" كل يوم من ده " .. حيرة حماقي أمام سقف توقعات ظالم

محمد حماقي
محمد حماقي

في ألبومه "عمره مايغيب" والذي صدر صيف 2015 رفع محمد حماقي سقف توقعات مستمعيه ، قدم ألبوما متماسكًا ضم 15 أغنية هي الرقم الأكبر في عدد الأغنيات التي يضمها ألبوم مصري وقتها ، بعد ما يقرب من أربع سنوات عاد حماقي بألبومه " كل يوم من ده " والذي يضرب رقما قياسيًا جديدًا من حيث ضخامة الإنتاج كأول ألبوم مصري يضم 20 أغنية ، بل غلف هذا الثراء الإنتاجي بفكرة مختلفة بطرح الألبوم في اسطوانتين مدمجتين كل منهما يمثل وجهًا للألبوم بعشر أغنيات ، هذه الملاحظة الأولى التي تتصدر التجربة في وقت يتجه فيه أغلب المطربين للأغنية "السينجل" أو "الميني ألبوم" أو حتى ألبوم محدود عبر تطبيقات الأغاني الشهيرة .

إذن يبدو أن حماقي يسعى في تجربته الجديدة لترسيخ فكرة الألبوم الملموس ماديًا في وقت تتجه فيه للإنقراض ، ويؤكد بإصرار على تلك القيمة بالمغامرة بطرح عدد كبير من الأغنيات وهو في الواقع سلاح ذو حدين ، حد إيجابي يمنح المستمعين خيارات متعددة تخاطب الأذواق المتنوعة ، وآخر سلبي يتجلى في تكرار الأشكال الموسيقية التي تدور حولها شخصية حماقي الفنية بشكل قد يسبب حالة تشبع أو ملل للمستمع ، أو ربما تتسبب أغنيات أقل جودة في التأثير على تقييم المستمع للألبوم أمام الأغنيات الأبرز .

قبل الحديث عن الأغنيات تجدر الإشارة إلى شخصية حماقي الفنية والتي صاغها خلال مشواره الغنائي الممتد لستة عشر عامًا منذ ظهوره عام 2003 بألبوم "خلينا نعيش" ، أحد ملامح هذه الشخصية هي اختيار اسم ملفت للألبوم يعبر عن حالته الفنية أو الحالة الشخصية ، فعلها في "حاجة مش طبيعية" و"عمره مايغيب" والأن يؤكدها في اسم " كل يوم من ده " ، قد نتوقف طويلًا أمام الهدف من الإسم ، هل المقصود كل يوم من نفس الأغاني ؟!

ملحوظة أخرى ملفته بطلها غلاف الألبوم الذي عاد فيه حماقي للتعاون مع المصور عماد قاسم ، المتوقع في ألبوم شتوي أن يظهر مطربه بصورة تناسب الأجواء ، إلا أن حماقي في "عز برد" القاهرة اختار أن يتصدر لافتات الاعلانات فوق الكباري والبنايات بجسد عاري ونظارة شمسية ، هي مغامرة مقبولة في إطار الدعاية بالصدمة !

أما الملامح الفنية فأبرزها الاحتفاظ بمساحة كبيرة لأغاني المقسوم المصري ، بجانب حضور خفيف للمقسوم التركي ، والهاوس ، والإيقاع الأسباني ، وبالطبع الأليكتريك ديسكو الذي أضفاه حماقي على خلطته الفنية منذ ألبوم "حاجة مش طبيعية" ، ولكن رائد التجديد الموسيقي في جيله إرتكن هذه المرة للرهان على الخلطة الناجحة في فلسفة تميل كثيرًا إلى فلسفة عمرو دياب في سنواته الأخيرة .. كيف ؟

احتلت الدراما مساحة كبيرة من أغاني "عمره مايغيب" لأسباب شخصية أشار لها حماقي في حوار معي نُشر وقتها ، وفي المقابل تحتل موضوعات الحب والبهجة والغزل المساحة الأكبر في ألبوم " كل يوم من ده" وهذا يعكس بوضوح ما تعكسه الحياة الخاصة للفنان على مايقدمه.

المقسوم "الحماقي" !

خلطة حماقي الموسيقية لا تخلو أبدا من الشاعر ايمن بهجت قمر الذي كتب له أهم وأشهر الأغنيات في مشواره ، وليس غريبًا أن يظهر إسم أيمن في الألبوم ست مرات في أغنيات " يزلزل " ، "كل يوم من ده" ، "صور" ، "وأعمل إيه" ، "ياغربة" ، "ياستار" ، يمثل أيمن الكلمة الرشيقة أو الإفيه الذي يشكل جزء كبير من شخصية حماقي الفنية في أغنياته الراقصة ، ويتضح ذلك في أغنيتي يزلزل وياستار ، ولكن هذا لاينفي حضور أيمن المختلف بكتابته أكثر أغنيتين تميزا  في الألبوم وهما " ياغربة" و "صور" ، الأولى  ذكرتني بأغنية ياغربة التي قدمها اسماعيل البلبيسي في التسعينات ، استنساخ الفكرة في ظروف اجتماعية مشابهة يخاطب المزاج العام لمستمعي المرحلة ، ولكن بصنعة أيمن الذي ركز على وصف المشاعر التي تحتل المغترب ، كما أن لحن محمد يحيى الراكز على ايقاع المقسوم "القاعد" كان موفقًا ، تمامًا مثل استخدام صوت أجواء المطار كخلفية لدخول الأغنية تمهيدًا لدخول المستمع في الحالة .

أتوقف أيضًا أمام أغنية "صور" والتي لحنها محمد يحيى أيضًا ، فهي تمثل خطابًا واضحًا للمزاج العام المحاصر بالحنين للماضي والذكريات فيما يعرف إعلاميًا بمصطلح "النوستالجيا" ، تلك الحالة التي سيطرت على برامج الترفيه والموسيقى وصناعة الدراما ، ولكنها في النهاية محاولة ناجحة لكسر موجة الغناء للحب التي تسيطر على الألبوم وأغلب الألبومات بشكل عام .

 الأغنيات المقسوم احتلت المساحة الأكبر من الألبوم بثماني أغنيات أبرزها " راضيني" التي تعاون فيها حماقي مع الملحن والشاعر عزيز الشافعي ، الأغنية بدت قادمة من التوزيعات الموسيقية التقليدية التي انتشرت لايقاع المقسوم في مطلع الألفية ، كما أن جمل مثل "قدمت السبت على الحد " ، "وحاسبت على المشاريب" أقرب لشخصية أيمن بهجت قمر ، ولكنني لا أفهم كيف أخطأ حماقي في غناء المثل الشهير "بلح الشام وعنب اليمن" ليقولها " عنب الشام ولا بلح اليمن" ؟!

أما أغنية "الحكاية حكايتنا" للشاعر والملحن الشاب ودود ، رغم تقليدية توزيعها إلا أنها حملت صبغة شرقية كبيرة بجمل لحنية تصدرها صولو الأوكرديون والكولة .

هناك أيضًا أغنية "واعمل ايه" التي لحنها تامر علي وكتبها أيمن بهجت ووزعها تميم وتحمل في لحنها وكلماتها شحنة لا بأس بها من الشقاوة المبهجة بالصبغة "الحماقية" المعروفة ، وكذلك أغنية "يزلزل" والتي انطلق فيها حماقي والموزع تميم لتجربة المقسوم "التركي" كإيقاع جديد يفتتح فيه الأغنية بصولو "الترومبيت"، وإن كان تقطيع الإيقاع في لحن شريف بدر قريبًا إلى حد كبير من أغنية "واحدة واحدة" التي قدمها حماقي في ألبوم "خلص الكلام".

وسط 20 أغنية احتل الموزع تميم 14 أغنية في سيطرة تامة على الرؤية الموسيقية التي يشاركه فيها حماقي بلا شك ، وهو مايفسر إصرار حماقي على التمسك بالموزع الذي أهداه منذ 12 عاما أغنيته الأهم "أحلى حاجة فيكي" ، لدي ملاحظات عديدة على توزيعات تميم واختياراته لجمل الصولو وربما المكساج في أغلب أعماله ، وهو ما جعل عدد لا بأس به من أغاني الألبوم تمر وكأنها نسخ معدلة من أعمال سابقة قدمها لحماقي مثل أغنية "عاش من شافك " التي تنتمي لإيقاع الـ"ريجي تون" وخرجت كنسخة طبق الأصل من أغنية " في حضن عنيك" التي قدمها حماقي في ألبوم "حاجة مش طبيعية" ، ونفس الأمر في أغنية " كل يوم من ده" التي عاد تميم ليستخدم فيها كورال من الجمهور أو التراس حماقي تمامًا كما فعل في أغنية " أجمل يوم" التي قدمها في ألبومه الماضي .

"شنطة" عمرو مصطفى

أرجو ألا تندهش من التوصيف ، ولكن الأغنيات الست التي قدمها عمرو مصطفى لحماقي في هذا الألبوم توحي بأنه أخرجها من جعبة ألحانه الجاهزة ، هذا ليس اتهاما ، ولكن عمرو مصطفى لم يمنح حماقي أفكارًا جديدة على مستوى الألحان أو حتى جملًا رشيقة تلازم أذن المستمع كما فعل في أغنية "يتعلموا" لعمرو دياب مثلًا ، أغلبها اختيارات من القائمة المعتادة سواء أغنية ""بقيت معاه" كإيقاع اسباني ، أو " عاش من شافك" على ايقاع الريجي تون ، و"قدام الناس" موسيقى هاوس ، و "بقيت معاه" على الايقاع الاسباني ، وبالطبع الأغنية المثيرة للجدل " خدني إليك".

الملاحظتين الأهم فيما قدمه عمرو مصطفى لحماقي هذه المرة هما كلمات "تامر حسين" الذي يملك دائمًا صور شعرية رومانسية بسيطة مناسبة لهذه الاختيارات ، بالإضافة الى أغنية "حلول وسط" التي كتبها خالد تاج الدين وتعد من أفضل أغنيات الألبوم خاصة على مستوى التوزيع الموسيقي لرامي سمير الذي اختار موسيقى "التانجو" يتصدرها صولو بيانو بمؤثرات قديمة لتكون القالب الأمثل لموضوع شائك يعكس الحيرة بين طرفي قصة حب معلقة ، كل منهما يريد الرحيل ولا يملك رفاهية القرار !

بمناسبة الحديث عن عمرو مصطفى فإن أغنية "م البداية" التي كتبها له أمير طعيمة تعد الأغنية الدرامية الأبرز وظهور إسم نادر حمدي كموزع للأغنية لم يضف لها لمسة مختلفة عن توزيعات تميم باستثناء صولو البيانو في مقدمة الأغنية .

من الأغنيات التي تستحق التوقف أمامها أيضًا أغنية "ليلى" التي كتبها نادر عبد الله ، حماقي ليس أول من غنى لـ"ليلى" فقد سبقه محمد منير باغنيته الشهيرة في منتصف التسعينات ، ثم قدمت فرقة كايروكي في ألبومها الأخير أغنية "ليلى" التي غناها أمير عيد ، إلا أن حماقي ونادر انتقلا بمعنى الأغنية بوصف ليلى تماسًا مع قصة حبها الشهيرة مع قيس والتي تعد أحد أيقونات التراث العربي ، فوضع حماقي نفسه في موضع قيس الحبيب الذي يرى في حبيته صورة ليلى !

إذن نحن أمام حالتي استنساخ أفكار "تسعيناتي" في الألبوم من خلال "ليلى" ويا"غربة" وهذا يعكس حنينًا ما من حماقي وصناع الألبوم لهذه المرحلة .. ربما تفسيري غير دقيق ، ولكن هل تعمد حماقي هذا الاستنساخ ؟! هو فقط يملك الإجابة .

من الظواهر الإيجابية في الألبوم أغنية "ياستار" التي كتبها إيمن بهجت قمر ولحنها محمد يحيى ووزعها توما على الإيقاع المغاربي ، وهو اختيار جديد لحماقي يحسب له في ملامسة مناطق موسيقية جديدة ، على جانب آخر حافظ على اختياره لموسيقى الاليكترونيك ديسكو والتي نجحت من قبل في أغنية "نسيت" من ألبوم "عمره مايغيب" ، فهاهو يكرر التجربة بأغنية " عيوني سهرانه " للمحلن محمد النادي وكلمات أمير طعيمة وتوزيع تميم والتي تعد احد أفضل أغنيات الألبوم ، كما قدم مزيكا من الديسكو والسوفت روك في أغنية "راسمك في خيالي" التي بدت أقرب إلى أغنية "يانسمة شوق" التي قدمها في ألبومه الماضي أيضًا .

"كل يوم من ده " ألبوم جيد ، ظلمه سقف التوقعات المرتفع من جمهور حماقي ، وحيرة مطرب جريء بطبعه ولكنه سعى إلى تقديم كل مايملك حاليًا لتعويض غياب السنوات الأربع ، فوضع المستمع في حيرة التقييم بين عدد لابأس به من الأغنيات الجيدة ، قابلها عدد كبير من الأغنيات المكررة إما حفاظًا على نجاحات سابقة أو ترسيخًا لشخصية فنية حفظها الجمهور منذ فترة  .