دول أفريقيا.. «رفاق السلاح» في التنمية والكفاح

النزاعات الحدودية
النزاعات الحدودية

من «النزاعات الحدودية» المسلحة إلى «الحروب الأهلية» الدامية.. ومن «بوكو حرام» النيجيرية إلى «متمردى جيش الرب» الأوغندية إلى «حركة الشباب» الصومالية وكلها جماعات إرهابية.. تتراوح معاناة معظم سكان قارتنا الأفريقية بتعدادهم الذى يزيد عن مليار و300 مليون نسمة، يعيشون على أكثر من 30 مليون كيلو متر مربع!!

وتشير تقارير متعاقبة لمعهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام.. أن 50% من النزاعات المسلحة فى العالم توجد فى أفريقيا.. وأن قارتنا هى المصدر الأكبر للاجئين والمهاجرين غير الشرعيين على مستوى العالم رغم ماتتمتع به من موارد وخيرات وامكانيات بشرية!!

من هنا تأتى أهمية «الدورة الاستثنائية» التى تترأس فيها مصر الاتحاد الأفريقى.. بكل تحدياته الداخلية والخارجية.. فى دوله الخمس والخمسين، ويعطى قضايا الأمن والسلم الأسبقية الأولى على جدول متطلبات المرحلة.

نعم.. بين مصر وأشقائها تاريخ طويل صنعناه معا.. فنحن «رفاق سلاح» تعاونا سابقا وسنتكاتف لاحقا فى كافة المجالات وفى القلب منها حفظ الأمن القومى الأفريقى ومنع النزاعات المسلحة ومكافحة الإرهاب.. باعتبارها أولى الخطوات على طريق التنمية.. 

 سعت مصر منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى رئاسة الجمهورية إلى لعب دور فاعل ونشط فى مختلف مجالات العمل الأفريقى.. خاصة وأن بلادنا لعبت دوراً تاريخياً لتحرير الدول الأفريقية من الاستعمار وتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، فكانت مصر إحدى الدول المؤسسة للمنظمة عام 1963.. واستمرت مصر فى لعب هذا الدور المهم منذ الخمسينيات وحتى الآن.. فكان الرئيس جمال عبدالناصر أحد الآباء المؤسسين لمنظمة الوحدة ، ورمزاً للنضال والتحرر الوطنى.. كما تُعد مصر من أولى الدول الموقعة على القانون التأسيسى للاتحاد الأفريقى، فتولت رئاسة منظمة الوحدة الأفريقية فى الأعوام 1964 و1989 و1993.

«مظلة للسلم والأمن»

فازت مصر فى يناير 2016، للمرة الأولى بعضوية مجلس السلم والأمن بالاتحاد الأفريقى لـ 3 أعوام، بتأييد 47 دولة من دول فى إطار مساعيها وجهودها للقيام بدور فعال فى دعم وتعزيز بنية السلم والأمن فى القارة الأفريقية، فى ظل تصاعد تهديد التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة.. فقد وقعت مصر على البروتوكول المُنشىء للمجلس فى مارس 2004، وانتخبت عضواً لمدة عامين من 2006 الى 2008، كما انتخبت عضواً بالمجلس لمدة عامين من 2012 الى 2014.. كما ترأسته خلال ديسمبر 2018 وكانت محل إشادة أعضاء المجلس، حيث تم التأكيد على الأهمية التى توليها مصر لقضايا القارة الأفريقية، وخاصة الاهتمام الكبير الذى أولته مصر لمكافحة الإرهاب وطنيًا وإقليميًا ودوليًا حيث أكد المجلس الإدانة التامة للجرائم الإرهابية التى تقترفها جماعات «بوكو حرام» و«حركة الشباب» وغيرها من التنظيمات الإرهابية فى هذه المناطق من القارة السمراء.

كما تم التأكيد خلال رئاستها لمجلس السلم والأمن الافريقى على أهمية التصدى بشكل فعال لتمويل الإرهاب وتجفيف منابع تجنيده وتسليحه ودعمه واحتضانه سياسيًا، فضلاً عن ضرورة دعم الدول الأفريقية الشقيقة التى تُواجه الإرهاب ومساندتها فى مساعيها للقضاء عليه، والتضامن معها ومع شعوبها فيما فقدته من ضحايا من قوات إنفاذ القانون والمدنيين.

وقد أجمعت الدول الأعضاء على أهمية تبنى منظور شامل فى مكافحة الإرهاب يشمل المعالجة الفعالة للأسباب الجذرية للإرهاب والفكر المُتطرف، من خلال التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ولم تبخل القاهرة بأى جهد يسهم فى استعادة الأمن والاستقراربالدول التى تعانى من ويلاته؛ وخاصة فى مجال بناء القدرات، بما فى ذلك قوات إنفاذ القانون ومكافحة الإرهاب التى تتلقى تدريبات دورية فى مصر، وكذلك أنشطة مركز القاهرة الدولى لتسوية النزاعات وحفظ السلام والدورة التدريبية لرجال الدين والقيادات المُجتمعية حول مواجهة الفكر المُتطرف والخطاب التحريضى.. كما تضمنت فترة الرئاسة المصرية انعقاد المُنتدى رفيع المستوى للسلم والأمن فى نيروبى منتصف ديسمبر 2018، والذى تم تخصيصه لتعزيز التعاون بين مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقى ومجلس الأمن بالأمم المتحدة، وسُبل تعزيز الدفاع عن المواقف والقضايا الأفريقية على الساحة الدولية.

ورغم أن الرئاسة المصرية لمجلس السلم والأمن الأفريقى انتهت رسميًا يوم 31 ديسمبر 2018، فإن جهود الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقى لعام 2019 ستركز على عدد من الأولويات الرئيسية، منها «السلم والأمن» حيث ستعمل على تعزيز الآليات الأفريقية لإعادة الإعمار والتنمية لمرحلة ما بعد النزاعات، وتأسيس مركز الاتحاد الأفريقى لإعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات فى مصر عام 2019، وإصلاح مجلس السلم والأمن الأفريقى وتعزيز التعاون القارى لدحر الإرهاب وتجفيف منابع التطرف الفكرى.. ولأن الوقاية خير من العلاج.. ستعمل القاهرة على دفع الجهود المبذولة لمنع النزاعات والوقاية منها بالاضافة إلى إطلاق منتدى رفيع المستوى «منتدى اسوان للسلام والتنمية المستدامة».

«مع الساحل والصحراء»

تتمتع مصر بالعضوية الكاملة فى تجمع الساحل والصحراء لذلك شاركت بفعالية فى القمة الاستثنائية لتجمع الساحل والصحراء فى تشاد خلال 2013.

ومن أهم التحركات التى قامت بها مصر من أجل إعادة تفعيل دور تجمع الساحل والصحراء، دعوة وزراء دفاع التجمع بشرم الشيخ خلال مارس 2016، كما شاركنا فى المؤتمر رفيع المستوى حول الساحل الذى انعقد بالعاصمة البلجيكية بروكسل فى فبراير 2018، بالإضافة إلى تعهد مصر بدعم القوة الإقليمية المشتركة لمنطقة الساحل عبر توفير 250 دورة تدريبية لعناصر القوات، وتوفير 110 مركبات مدرعة لدعم بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام فى مالى ، فضلاً عن المساعدات والدورات التدريبية المستمرة التى ينظمها مركز القاهرة الدولى لتسوية النزاعات وحفظ السلام وبناء السلام.

كما أكدت مصر على أهمية إنشاء مركز مكافحة الإرهاب الإقليمى التابع لتجمع الساحل والصحراء فى القاهرة، وتعهدها بتقديم نحو 100 مليون جنيه لهذا المشروع على ضوء أهمية المركز فى القضاء على الإرهاب بالمنطقة، وتحقيق السلم والأمن والتنمية فى دول الساحل والصحراء.

كما استضافت قاعدة محمد نجيب العسكرية التدريب المشترك فى مجال مكافحة الإرهاب بين عناصر دول تجمع الساحل والصحراء، والذى نُفذ لأول مرة بمصر فى إطار اهتمام القيادة السياسية والقيادة العامة للقوات المسلحة بدعم العلاقات العسكرية مع الدول الأفريقية الشقيقة والصديقة.

وشاركت فى التدريب عناصر من القوات الخاصة فى عدة دول أعضاء بالتجمع للتدريب على أسلوب التعامل مع التهديدات الإرهابية المختلفة كالجماعات المسلحة وتحرير الرهائن، بهدف تحقيق التجانس بين القوات الخاصة الأفريقية، وتدريب القوات على العمل كفريق واحد مع قوات الدول الصديقة والتدريب على سرعه رد الفعل تجاه المواقف التكتيكية الطارئة طبقاً لأعمال القوات على الأرض.

وشهد الفريق محمد فريد رئيس أركان حرب القوات المسلحة المرحلة الرئيسية للتدريبات، واستمع إلى شرح تفصيلى للفكرة التعبوية والتوجيه الطبوغرافى والتكتيكى لمنطقة البيان، ونقل للقوات المشاركة تحية وتقدير الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة والفريق أول محمد زكى القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى ، كما قام بتكريم عدد من ضباط الدول المشاركة.

«أبناء القارة بـ إيديكس»

كان الحضور الافريقى متميزا فى أول حدث دولى يُقام فى مصر لأول مرة، وهو معرض «إيديكس» للصناعات الدفاعية والعسكرية، الذى عُقد خلال ديسمبر 2018 بمركز مصر للمؤتمرات والمعارض الدولية بمشاركة كبار العارضين والشركات العالمية فى مجال التسليح والصناعات الدفاعية والأمنية على الصعيدين الإقليمى والدولى.. شارك بالمعرض وهو أكبر معرض فى مجال التسليح بالشرق الأوسط، 41 دولة كبرى، و373 شركة عالمية، و56 وفدا رسميا تمثيله لا يقل عن وزير دفاع أو رئيس أركان.. كما تم تخصيص جناح للأمن ومكافحة الإرهاب بالمعرض لعرض أحدث المعدات، والحلول التقنية التى تدعم التسليح ضد هذه الظاهرة التى تحيط دول العالم، وكان من أبرز المعروضات عدد من أجهزة الرادار التى تكشف ما تحت الأرض، والبلدوزارات المدرعة، وأجهزة اكتشاف الألغام وكلها معدات تحتاجها الدول الأفريقية.

«جنود مصر لسلام القارة»

تظل مصر فى مُقدمة الدول الداعمة لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة خاصة بأفريقيا منذ إسهامها الأول فى عملية حفظ السلام فى الكونغو عام 1960، لتشارك بعد ذلك فى إجمالى 37 بعثة حفظ سلام بأكثر من 30 ألف فرد قاموا بأداء مهامهم تجاه صون السلم والأمن الدوليين.

ومن هذا المنطلق تسعى مصر إلى توسيع نطاق مساهمتها فى عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بمكوناتها العسكرية والشرطية والمدنية المختلفة، وقد استطاعت بالفعل أن ترتقى فى الآونة الأخيرة إلى مرتبة أكبر عشر دول مساهمة فى هذه العمليات على مستوى العالم.

ولقد شاركت مصر فى 8 بعثات للأمم المتحدة لحفظ السلام من أصل 9 بعثات على مستوى القارة الأفريقية، مع كل من بعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء فى الصحراء الغربية ، وفى أفريقيا الوسطى، وفى مالى ، وفى كوت ديفوار، وفى ليبيريا، وفى الكونغو الديمقراطية ، وفى جنوب السودان، وكذلك البعثة «الهجين» للاتحاد الأفريقى والأمم المتحدة بدارفور.

وحسب مركز الأمم المتحدة للإعلام بالقاهرة تساهم مصر حالياً بأكثر من 3 آلاف مصرى يخدمون تحت راية الأمم المتحدة، بما يجعل مصر سابع أكبر المساهمين بأفراد نظاميين فى عمليات حفظ السلام الدولية.