إبداعات القراء| الروح الأخيرة «قصة قصيرة»

تعبيرية
تعبيرية

تنشر بوابة أخبار اليوم قصة قصيرة بعنوان « الروح الأخيرة »، للكاتب شريف القناوي، ضمن إبداعات القراء في تبويب «صحافة المواطن» .


الروح الأخيرة

كنت صغيرا أجلس بجوار النيل هو صديقي في الوحدة، ولدت لم أجد حولي سوى القليل، لا أب أو أم هي جدتي التي ترعاني  ولا أعلم في الحقيقة من يرعى الأخر، هي مريضة بلغت من العمر الكثير تتذكرني قليلا وتنساني طوال الوقت، لكنها من تؤنس أيامي. 

لست بدون عائلة لي أعمام لا أتذكر عددهم أو حتى أسماءهم أرى منهم القليل على فترات بعيدة أو في الأعياد يرمى لنا الفتات كأنها صدقة أو زكاة، أنا لم ولن أطلبها منهم يوما كنت فقط أريد الأمان، يد فوق كتفي تشعرني بالقوة ضد تيار الحياة وتسندني إن مالت يوما حتى لا أقع في بئر النسيان . 

هذا اليوم لن أنساه وأنا جالس كعادتي أتذكر حياتي وأشكو لصديقي الوحيد وهو صامت يستمع ويحرك أمواجه في بطئ، سمعت صوت أنين، صوت ينازع من أجل البقاء، بحثت خلف أكوام القمامة وجدته صغيرا يقاوم برودة الجو بصعوبة لم يفتح عينيه حتى الآن، جرو مولود للحياة يتيم، أمه بجواره بلا حركة ماتت وتركته يصارع قبل أن يرى نور الشمس، بين ذراعي ضممته بقوة وسكت عن الأنين اطمئن ووجد الدفء، لن أتخلى عنك أنت صورة منى. 

هي بالتأكيد رسالة وجدته حتى لا أصبح وحيدا بالفعل، بالأمس رحلت جدتي بلا عودة واليوم وجدته ليستمر شعاع النور، صرنا أصدقاء، بل أكثر من ذلك عائلة، يذهب معي كل مكان ينتظرني عندما أكون مشغولا ولا يتزحزح من مكانه الذي اتركه فيه، نقتسم قوت يومنا ونكبر سويا، يحميني في كل وقت بلا تردد.

نجلس أنا وهو نتأمل النيل في صمت نبوح بأسرار حياتنا له، يمر كل يوم علينا دون ترتيب ونترك ساقية العمر تدور وتدور، كثيرا كنت أتخيل انه له أرواح عديدة، لا يستسلم أو يخاف أو حتى مجرد التفكير في أن يمنحها لي، أنقذني كثيرا من الموت، مواقف لا أنساها أبدا هي بالتأكيد رسالة لأستمر في الحياة وأن أبعد اليأس والاستسلام عن تفكيري، أتذكر كيف أنقذني من حادث سيارة كادت أن تصدمني وصدمته هو وظل مكسورا لأيام وشهور، كم روح خسرها لينقذني وكم متبقي …..؟، سؤال ظل يطاردني أخاف أكثر من معرفة الإجابة. 

كنت أجلس بالأمس أنا وهو فوق الكوبري لنرى النيل من أعلى، دائما نجلس بجواره، المنظر بديع أن تراه ممتد لا ترى نهايته، مستمر في السريان بلا توقف، جلست أتأمل ويداعبني النسيم يلمس وجهي أغمضت عيني و تخيلت أنني أطير وفتحت عيني بسرعة على نباحه المستمر بصوت عالٍ، لأجد نفسي بالفعل أطير نحو النيل صديقي، أسقط بسرعة لكني لا أستطيع السباحة لم أجرب يوما النزول، هو ينبح بكل قوته ليجد من ينقذني، وصلت لحضن كاتم أسراري ضمني بشدة إليه، وأنا كنت فقدت الأمل واستسلمت لحضنه، فوجئت به بجواري قفز خلفي ينبح وتمسكت به وهو يقاوم معي هو مثلى لم يجرب أن يعوم، ينبح وينبح وصوته بدأ في الانخفاض، تجمعت الناس ورأيت مركب يسرع إلينا ويقترب أكثر فأكثر فرحت وتمسكت به مثل أول لحظة لمسته يدي، لكنه كان تعب من النباح وسكت، خرجنا إلى المركب لكن هو صامت لا يتحرك حضنته بقوة لصدري أحركه لا يستجيب، اكلمه لا يسمع حاولت وحاولت لكنها كانت الروح الأخيرة، هي إجابة السؤال بلا شك، رحل وتركني وحيدا . 

اليوم أجلس أمامك أصارحك أيها النيل، أنني وجدت فيه منذ اللحظة الأولى ما لم أجده في من حولي، وجدت الوفاء، نعم الوفاء كلمة بسيطة سهلة على اللسان لكن تحمل آلاف المعاني في طياتها صعبة الحمل، هي الإخلاص والتفاني، هي المحبة والأمان، هي التضحية والإصرار، هي… هي بلا نهاية.

وجدتها فيه بلا مقابل ينتظره أو حتى مجرد كلمة شكر، وجدتها فيه بعد أن باعها الجميع من حولي بأرخص الأسعار، روحه الأخيرة  حكاية لن أنساها ولن أتوقف أن أحكيها في كل مكان وزمان، قد تكون السبب في أن يتوقف البيع يوما ونعلم قيمة الكنز الذي نملكه في الوفاء . 

وتستقبل «بوابة أخبار اليوم» إبداعات القراء الأدبية والفنية ومقترحاتهم وشكواهم، على صفحة فيسبوك «بوابة أخبار اليوم»، إلى جانب الرقم المخصص للخدمة على تطبيق التواصل الاجتماعي «واتس آب» 01200000991.