تحاربها الوزارة ويشجعها المواطن.. الدروس الخصوصية تتحدى «التعليم»

السنتر التعليمي
السنتر التعليمي

سنوات طويلة استمرت «مراكز الدروس الخصوصية» في الانتشار العام تلو الآخر، لتخطف الأضواء من المدارس التعليمية بمختلف أنماطها، وتصبح الملاذ الأول للطلاب، حتى تحولت لمنظومة تعليمية جديدة و«موازية» تستحدث آليات وأساليب من أجل جذب الطلاب، فتبدأ بالاستعانة بأسماء مشهورة في عالم التدريس للحصول على سمعة جيدة، وتبتكر كتبا جديدة تنافس بها الكتب الوزارية رواجاً.

وبالرغم من صدور قرار وزاري يحظر الدروس الخصوصية، وبدء الوزارة حملاتها الفعلية لإغلاق تلك المراكز، إلا أن هناك المئات من تلك الأماكن تعمل فى الخفاء بعيدا عن أعين الوزارة، وما زاد نشاطها هو تمسك أولياء الأمور بتلك المراكز كالغريق الذي وجد القشة، وخلال السطور القادمة تعيش «الأخبار» رحلة إلى عالم سناتر الدروس الخصوصية بالمناطق الشعبية لرصد ما يحدث فى الخفاء.

كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحاً، موعد انطلاق الرحلة إلى عدة مراكز وسناتر دروس خصوصية بمنطقة أرض اللواء، كانت الرحلة هادئة لكن لا يخلو القلق منها، فنحن ذاهبون إلى إحدى المناطق الشعبية المعروفة بأحداث العنف والتعدى، وصلنا فى تمام الساعة الحادية عشرة، وهو موعد خروج الطلبة من المركز كما أكدت لنا الموظفة فى اليوم السابق للجولة عقب اتصالنا بها لتسجيل رغبة فى حضور حصص اللغة الألمانية الخاصة بالصف الثالث الثانوى، والتى تفاجئنا أنها فى التاسعة صباحاً فى يوم دراسى طبيعى إلا أن تلك المراكز لا تعترف بأحقية الطلاب فى الذهاب للمدارس.

4 ساعات

مرت ساعتان بعد موعد الخروج المحدد لكن لم يخرج أحد فبدأ اليأس يتسلل لنا، خاصة وأن لدينا موعدا بسنتر آخر، لكن ما كان يحفزنا على البقاء هو الصوت النابع من أحد أدوار «السنتر»، والذى هز الأرجاء كلما هم الطلاب بالإجابة على أحد الأسئلة الخاصة بمادة اللغة الألمانية وهى المادة التى ننتظر طلابها.

وأخيراً أعلن المدرس انتهاء الحصة بعد مرور 4 ساعات من بدئها، فكأن الفرج قد هبط من السماء، وهمَّ أكثر من 100 طالب بالخروج كأفواج من باب السنتر الذى كنا ننتظر على مقربة منه بحرص شديد، بمجرد امتلاء المنطقة المحيطة بالمركز بالطلاب بدأنا فى التسلل فيما بينهم للتحدث معهم، وكانت البداية مع الطالب إبراهيم محمود والذى يؤكد أنه بدأ الالتحاق بمركز الدروس الخصوصية منذ شهر أغسطس قبل بداية العام الدراسى، وفور استلامه جدول الحصص انقطع تماما عن الذهاب للمدرسة نظراً لتعارض المواعيد.

اهتمام بالغ

ويضيف إبراهيم قائلاً: «قمت باستبدال المدرسة بمركز الدروس الخصوصية، فأذهب إليه يومياً لحضور حصص شرح المواد المختلفة، وأداء الاختبارات الدورية الأسبوعية والشهرية، فالدروس فى السناتر تبدأ قبل الدراسة بفترة كبيرة، كما يرسل السنتر رسائل نصية عبر الهاتف من أجل إعلام الطلاب بمواعيد تسجيل الحصص».

ويوضح أنه لجأ للسنتر لأنه لم يجد هذا الاهتمام داخل الفصل المدرسى، كما لم يجد القدرة على الشرح وتوصيل المعلومة مثلما وجده لدى مدرس المركز، موضحاً أن المدرسة أصبحت عبئاً على الطالب وإضاعة للوقت، خاصة فى عام دراسى مهم ومصيرى مثل الثانوية العامة، ويؤكد أن الخدمات التى تقدمها السناتر أصبحت متميزة للغاية، حيث إنها تحتوى على مكان لطلب المشروبات الساخنة والطعام النظيف، بالإضافة إلى الجو الجيد من خلال أجهزة التكييف، والضبط والسيطرة الكاملة من قبل المدرس، والانتهاء من المنهج فى الوقت المحدد، وتوفير الوقت اللازم للمراجعة الشاملة فبالتالى توفير كافة العناصر التى تساعدهم على النجاح على عكس المدرسة.

مناهج مبسطة

أما خالد محمد فيوضح أن الدروس والسناتر توفر خدمات أفضل من المدرسة بكثير، من حيث الأدوات المستخدمة فى الشرح والملازم المبسطة التى تمكن الطالب من الفهم وتقدم له المعلومة فى أبسط صورة، على عكس كتاب الوزارة الذى لا يفهم منه الطلاب إلا القليل، بالإضافة إلى أن هناك أماكن جيدة للجلوس ولا يوجد اختناق حتى مع العدد الكبير الذى يكون فى الحصة، وذلك بسبب أنظمة التهوية التى تساعد على التركيز.

ويؤكد خالد أن المدرسة فى الوقت الحالى تعد هدراً للوقت قائلاً: «ليه أروح المدرسة أصلاً وانا مبفهمش حاجة هناك ولا بستريح حتى فى القعدة والمكان مش نضيف.. حتى المدرسين فى الوقت الحالى مش بيشرحوا كفاية، ولا بيوصلوا المعلومة للطالب ودا طبعا لأن المقابل المادى فى المدرسة مش زى السنتر، وفى النهاية إحنا الخسرانين كطلاب لأن دى سنة تحديد مصير».

وعن المتابعة الدورية فيشير خالد إلى أن الامتحانات التى تقوم بها السناتر بشكل دورى تمكنهم من معرفة مستواهم ونقاط الضعف والقوة فى المنهج من خلال رصد الدرجات، بالإضافة إلى أن هناك تواصلا ملحوظا مع أولياء الأمور من أجل التقييم والمتابعة وهذا ما لا توفرة المدرسة فى الوقت الحالى.

تحسن في المستوى

وخلال دقائق كنا قد انهينا حديثنا مع الطلاب قبل أن يلحظ أمن السنتر وجودنا، فتوجهنا لسنتر آخر لننتظر أيضاً موعد الخروج بعد فوات موعد الدخول الذى كنا نعتمد عليه، فقابلنا كريم المسلمانى، والذى تفاعل معنا قائلاً: «السناتر أثبتت نجاحها معى على مدار السنوات السابقة، فهناك تحسن ملحوظ فى المستوى التعليمى ليس لى فقط بل لكل زملائى الذين التحقوا معى، كما أن هناك رضا دائما من والدى بسبب هذا التحسن، فالمدرسة من وجهة نظرى دورها التعليمى انتهى منذ فترة طويلة لأنها لا تقدم لنا أى خدمات تساعدنا على التركيز وتحقيق الاستفادة».

ويضيف المسلمانى: «والدى لم يكن مقتنعا أن السناتر لها دور قوى وفعال فى تحسين المستوى الدراسى إلى أن التحقت بها وبدأ يرى بنفسه التحسن، فهناك متابعة دورية مع ولى الأمر من أجل تحسين المستوى، بالإضافة إلى الامتحانات الأسبوعية والمراجعات التى نستفيد منها بشكل كبير»، ويؤكد أنه فى حالة وفرت المدرسة ما توفره المراكز لن يتردد أى طالب فى الذهاب إلى المدرسة، موضحا أن على الجانب الآخر تتميز المدرسة بأنها مصدر للقيم والأخلاق التى لا تتواجد فى السناتر.

عوامل جذب

عقب انتهاء جولتنا على الطلاب كان علينا التحدث مع أولياء الأمور على الجانب الآخر، لمعرفة رأيهم فيما يحدث لمستقبل أولادهم، فقابلنا محمد على 52 عاماً، والد لطالبين أحدهما أنهى المرحلة الثانوية والآخر فى السنة الأخيرة بها، فيشير إلى أن مراكز الدروس الخصوصية أفضل بكثير من المدرسة فى الوقت الراهن، بالرغم من عدم اعترافه بها سابقاً، قائلاً «لم أكن مقتنعا بذلك إلا عندما جربت الأمر بنفسى، ولاحظت اختلاف مستوى ابنى عن السابق، ففى البداية كنت متحفظاً على الأمر لكن مع الوقت والتجربة تأكدت من صحة ما يقال عن هذه المراكز، فهناك تفاعل بين أولياء الأمور والمركز من أجل تقديم أفضل خدمة وتحقيق معدلات نجاح مرتفعة وهذا كله فى مصلحة الطالب وولى الأمر وفى مصلحة سمعة المركز، بالإضافة إلى أن هناك امتحانات دورية تساعد على التقييم والتى تعتبر بمثابة حافز تشجيعى من أجل أن يقدم أفضل ما لديه».

ويؤكد أن الأسعار مرتفعة فى مراكز الدروس الخصوصية لكن فى المقابل التحصيل جيد، ويوجد بهذه المراكز مدرسون معروفون على مستوى الجمهورية، وعلى مستوى عالٍ من المهارة واتقان المواد.

وفى نفس السياق يؤكد محمد عبدالمنعم، 55 عاماً أن تجربة مراكز الدروس أثبتت على مدار السنوات نجاحًا ملحوظًا، رغم عيوبها، فلها جزء من الفضل فى حصول الطلاب على مجموع مميز فى مرحلة الثانوية العامة، ما يؤثر على النسبة النهائية للنجاح على مستوى الجمهورية، إلا أنها بالضرورة تسرق الأضواء من المدرسة، الأمر الذى أعتبره محمد خطأ من المدرسة بالأساس، ويرجع بدوره إلى الوزارة التى لم تستطع أن تقدم حلولا إلى الآن وترضى الطرفين.

ويضيف عبد المنعم أن المدارس صارت تفتقد إلى عوامل الجذب الملائمة لإبقاء الطلاب داخل جدرانها، فضلًا عن جودة الخدمات التعليمية المقدمة للطلاب فى مرحلة شديدة الحساسية والأهمية كمرحلة الثانوية العامة، ففى السناتر تتوفر هذه الخدمات أما المدارس فلا يوجد بها خدمات من الأساس، موضحا أن هذه المراكز أصبحت أمرا ضروريا وواقعيا بالنسبة لنا، وأن إغلاقها سيؤثر بالسلب على أولياء الأمور.

فيما أكد سامى ناصر ـ ولى أمر ـ أنه لا يمكن الاستغناء عن مراكز الدروس الخصوصية حاليا، فى ظل تراجع دور المدرسة، وأن وزارة التربية والتعليم سمحت بتعظيم دور المراكز الخصوصية بعد إهمال الشرح داخل الفصول الدراسية، واهتمام المعلم بالدروس الخصوصية فقط، وهو الأمر الذى أدى إلى إلغاء الدور المدرسى تدريجيا، وأصبحت مراكز الدروس الخصوصية هى الحل الأوسط بين المدرسة والدرس الخصوصى الباهظ التكاليف خاصة فى الثانوية العامة.

القانون لا يكفى

بدورنا عرضنا كل تلك الآراء والمبررات للخبراء لمحاولة مناقشة الأمر، فتقول د.ماجدة نصر، عضو لجنة التعليم بمجلس النواب إن كل طلاب المراحل الدراسية خاصة الإعدادية والثانوية العامة يتجهون لمراكز الدروس الخصوصية الآن، وهذا لأن الأهل فى هذه المرحلة لديهم اعتقاد أن أولادهم يجب أن يتلقوا تعليما أفضل، ويعتقدوا أن الدروس فى هذه السناتر ستقدم جودة تعليمية أفضل من تلك الموجودة فى المدارس وهذا تصور خاطئ؛ الآن المدرسة لا تنمى المهارات التعليمية فقط، بل تنمى أشياء أخرى داخل أبنائنا مثل الوطنية واحترام الكبير.

وتضيف عضو لجنة التعليم أن حصص التقوية التى كانت الوزارة تقوم بها سابقاً من أهم الحلول التى يمكن أن نواجه بها سناتر الدروس، لكن يحب أن تعود بشكلها المعاصر، من حيث التفاعلية مع المدرس وتوفير عناصر الجذب فيها وتقديمها لخدمة تعليمية جيدة، حتى يشعر الطالب أنها أفضل من هذه السناتر، وفى هذه الحالة سيتوجه الطالب بدافع داخلى منه إلى مجموعات التقوية ويترك الدروس الخصوصية، وتوفير جزء من المقابل المادى للمدرس بالتوازى مع إغلاق السناتر لأن إغلاقها بصورة كاملة صعب للغاية، بالإضافة إلى التشديد على الانتهاء من المناهج الدراسية فى وقتها المحدد من الوزارة، حيث إن هناك بعض المدرسين يتراخون فى هذه المواعيد حتى يتوجه الطالب إلى السناتر الخاصة بهم.

وتؤكد نصر أن تشديد الرقابة على رخصة مزاولة مهنة التدريس أمر ضرورى فى مواجهة أساتذة الجامعات الذين يدرسون بالسناتر، لأن مهنة التدريس تتطلب دبلوما تربويا والذى يمكن المدرس من كيفية التعامل مع الطالب وبالطريقة التى تناسبه، وفى الوقت الحالى يتم إعداد قانون تجريم لمن لا يحمل هذه الرخصة وتصل العقوبة إلى الغرامة والحبس.

إصلاح شامل

من جانبه يقول د.محمد عبد العزيز، أستاذ علم التدريس، بجامعة عين شمس إن الوزارة يجب أن تضع منظومة إصلاح شاملة للتعليم، والابتعاد عن الشعارات التى لا طائل منها وتتجه للإصلاح الحقيقى، فالبنية التعليمية فى المدارس لا تؤهل المعلم ولا الطالب من ممارسة العملية التعليمية بشكل صحيح، حيث إن الأطفال يذهبون للمدارس ليس للتعلم بل للنجاح فقط ويعتقدون أن السناتر هى التى يوجد بها التعليم الجيد، لذلك يحب تغيير هذه الصورة الذهنية، لدى الأطفال قبل أولياء الأمور، بالإضافة إلى إعطاء المدرس حقه، فيوجد بعض المدرسين يأخذون أكثر من نصيبهم فى الحصص وفوق النصاب القانونى، ولا يوجد شخص يستطيع إعطاء كل ما لديه طوال هذه المدة.

ويستطرد أستاذ علم التدريس قائلا إن معظم الأشخاص الموجودين فى هذه السناتر خارج نطاق العملية التعليمية ومعظمهم أطباء ومهندسون وفى بعض الأحيان أساتذة الجامعات أنفسهم، ويوجد من ليس له صلة بالتعليم أساسا، لكن لديه ملكة الإلقاء والتحدث، ولا يمكن الوصول إليهم أو توجيه أى عقوبة قانونية وذلك لسبب بسيط أن هؤلاء ليسوا تحت سيطرة الوزارة، وبالتالى التخلص منهم أمر صعب، ويتوجب وجود قانون من أجل الحد من ظاهرة الدكتور المدرس، والقانون ببساطة لن يحل المشكلة إذ لابد من وجود آليات تنسيق مع الجهات المعنية الأخرى.

ويضيف عبد العزيز أنه عند إغلاق هذه السناتر لابد من مراعاة البعد الاجتماعى لهذه العملية، فالعديد من الأشخاص يملكون هذه السناتر ومنذ سنوات وتدر عليهم دخلا، فبالتوازى مع عملية إغلاق هذه السناتر لابد من توفير البديل لهم، أو يتم التعامل مع هذه «السناتر» وتكون خاضعة مباشرة تحت إشراف الوزارة حتى نضمن جودتها، ونتخلص من «البعبع» الذى تثيره.

الهدف من التعليم

ويقول د.كمال مغيث، خبير علم اجتماع، إن السناتر والدروس الخصوصية ظاهرة يجب التخلص منها من جذورها، لأن لها العديد من السلبيات على الطالب وعلى أولياء الأمور، فالطالب فى هذه الدروس يجد نفسه مجبراً على الحفظ والتذكر وليس الفهم، وتحول الهدف من التعليم إلى الحصول على الشهادة يتباهى بها أولياء الأمور، أما بالنسبة لأولياء الأمور فهى تكوى جيوبهم عن طريق دفع المبالغ الطائلة من أجل تعليم جيد من وجهة نظرهم، فأولياء الأمور يتحججون بالعدد فى الفصل إنه وصل إلى الــ 60 والعدد يصل إلى 180 فى السناتر وبدون مبالغة.

ويؤكد مغيث أن الحل فى يد الوزارة من خلال مجموعة من الآليات أولها الجهة التشريعية من خلال وضع قانون يتم طرحه على مجلس الشعب وبالفعل هذا ما قامت به الوزارة، ويتضمن مواد بها عقوبات تصل إلى الحبس ودفع الغرامة، بالإضافة إلى التنسيق مع الأجهزة الأمنية المتمثلة فى وزارة الداخلية، واستحداث قسم خاص بها لمحاربة المخالفين، لأن التعليم جزء مهم وفعال فى بناء أى دولة، أما عن الآلية الثانية فتتمثل فى توفير بنية تحتية جيدة للمدارس، وعمل اختبارات دورية للمدرسين للتأكد من الكفاءة على مدار سنوات العمل، ورفع مرتباتهم حتى يصرفوا نظرهم عن الدروس الخصوصية.