة فى حقبة جديدة من التنافس بين القوى العظمى».

 

وفى ظل هذا الضعف الاوروبى وتصدّع التكتل بين امريكا - ودول الاتحاد اشتد عود الدب الروسى والتنين الصينى، وامتد نطاق منافستهم مع امريكا والغرب لمختلف الساحات، حيث اختارت بكين الساحة الاقتصادية والتجارية للنزال.

 

فى حين لا يزال التنافس الامريكى- الروسى يدور حول النفوذ السياسى والعسكرى. فى الوقت نفسه زادت حرارة الصراع بين موسكو والناتو وتصاعد التنافس «السيبرانى» بين الصين وأوروبا.. فى ظل كل هذه المتغيرات تظل سيناريوهات الدورة الجديدة للنظام للعالمى تتأرجح بين : تكتل تقوده روسيا والصين تنضم اليه بعض الأوتوقراطيات الاخرى ضد الغرب، اوتحالف عالمى «متعدد الأقطاب»، تدعو اليه حاليا المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، او صعود نجوم الصف الثانى فى المسرح السياسى مثل كندا، واليابان، وربما حتى بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد.