صور| حكاية تحفة آثرية أعلى «المقطم».. «الخلوتي» من مزار صوفي إلى ملجأ لصوص آيل للسقوط

مسجد شاهين الخلوتي أعلى جبل المقطم
مسجد شاهين الخلوتي أعلى جبل المقطم

- المسجد بالأباجية والصعود إليه بمزلقان.. وحكاية عمرو بن العاص والمقوقس والتبرك بـ«المقطم» السبب

- الطريقة الخلوتية تتخذه مزارا.. والشيخ اتخذه معبدا للاختلاء بالنفس والتقشف والزهد والتفرغ للعبادة

- تم تسجيله كأثر في الخمسينات.. والشيخ قضى 30 عاما دون نزول وكان يتبرك به الأمراء والوزراء

 

عند مرورك بطريق «الأتوستراد» يجذب نظرك مسجد قديم آيل للسقوط بأعلى سفح جبل المقطم في منطقة الأباجية التابعة لحي الخليفة بالقاهرة، وعندما تسأل عن كيفية الصعود للمسجد يرشدونك إلى مقابر «سيدى عمر»، ومنها يوجد ممر يصعد بك إلى أعلى الجبل لتدخل إلى مسجد العارف بالله شاهين الخلوتي، شيخ الطريقة الخلوتية، وهى إحدى الطرق الصوفية فى مصر، والتي تعني الانقطاع لله بالعبادة عن طريق الاختلاء بالنفس والعزلة والتفرغ للعبادة.

 


اعتكاف الصوفية


المسجد معروف لدى أتباع الطريقة الخلوتية الصوفية حيث كانوا يتخذونه مزاراً لهم، ولفترة قريبة من الزمن كانوا يعتكفون به فى العشر الأواخر من شهر رمضان – بحسب تأكيدات أهالي المنطقة – لكن حالياً مع تهدم أجزاء منه وأصبح آيلاً للسقوط لا يمكن الاعتكاف به، فعند الاقتراب منه والصعود إليه ترى أنه لم يتبق منه سوى المئذنة والقبة وبعض الأطلال حيث غلب عليه التصدعات والشروخ.

 


آثر إسلامي


وتم تسجيل المسجد كأثر إسلامى منذ الخمسينات وحمل رقم 212، وكان مقصداً لكثير من السياح الأجانب والمسلمين بدول آسيا كأندونسيا وباكستان وغيرها، وتم بناء المسجد عام 945 هجرية، ويضم ضريح وثلاثة قبور أكبرهم لشاهين الخلوتي ثم آخران لأبنه جمال الدين شاهين، وحفيده محمد جمال شاهين.


أما الصعود إليه بمزلقان يؤدى بك لباب القبة ويعلوه قطعة رخام مكتوب عليها "بسم الله الرحمن الرحيم.. أنشأ هذا الجامع ووقفه العبد الفقير إلى الله جمال الدين عبد الله نجل العارف بالله الشيخ شاهين».

 


حياة الشيخ «الخلوتي»


ووُلد الشيخ شاهين المحمدي بمدينة تبريز بإيران في القرن التاسع الهجري، وأمضي في فارس طفولته ومعظم شبابه ثم رحل إلى مصر في عهد السلطان الأشرف قايتباي، واشتراه السلطان وأصبح من مماليكه وانتظم في جنده، ولكن حياة المماليك والجندية لم توافق مزاج شاهين ولا طبيعته التي فُطر عليها، فقد كان منطويا يحب العزلة ويطمئنُ إلي صحبة الفقهاء ورجال الدين، فحفظ القرآن والكثير من الأحاديث سواء فى بلاد فارس أو مصر، وطلب من السلطان قايتباي أن يسمح له بحياة التصوف والعزلة والعبادة فسمح له.

 

وسَكن جبل المقطم وبنى له فيه معبداً وقبراً، وكان طبيعيا أن يلجأ الزهاد والمتصوفون إلى جبل المقطم يتبركون به بعد أن عرفوا تقديس الديانات السماوية السابقة على الإسلام له، وتكريم المسلمين أيضا.

 


المسجد آيل للسقوط


ويقول عم ياسين محمد، صاحب الـ64 عام، تربي: «المسجد تابع لوزارة الأوقاف ومصنف كآثار إسلامية وكان فيه لجان تفتيش من الآثار والأوقاف تأتين لعمل معاينة له لكن حاليا لا يأتي أحد، ولم يتبق منه سوى المئذنة وقبة الضريح ولا أحد يهتم به حتى أصبح آيل للسقوط فوق الأهالى الذين يسكنون القبور بالمنطقة، وتم بناءه بالنحت فى الصخر، وبه ثلاث مقابر هى مقبرة الشيخ شاهين وابنه وحفيده، ويأتى الصوفيون لزيارته والتبرك منه ويقومون بتسلق الجبل والحجارة والصعود إليه والصلاة فيه».

 


ملجأ اللصوص


وتابع «محمد» حديثه، قائلا:«لكن حاليا أصبح يلجأ إليه اللصوص والهاربين من الشرطة ويستطيعوا منه الهروب للجبل عند مطاردتهم، وسرقوا منه أجزاء أثرية ثمينة».

 


وصف المسجد


ويشبه بناء المسجد المعابد الفرعونية القديمة، ويحتوي على صهريج للماء وبيت خلاء ومجموعة من المغارات المنحوتة في الصخر على مستوى واحد أو على مستويات مختلفة من الجبل ويتصل بعضها ببعض بأنفاق يتم الوصول إليها بدرجات منحوتة في الجبل.

 


لماذا بناه أعلى المقطم


ولجأ الشيخ شاهين الخلوتي الصوفي، ومؤسس الطريقة الخلوتية الى جبل المقطم لما علم من مكانته فى كتب التراث، فقد قال «ابن الزيات» وزير المعتصم بالله وكاتب وشاعر وأديب عربي عن جبل المقطم «كان أكثر الجبال أنهارا وأشجارا ونباتا فلما كانت الليلة التي كلم الله فيها موسى، أوحى إلى الجبال أني مكلم نبيا من أنبيائي على جبل منكم فتطاول كل جبل وتشامخ إلا جبل الطور بسيناء فإنه تواضع وصغر فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه لم فعلت ذلك وهو به أعلم، قال إجلالا لك يا رب، فأوحى الله تعالي إلى الجبال أن يجود كل جبل بشئ مما عليه إلا المقطم فإنه جاد له بجميع ما كان عليه من الشجر والنبات والمياه فصار كما ترون أقرع».


ويُضيف «ابن الزيات»: «فلما علم الله سبحانه وتعالى ذلك عنه، أوحى إليه لأعوضنك عما كان على ظهرك لأجعلن في سفحك غُراس أهل الجنة».


وحكى الإمام الليث بن سعد الفقيه والمحدث وإمام أهل مصر، أن المقوقس سأل عمرو بن العاص أن يبيعه سفح جبل المقطم بسبعين ألف دينار، فكتب بذلك لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب فرد عليه عمر قائلا: سَله لماذا أعطاك ما أعطاك فيه وهو لا يزرع ولا يستنبط منه ماء، فسأل عمرو بن العاص المقوقس عن ذلك فقال: «إنا نجد في الكتب القديمة أن سفحه يُدفن فيه غراس أهل الجنة، فكتب بذلك عمرو بن العاص إلى أمير المؤمنين فرد عليه قائلا: أنا لا أعرف غراس الجنة إلا للمؤمنين، فاجعلها مقبرة لمن مات قبلك من المسلمين».

 


30 عاما إقامة أعلى المقطم


ولم يزل الشيخ شاهين مقيما في خلوته في جبل المقطم لا ينزل منه نحو ثلاثين سنة، وأشتهر أمره فتردد عليه الأمراء والوزراء لزيارته والتبرك به، وكان كثير المكاشفة قليل الكلام جدا، وفي ذلك يقول الشعرانى: «كنا نجلس عنده اليوم كاملاً لا تكاد تسمع منه كلمة، وكان كثير السهر متقشفاً في الملبس معتزلاً عن الناس وظل كذلك حتى توفى سنة 901 هـ.
 

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي