حروف ثائرة

محمد البهنساوي يكتب: أفريقيا.. العمق والعودة.. المكان والمكانة

محمد البهنساوي
محمد البهنساوي

من المؤكد أن مصر تملك العديد والعديد من عناصر القوة.. وكل دولة تبحث عن عناصر قوتها.. تنميها وتضاعفها وتحافظ عليها.. وربما في مصر تتوه بوصلتها أحيانا لتزيغ وتشيح بوجهها عن بعض عناصر قوتها.. لكن سرعان ما تفيق أو يبعث الله لها من يعيد توجيه بوصلتها للوجهة القويمة السليمة.

 

ولعل وجود مصر في مركز وقلب أمتها العربية أحد أهم عناصر قوتها.. لكن وجودنا على رأس خريطة القارة السمراء لا يقل أهمية لمصر مطلقا بل ربما يزيد عن دورها وريادتها في محيطها العربي.. والملف الأفريقي أحد الملفات المهمة التي زاغت فيه بوصلتنا كثيرا لا أدرى لماذا.. وعلى مدار العصر الحديث.. لم نهتم بهذا الاتجاه الإستراتيجي ولم نوليه الاهتمام المطلوب إلا مرتين.. الأولى في عهد الزعيم جمال عبد الناصر.. والذي يحسب وينسب له انه خلق مكانة مصر الإفريقية.. وحجز لها موضع الريادة والقيادة في محيطها الأفريقي.. برؤية سياسية وطنية إستراتيجية ثاقبة.. وكان لهذا التوجه ثمار ظلت مصر تحصدها لعقود.. حتى مع تراجع الاهتمام بالقارة السمراء والذي بلغ ذروته قبل ثورة يناير.. وكدنا نفقدها تماما بعد الثورة مباشرة، إلى أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم.. وبذل جهودا مضنية في الملف الأفريقي.. أعادت المياه التي جفت في النهر الخالد للعلاقات المصرية الأفريقية.. لتحيل جفافه حيوية وحياة.. كل هذا رغم أن البداية كانت صعبة للغاية مع قرار من الاتحاد الأفريقي بتجميد عضوية مصر بناء على معلومات مغلوطة.. واستجابة لضغوط دولية قادتها قوى عظمى سعت بكل السبل لمعاقبة "مصر 30 يونيو" على ما هدمته من مخططات كادت أن تؤتي ثمارها لتغيير خريطة الشرق الأوسط بأسره ولغير صالح شعوبه ودوله.

 

لم تهمل مصر هذا الملف.. ولم تؤجل التحرك فيه.. وجعلته أول أولوياتها وهى تتحرك بصبر ومثابرة لاستعادة مكانتها الدولية ومواجهة حملات التشويه المغرضة.. وكانت الاستجابة سريعا من الأشقاء الأفارقة.. بعودة قوية لمصر إليها.. وبدأنا نجني وفي سنوات قليلة ثمار السياسة الجديدة للرئيس السيسي نحو أفريقيا.. ولم يأت هذا من فراغ أو بسهولة.. لكن كما قلنا نتيجة اهتمام وجهد وسياسة واعية.. فأفريقيا استحوذت على أكثر من 30% من زيارات الرئيس السيسي الخارجية بعد توليه الرئاسة.. حضور فاعل لكافة الفعاليات.. استجابة لغالبية الدعوات.. تسخير لكل الإمكانيات لإفادة الأشقاء الأفارقة.. وها هى تلك الجهود تتوج اليوم باستلام مصر رئاسة الإتحاد الأفريقي.

 

وعندما نتحدث عن أفريقيا فإننا نتحدث عن ملف متخم بالمزايا والإيجابيات المتبادلة على كافة المستويات.. فسياسيا وكما قلنا يكفى أن تستغل زعامتك للقارة الصاعدة الواعدة.. فمصر وإن لم تكن الدولة الأفريقية الأقوى اقتصاديا.. لكنها بلا شك الأكثر تأثيرا بالقارة.. ثم أن مكانتنا بأفريقيا تدعم وبقوة مكانتنا الدولية.. أما اقتصاديا فحدث ولا حرج عن كم المنافع التي تعود على مصر من ريادتها وحسن علاقاتها مع الدول الأفريقية.. فمصر بوابة أفريقا مكانا.. ومدخلها مكانة وتأثيرا وهى "البوابة الذهبية" لزيادة الصادرات المصرية.. وبالفعل هناك تقدم في الملف الاقتصادي.. ويكفى أن نعلم أن حجم تجارتنا المتبادلة مع القارة السمراء بلغ 6.2 مليار دولار وزادت صادراتنا إليها سنويا حوالي 25% لتبلغ 4.2 مليار دولار خلال 11 شهرا فقط من العام الماضي.. هذا جيد لكنه ليس كافيا على الإطلاق.. ومن الممكن مضاعفته.

 

إن رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي تحتاج إلى جهد كبير من الحكومة وكافة منظمات المجتمع المدني لترسيخ أقدام مصر بالقارة السمراء وتوطيد العلاقات المشتركة مع معظم دول القارة.. ولعل هذا يحتاج اجتماعا عاجلا لتحقيق هذا الهدف.. والإعلام في القلب من كل هذا لتقريب مصر للأفارقة.. ومن المهم أن نعلم أيضا أن أفريقيا تنتظر الكثير من رئاسة مصر لاتحادها.. نفيد ونستفيد.. ولدينا الكثير والكثير الذي نقدمه للأشقاء الأفارقة حتى نزيل ونمحو أثار سنوات من التجاهل والاستعلاء من حكومات مصرية متعاقبة.


نحن أمام خطوة مهمة تنتظر تحركات وخطوات أهم حتى نعيد الروح لعلاقاتنا الأفريقية ونجنى ثمارها المستحقة.