بين ماكرون والمنيا ومدريد ..

محمد البهنساوي يكتب: السياحة الثقافية تستفيق لكنها تنتظر قبلة الحياة

الكاتب الصحفي محمد البهنساوي
الكاتب الصحفي محمد البهنساوي


ثلاثة أحداث مهمة طفت على الساحة السياحية الأسبوع الماضى.. قد يبدو أنه لا رابط بينها.. لكن لأهل السياحة الرابط قوى وحيوى لصناعة الأمل.. ألا وهى السياحة الثقافية.. هذا النمط السياحى الوحيد الذى تتفرد فيه مصر بإمكانيات لا مثيل لها فى العالم.. فما تركه أجدادنا من كنوز فوق الأرض.. وأخرى لازالت قابعة أسفلها نكتشفها يوميا.. تجعل من مصر قبلة الباحثين عن عبق التاريخ وروعة الماضى وسحره.. ورغم ذلك فإن السياحة الثقافية تعانى فى مصر منذ سنوات وحتى قبل ثورة يناير.. الآن ومع بداية العام الجديد 2019.. تؤكد المؤشرات أن السياحة الثقافية على أعتاب طفرة غير مسبوقة.. لكن هناك ما يجب علينا فعله لتحقيق أفضل المكاسب.

الحدث الأول وهو زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لمصر.. لا نتحدث هنا مطلقا عن الشق السياسى والاقتصادى للزيارة فهذا ليس موضوعنا.. لكن عن انطلاق زيارته من معبد أبو سمبل.. وجولته ترافقه قرينته بالمعبد والصور التى كشفت إنبهارهما بهذا الأثر العظيم.. والزيارة تحمل معانى كثيرة للغاية.. أولها وأهمها الأمن والأمان والاستقرار الذى تنعم بها مصر.. وإذا كانت آثارنا وتاريخنا الذى يدرس فى كافة أنحاء العالم لا يحتاج إلى تعريف وشهرة.. لكن زيارة مثل هذه يكون لها مفعول السحر فى تشحيع الملايين على زيارة ليس فقط هذا المعبد إنما كل الآثار المصرية.. ناهيك عن تأثيرها على الفرنسيين.. هذا السوق الذى يهتم أساسا بالسياحة الثقافية وعاشق للتاريخ والآثار وأحد أهم الأسواق للسياحة الثقافية وأكثرها إنفاقا.. والذى كان إقباله متوسطا قبل ثورة يناير فى عز الذروة السياحية.. ثم انهارت الأرقام بعد الثورة.. ومع بوادر وجود انفراجة كبرى فى هذا السوق وهو ما أكدته وسائل الإعلام الفرنسية.. وإعلان شركة توماس كوك أن اسم مصر أصبح تريند فى فرنسا بسبب الإقبال الكبير عليها.. فلنا أن نتخيل تأثير زيارة ماكرون لأبوسمبل فى مضاعفة النمو.

وهنا أعود لزيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى العام الماضى إلى فرنسا وإعلانه مع الرئيس الفرنسى من قلب باريس أن عام 2019 هو عام السياحة والثقافة الفرنسية بمصر.. ونربطه بما أكده الرئيس الفرنسى فى المؤتمر الصحفى الأخير بقلب القاهرة بأنه وبنفسه سيشرف على خطة عودة السياحة الفرنسية لمصر.. ماذا أعددنا لهذا الحدث الذى أعلنه الرئيسان وهو فرصة ذهبية للسياحة بلا شك.. الآن مر شهر ولم نسمع كلمة أو خطة أو تحركا للاستفادة من هذا الحدث.. وأخشى أن ينتهى العام وتضيع الفرصة الذهبية مثلما أضعنا عام 2016 الذى كان عام السياحة والثقافة المصرية الصينية.. نحن الأكثر احتياجا لتلك الأحداث وعلينا الإلحاح فى خلق فعاليات تجعل فرنسا كلها تتحدث عن مصر سياسيا واقتصاديا والأهم سياحيا.. فهل نبدأ ؟!! ثم إن هذا الحدث سيكون له مردوده فى كافة الدول الفرانكفونية والناطقة بالفرنسية وأعداهم بالملايين.

الحدث الثانى الاكتشاف الأثرى الفريد والعظيم فى المنيا والذى يعد الأهم فى هذه المحافظة المهمة.. وهو أيضا يصب فى صالح السياحة الثقافية.. وبما أننا انتقدنا فى مرات سابقة ضعف استغلال الدعاية لمثل تلك الاكتشافات.. إلا أن الأمر فى المنيا كان مختلفا تماما.. فقد تم الكشف فى وجود حوالى 11 سفيرا لدول أجنبية مهمة للسياحة المصرية.. وثانيا وجود كثافة فى الإعلام الدولى.. وقد أعلنت وزيرة السياحة أن الوزارة سوف تولى أهمية خاصة للدعاية للمنيا باعتبارها ثانى أكبر محافظة بها آثار.. وهو تحرك مهم بالطبع لكن يحتاج قبله عدة تجهيزات.. فهذه المحافظة المظلومة للغاية سياحيا يزورها أعداد لا تذكر.. وهذا لعدة أسباب أهمها مثلا هل يصدق أن المنيا بكل كنوزها لا يوجد بها سوى 6 فنادق فقط.. ومعظمها ـ إن لم يكن كلها ـ غير مؤهل لاستقبال السياحة.. وإذا اعتمدت على سياحة اليوم الواحد.. فهل يسهل الوصول إليها ؟ عندما نجيب على تلك الأسئلة أو تحاول الدولة جاهدة البحث عن إجابة وتحقيقها ستصبح المنيا قبلة جديدة للباحثين عن متعة الثقافة والآثار بعد الأقصر.

أما المشهد الثالث فهو من العاصمة الإسبانية مدريد حيث عقد الأسبوع الماضى معرض الفيتور الذى يعد ثالث أهم معرض سياحى عالمى.. وسمعنا كلاما مبهجا عن إقبال الإسبان على زيارة مصر.. والمفاجأة التى أكدها لى الخبير السياحى إيهاب عبد العال أن هناك إقبالا كبيرا على الرحلات النيلية والأقصر وأسوان فى الصيف !! لكن وبكل أسف هناك المشكلة المزمنة عدم وجود طاقة جوية ناقلة لتلك الحركة.. وثانيا وجود أسعار غير تنافسية سياحيا بالمرة من مصر للطيران.. فهل نتحرك وبشكل عاجل لإيجاد حل حتى نلبى جزءا من الطلب المتزايد على مصر؟.
وهنا نختتم بنقطتين مهمتين.. أولاهما أن برامج السياحة الثقافية مهمة وتشمل عدة مدن فى زيارة واحدة.. وثانيها أن افتتاح مطار سفنكس سيكون له مردود فى التنقل الداخلى بين المناطق الأثرية خاصة مع وجود حوافز للطيران لتلك المناطق.
.. إذًا فحل مشاكل السياحة الثقافية مطلوب وعاجل.