أستاذ تاريخ: محمد علي رفض فكرة إنشاء قناة السويس

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

شهدت قاعة ثروت عكاشة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في يوبيله الذهبي، ضمن محور الاحتفاء بشخصيتا المعرض والأحداث المئوية، إقامة ندوة بعنوان "قناة السويس – الاقتصاد والمستقبل"، بمشاركة الدكتور عبد الحميد شلبي أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة الأزهر، وأحمد الشربيني عميد كلية الآداب جامعة القاهرة، وأدار الندوة د. خلف الميري أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة عين شمس.

في البداية، أكد د. خلف الميري أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة عين شمس، أن قناة السويس في الإطار التاريخي تم افتتاحها عام 1869، إلا أنه عبر التاريخ كانت هناك عدة محاولات منذ القرن الـ16 لحفر قناة تربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، حتى تبنى الفكرة الخديوي سعيد، ومنح امتياز الإشراف على حفر القناة للمهندس الفرنسي فيردنانند ديليسبس.

وأضاف "الميري"، أن القناة شهدت على مدار تاريخها العديد من العقبات المتعلقة بمحاولات تمصير القناة وهو الأمر الذي تم على يد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، بعد تأميمه قناة السويس عام 1956، كما مرت القناة بالعديد من العقبات التي تتمثل في التنافس من قبل الطرق البديلة للربط بين الشرق والغرب.

من جانبه، أكد د. عبد الحميد شلبي أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة الأزهر، أن المشروعات الكبرى دائما ما تكون هي قاطرة التنمية في أي دولة، والمشروعات الكبرى أحيانا تأتي من قبل قوى استعمارية ولكننا نستفيد بها مع مرور الزمن، فعلى سبيل المثال محمد علي باشا لا أحد يستطيع إنكار دوره في إقامة العديد من المشروعات الكبرى التي ساهمت في إحداث نهضة اقتصادية وعسكرية، إلا أنه حينما عرض عليه مشروع قناة السويس رفض هذا المشروع تمامًا بسبب تبعات هذا المشروع من وجهة نظره في ظل زيادة المطامع الاستعمارية في مصر حال إقامة هذا المشروع.

وأضاف أستاذ التاريخ المعاصر، أن الدول التي طمعت في مصر بعد افتتاح القناة وعلى رأسها بريطانيا، كانت من أشد المعارضين لإنشاء القناة نظرًا لتخوفها من سيطرة فرنسا على هذا المشروع، حيث كانت فرنسا بالفعل تسعى لهذا حتى أن المهندس الفرنسي ديليسبس سعى في جهود حفر القناة حتى قبل أن يأخد حق الامتياز من الدولة العثمانية وأسسس الشركة المشرفة على المشروع في فرنسا، وكان نصيب مصر من أسهم القناة 44% وفقا لامتياز حفر القناة الذي منحه له الخديوي سعيد، والذي يعطي الحق لفرنسا في غدارة القناة باعتبارها صاحبة النصيب الأكبر من أسهم القناة.

وأشار د. عبد الحميد شلبي، إلى أن قناة السويس وما صاحبها من أعمال حفر كبدت الخزانة المصرية مبالغ طائلة وصلت إلى 14 مليون جنيه، وهو كان رقمًا كبيرًا في ذلك التوقيت، كما أن حفل افتتاح قناة السويس كبد الخزانة المصرية مبلغًا ضخمًا وصل إلى مليون و400 ألف جنيه مصري، وبالرغم من كل هذا جاء الخديوي توفيق ليبيع حصة مصر من أرباح القناة والبالغة 15% لبنك فرنسي بقيمة تقارب 900 ألف فرنك فرنسي، وقد تسببت قناة السويس في خسائر كبيرة للاقتصاد المصري رغم أن الأرض مصرية والقناة مصرية والعمال مصريين، إلا أن خسائر مصر في عملية إنشاء القناة وصلت إلى 16 مليون جنيه حتى أن السفن المصرية كانت لا تمر في القناة قبل أن تدفع رسوم مرور، وهو ما دفع إلى جهود ومحاولات تمصير القناة وإعادتها للدولة المصرية مرة أخرى وهو ما حدث عام 1956 بتأميم قناة السويس.

ولفت إلى أن الحركة الوطنية المصرية، سعت عبر تاريخها النضالي إلى التخلص من الاحتلال الإنجليزي وشركة قناة السويس وامتيارات بريطانيا وفرنسا فيها، حيث كان هناك مشروعًا لمد امتياز قناة السويس لمدة 10 سنوات وذلك عام 1908، وهو ما رفضه الزعيم الوطني محمد فريد، ماتسبب في عرقلة هذا المشروع للسيطرة على قناة السويس، حتى جاءت اللحظة الفاصلة بتأميم قناة السويس التي حفرت بأيادٍ ودماء مصرية، وعادت أيضا بدماء وأيادٍ مصرية، وقد كان هناك رهان من دول فرنسا وبريطانيا على أن مصر ستفشل في إدارة القناة إلا أن الزعيم جمال عبد الناصر كان جاهزًا لهذا ونجح المصريين في إدارة القناة، حتى أصبحت القناة من أكبر مصادر الدخل القومي لمصر.

من جانبه، أكد د. أحمد الشربيني عميد كلية الآداب بجامعة القاهرة، أن قناة السويس هو مشروع يتعلق بذاكرة مصر القومية، ونحن نحتفي بذكرى مرور 150 عامًا على افتتاح القناة، ونستطيع أن نتتبع التطورات التي طرأت على مشروع قناة السويس ليحولها ليس فقط لممر ملاحي، ولكنه تحول لمشروع اقتصادي بامتياز.

وأضاف "الشربيني"، أن مصر كانت أحد أهم الممرات التجارية بين الشرق وأوروبا حتى تم اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح الذي غير وجهة التجارة العالمية للمرور إلى هذا الطريق الذي يعتبر طريقًا طويلا مقارنة بالمرور عبر قناة السويس، إلا أن إرهاصات الثورة الصناعية في أوروبا دفعت للتفكيير في ربط البحرين الأحمر والمتوسط لتسهيل حركة التجارة العالمية، وهو ما جاء على مراحل خلال النصف الأول من القرن الـ19، حيث فشلت المحاولات بسبب أخطاء في التقديرات الحسابية للمشروع، حتى دخل المشروع حيز التنفيذ في النصف الثاني من القرن الـ19 بعد دراسات فرنسية دقيقة ساهم فيها المهندس فريدناند ديليسبس، والذي منحة حق تنفيذ المشروع الخديوي سعيد.

وأشار إلى أنه بعد تأميم قناة السويس عام 1956، بدأت القيادة المصرية في الانتباه لضرورة عمل تفريعات لتسهيل حركة المرور بالقناة من أجل توظيف القناة توظيفًا اقتصاديًا فاعلاً حتى لا تظل قناة السويس مجرد ممر ملاحي فقط، ومن هنا جاءت فكرة عمل التفريعات في القناة لتقليص مدد الانتظار في القناة، حتى جاء المشروع الحقيقي لتنمية إقليم قناة السويس الذي جاء مصاحبا لثورة 30 يونيو، والذي أعطى رسالة للعالم الخارجي أن المصريين يستطيعون أن يطوروا مشروعات عملاقة بأيادٍ مصرية وأموال وعقول مصرية أيضا.

ولفت إلى أن البعض قد يتصور أن مشروع قناة السويس الجديدة مجرد إنشاء مسارًا جديدًا فقط، ولكنه مشروع كبير جدًا يتعلق بتنمية إقليم قناة السويس بأكمله، وهذا المشروع ساعد على تنفيذ مشروعات عملاقة في المنطقة من شأنها أن تساهم في تحقيق تنمية حقيقية في إقليم قناة السويس، وذلك عبر شبكة طرق عملاقة تربط القناة بالأقاليم المصرية الأخرى التي تسهل الوصول لقناة السويس وهي أمور ستساهم في إحداث تنمية حقيقية في قناة السويس.