حكايات| معاناتها مع «الحكش».. كفوف أطفال سنورس تجني الذهب الأبيض

أحد جامعي القطن (الذهب الأبيض)
أحد جامعي القطن (الذهب الأبيض)

بين عيدان القطن الممتدة في أرض «سنورس» تقف مجموعة من أصحاب الكفوف الناعمة يقطفون الذهب الأبيض، أمامهم أمتار طويلة، وخلفهم «خولي» بعصا طويلة وفم لا يتوقف عن الصياح.. فقط تلتقط آذانهم كل دقيقة «إجمع ياد أنت وهو».

   

فوق رؤوسهم شمس حارقة رسمت على وجوههم وكفوفهم خرائط «لقمة العيش»، مع «ساعة الأذان» - صلاة الفجر- بات المنبه الإلهي موعدًا للتجمع، فمع كل جنيه تتلاشى الدروس، ومع ذلك فالابتسامة الخجولة تحولت إلى أقمشة تمسح معاناة جمع القطن يومًا بعد الآخر.

 

النوم على الأرض

مع الساعات الأولى لأيام جمع القطن في الفيوم، يجد «شريف محمد – 9 سنوات» نفسه مضطرًا للاستيقاظ، وبدلا من الاستعداد ليوم دراسي جديد تبدأ مهام الإعداد للذهاب إلى حقول القطن لجمعه.

 

شريف يواصل كلماته المتقطعة والشمس تسقط أشعتها على وجهه.. «متعود أصحى أصلي الفجر، وأجمع القطن، والعائد منه أصرفه على أبويا وأمي وإخواتي، باجي على نفسي واستحمل ألم ضهري؛ بسبب انحنائي بشكل مستمر وأنا بأقطف القطن، أوقات معرفش أنام على السرير من الوجع، واضطر أنام على الأرض».

 

من الطين للمدرسة

ما إن اقترب عمره من 11 عامًا، وجد نفسه ينمو مع بذور القطن، وفي نفس التوقيت من كل عام يشد الرحال إلى أقرب فدان قطن؛ استعدادًا للجمع، ورغم ذلك لا يستغنى عن دراسته بل يجتهد فيها، فحياته عكس أي طفل طبيعي يذهب إلى المدرسة، ففي النهاية لقمة العيش والدراسة وجهان لعملة الطفل محمود سالم.


 
يصف محمود قصته مع جمع القطن بأنه عمل بدأه منذ الصغر، ومع مرور الوقت وجد نفسه يتقنها.. «كل يوم استيقظ وأبدأ في جمع الثمار، وأفضل الذهاب لجمعه مبكرًا خوفًا من أشعة الشمس الحارقة، وبعد قطف القطن أذهب إلى الشركات فوالدي يقوم بشرائه ويبيعه، والقنطار يساوي 160 كيلو».     

 

فترة مسائية

 

حين دقت ساعة المرحلة الابتدائية مع «محمود»، وتحديدًا مع وصوله إلى عتبة الصف الثالث، بات الجدول اليومي يتمثل في  الاستيقاظ مبكرًا والذهاب إلى حقل القطن لجمع الثمار، ومن بعدها الترحال إلى المدرسة، خلال الفترة المسائية؛ لكن ما يحزنه.. «ليس لدي وقت ألعب زي بقية العيال.. إحنا فلاحين بنشتغل بإيدينيا».

 

بصرف على نفسي

 

بابتسامة تعكس الشقاء، أجمع «محمد - 15 عامًا» كلماته متحدثًا عن واقع يعيشه كل يوم، قائلا: «منذ نعومة أظافري وأنا أجمع القطن، تربيت على قطفه وجمعه، والدي ووالدتي في البيت، وأنا أجمع هنا لأصرف على عيلتي، أتغيب عن الدراسة لأعمل وأحيانا أواصل عملي بعد المدرسة، والوضع يستمر شهرين على هذا الوضع، كل يوم أجمع حوالي 6 (شوالات)، وأحصل على 35 جنيهًا في اليوم الواحد».

 

اقرأ للمحرر:  علي الغندور.. أستاذ جامعي «كفيف» بعيون تكنولوجية

 

بين أحلام وحنين  

 

وسط كل الأطفال، تقف سيدة يحاول النقاب حمايتها من شمس الفيوم الحارقة، وفي هدوء تقطف القطن مع ابنتها «حنين».. أحلام محمد رجب بكل ثقة تحدثت: «شغالة في جمع القطن من حوالي 7 سنين، ساعة قرآن الفجر أصحى، عشان أنا وجوزي مديونين بـ75 ألف جنيه، اشترينا حتة أرض واستلفت فلوس عشان ابنيها، كل شهر أجمع ألفين جنيه، عشان أسدد اللي علينا، البيت دلوقتي من غير أبواب ولا شبابيك».


 

اقرأ للمحرر: «فتافيت السكر».. كوكيز «إرادة» على طريقة متلازمة «داون»

 

باليومية تتحصل أحلام على أجرتها، والتي تصل إلى 40 جنيهًا في اليوم الواحد، منها تدفع مصاريف مدرسة ابنتها خنين، إضافة إلى 180 جنيهًا دروس خصوصية للصغيرة في 3 مواد بالمادة الواحدة مقابل 60 جنيهًا في الشهر، وبابتسامة مريرة تنهي كلامها أكل العيش مر.      

 

الخولي.. كلمة السر

 

خلف مجموعة الكفوف الصغيرة التي تعمل في جمع القطن، يقف رجل يطلق عليه الأطفال «الخولي» محاولا إلزام الجميع بعدم إضاعة الوقت أو إهدار المحصول.. «أعمل في هذه المهنة منذ 15 عامًا، قررت أن أمارسها لأنها وراثة أب عن جد، فجمعت الأطفال أولاد القرية وأعطيهم راتبهم باليومية، وأشرف عليهم».

 

يتحدث الرجل: «تحت يدي 25 طفلًا، نختار الذكور فقط ليعملون معنا خشية على النساء باستثناء أحلام، نشغلها مراعاة لظروفها، وأعطي للأطفال 40 جنيها يوميًا، ونبدأ في استقلال السيارة مع الفجر لتتوقف بنا أمام حقل القطن ثم نبدأ في الجمع وتصدير القطن إلى المصانع، وأنا أقبض حوالي 80 جنيهًا لأنني مشرف عليهم».  

 

«الإشراف على الصغار صعب ومتعب، فمنهم ملتزمون وبعضهم يعملون من أجل لقمة العيش، ولكل طفلين خط يبدأن في جمعه، ومتوسط إنتاج كل منهما 3 كيلو من القطن، وإنتاج هذا العام تأثر بالحكش، وهو جفاف بذرة القطن وجفافه.. توقف الخولي عن كلماته لكن تظل متعة ومعاناة أطفال سنورس مستمرة مع كل موعد لجمع محصول القطن.

 

 

اقرأ للمحرر: لوحات فنية بتوقيع الشمبانزي «لوزة».. تعليم «فنون جميلة»