حكايات| رجال يحاربون تهميش «النصف الآخر».. مدافعون عن صحة وميراث المرأة

إحدى حملات رفع وعي المرأة
إحدى حملات رفع وعي المرأة

لا تخلو أغلب الأيام من أنباء عن قهر التاء المربوطة، فقد يقابلك خبر عن سيدة تحرر محضرا ضد زوجها، أو أخرى تشكو أخوها للقضاء طالبة ميراثها، حتى أصبحت القاعدة الأساسية الشائعة أن تكون النساء ضحايا لغلبة وعنف ذكورهن، إلا أن مجموعة من الرجال كسرن تلك القاعدة بدعم غير مسبوق.

 

فمن هنا وهناك في القاهرة والإسكندرية والدلتا والصعيد، أسس هؤلاء الرجال مبادرات متنوعة لدعم وتمكين المرأة قانونيًا وصحيًا واقتصاديًا ومجتمعيًا، إيمانًا بأن مساندة المرأة وتمكينها هو مكسب للجميع.

 

طبيب نساء يوعي المرأة

في قسم النساء والتوليد في القصر العيني، استلقت سيدة منهكة على سرير الفحص للاطمئنان على  جنينها، امتعض طبيبها الشاب من وضعها الصحي الخطير سألها كيف لم تشعر بأعراض تسمم الحمل من قبل.. ولماذا لم تقم بالمتابعة الدورية للجنين؟ لم يكن لديها إجابة مقنعة ..الأغرب أنها لم تكن تعرف بالتحديد سنها.

 

كانت ملامحها توحي بأنها في الأربيعنيات، إلا أن عمرها الحقيقي بحسب بطاقة هويتها يؤكد أنها ما تزال في منتصف عقدها الثالث، ورغم ذلك جاءت لتضع طفلها السادس.

 

حالتها ليست استثنائية، كثيرات مثلها قابلهن الدكتور عمرو حسن أستاذ مساعد النساء والتوليد بالقصر العيني خلال سنوات عمله، مشاهد متكررة ولّدت لديه إحساسا أن ثمة دور لابد وأن يلعبه في تلك القضية.

 

اختار الطبيب الشاب الذي يشغل حاليًا منصب مقرر المجلس القومي للسكان، تدشين مبادرة توعوية لإنقاذ حياة هؤلاء السيدات، تحت اسم «أنتي الأهم»  لنشر الوعي الصحي للمرأة وخاصة  في مجال الصحة الإنجابية.

 

 يروي تجربته لـ بوابة أخبار اليوم فيقول: «طلقت المبادرة منذ عام  2014، أقمت ندوات في البداية في ساقية الصاوي، ولكني أردت الوصول لمختلف النساء فطفت مع زملائي بقوافل طبية توعوية في حي الأسمرات بالقاهرة، الفيوم، وسيوة، وجنوب سيناء، وعدة قرى ونجوع في الصعيد.

 

«كثيرون تحمسوا لنا وانضموا للحملة درة، وبشرى، وياسمين صبري،  والكابتن أحمد حسن، ولبنى عسل» يقول حسن.

 

ويتابع: «أطلقنا أيضًا  حملة (نقدر) والتي كان من ضمن مُستهدفيها 60% من السيدات السوريات بجانب المصريات لتوعيتهن عن ممارسات الصحة الإنجابية الخاطئة».

 

بحسب حسن فإن «المرأة عدديًا قد تكون نصف المجتمع غير أنها تربي النصف الآخر، ولذا فتمكينها هو تمكين للمجتمع».

 

الصعيدي المدافع عن ورث البنات

 

«هي البنات لها ورث !؟».. نطقها الأخ الأكبر بضجر مكتوم.. يستشيط غيظًا ضاربًا كفًا بكف، مضطرًا استلمت شقيقاته البنات نصبيهن من إرث أبيهن على عكس إرادته.. كان كل ذلك في الأساس بفضل دعم الأخ الأصغر أحمد الصعيدي الذي نشأ في قرية صغيرة في سوهاج، حيث مازالت العادات والتقاليد حاكمة..ولا تحصل النساء غالبًا على حقوقهن في الميراث، غير أن دعم أحمد بدّل الوضع تمامًا، استثناء يصلح أن يكون قاعدة.

 

أحمد، ثلاثيني درس الحقوق وآمن بما درس، الشقيق الأصغر بين ستة أخوة، توفي الأب بشكل مفاجئ، صدمة أعيّت الجميع، بانتهاء طقوس العزاء سعى الأخ الأكبر إلى استلام ميراث شقيقاته غير المتزوجات، وإعطائهن المصروف بمعرفته لتستمر الوصاية عليهن.

 

يقول أحمد: «قررت مناصرتهن وتطبيق القانون والشرع.. وأن أخوض تجربة مختلفة في الصعيد..ليكون تأسيس لنمط جديد سهل تتبعه».

 

«كانت المشكلة الأكبر أن شقيقاتي لم يكن لديهن احتكاك بالعالم الخارجي..فرغم أن أعمارهن كانت تعدت الثلاثين، فكن لا يملكن بطاقات شخصية ولم يكملن تعلميهن، ولم يعتدن إدارة حياتهن الخاصة فكن فريسة سهلة لمطامع أخينا الأكبر» يواصل أحمد.

 

تحرك أحمد لاستخراج بطاقة رقم قومي لهن ليصبح لهن وضعا قانونيا، ومن ثم فتح حسابات بنكية لهن، لم تكن الطريق ممهدة أمامه، فيقول أحمد: «كان التحدي الجديد هو استحواذ أخي على بطاقات شقيقاتي، فحررت محضرا له في قسم الشرطة لضمان عدم تعرضه لهن رغم اهتمامي بصلة الود، وكانت تلك نقطة فاصلة لضمان الحفاظ على حقوق شقيقاته أما الخطوة الثانية فكانت توعيتهن  بحقوقهن وكيفية إدارة أمورهن بمفردهن».

 

يُتابع: «أبي كان مثلي الأعلى، لم يحرم عماتي من حقوقهن في حياته كما يفعل أهل بلدتنا، وأنا أريد أن أكون مثل أبي..  نلقى عن كاهلنا  الميراث الثقيل  ونمنحه لصاحباته.. ضميري يقول إنه الصواب، وكذلك القانون والشرع».

 

يضيف: «كما أنني  مقتنع بأن الرجال المسيطرين على المرأة هم الخاسر الأول حيث  يلزمون أنفسهم بأدوار إضافية منهكة لهم فيحملون أعباء لا داعي لها».

 

من خلال تجربته يعمل أحمد على رفع وعي الرجال كمدرب في حملة الشريطة البيضاء الدولية للرجال الداعمين للمرأة، ومتطوع  في مبادرات مجتمعية وقانونية متنوعة  على قيم المساواة بين الجنسين.

 

«أمان» .. رجال ضد المتحرشي 

 

مارس فتحي فريد أدوارا متعددة في المجتمع المدني كناشط حقوقي، إلا أن تعرضه لبعض المضايقات والتنمر بسبب مظهر شعره الطويل كان نقطة تحول لإدراكه آثار الاعتداءات الأكبر التي قد تتعرض لها النساء يوميًا.

 

بعد مشاركته السابقة في  تأسيس مبادرة «شفت تحرش»، قرر فريد إطلاق مبادرة «أمان» الإلكترونية 2016 لمواجهة العنف الجنسي ضد النساء باستخدام منصات وسائل التواصل الاجتماعي.


يقول فريد: «مع تغير الوضع العام أرى حاليًا أن أفضل وسيلة لمكافحته هو فضح المتحرش على الإنترنت كوسيلة عقابية رادعة للآخرين، بجانب إظهار مساندتنا للناجيات كما حدث في قضية فتاة التجمع، والتي كانت كاشفة للمجتمع، كما نعمل على رفع وعي الرجال تجاه تلك القضية ».

 

سعى فريد إلى مخاطبة المجتمع بطرق مختلفة، تارة يستخدم حملات الرسوم الساخرة، وتارة أفيشات الأفلام، أطلقنا حملة «عايزين الشارع أمان» خلال العيد والتي شارك فيها شخصيات عامة كبرلمانيات وإعلاميين بتصوير أنفسهم  بشعار الحملة  ونشرها كأداة تنبيه، والآن وصلت نسبة الرجال المشاركين في المبادرة 60% من إجمالي المتطوعين في الحملة" يقول فريد.

 

يحلم فريد باليوم الذي تنتهي في مبادرته "أمان"، النهاية في نظره تعني التخلص من تلك الظاهرة..ظاهرة العنف الجنسي في مصر.

 

ولاد البلد.. مبادرة كريم

 

كانت أحداث الثورة والتظاهرات مازالت في أوجها.. مئات الآلاف في الشوارع يوميًا، هتافاتهم المرتفعة أخفت صرخات فتاة وقعت فريسة وسط دائرة متحرشين.

 

حادث تكرر عدة مرات بشكل مُلفت ..آثار الشاب السكندري كريم محروس الذي قرر تدشين مبادرة مع زملائه لحماية الفتيات من المعتدين وردعهم بإيقاظ نخوة «ولاد البلد».

 

يقول كريم محروس: «في 2011 أطلقنا مبادرة (ولاد البلد) لمواجهة التحرش الجنسي، وكانت البداية الحقيقية في أول عيد بعد الثورة، حيث اتجهنا لـ 16 نقطة بوسط البلد في الإسكندرية وخاصة في التجمعات الكبرى  كالسينما،  وشكلنا لجان حماية للفتيات وحلقات مناقشة الشباب لتوعيتهم».

 

ويكمل: «اخترنا اسم (ولاد البلد) للتنبيه أن رفع وعي  الذكور  جزء أساسي من الحل، ولإعادة ترسيخ مجموعة القيم المتمثلة في  سلوك ابن البلد الذي كان يساعد أي مستضعف ويتصدى لأي عنف».

 

ضمت الحملة في بدايتها قرابة 300 متطوع، بينهم 220 شابا شكلوا فريقا ميدانيا للدفاع عن المرأة في التجمعات وتوعية الرجال، ونجاح الحملة في الإسكندرية ساعدها على الانتشار في باقي المحافظات وتضاعف أعداد المتطوعين وفاق عدد الرجال المتطوعين 65%.

 

ومع انخفاض حوادث التحرش الجماعي اختفى عمل الحملة ميدانيا، إلا أن محروس واصل حملات التوعية وتصميم برامج مناهضة التحرش، حيث يؤمن بأنه يستحيل الوصول لاستقرار مجتمعي كامل وأحد أطراف المجتمع (المرأة) غارق في معاناته.

 

من واقع تجربته يؤكد محروس أن إشراك الذكورة في مواجهة التحرش أمر ضروري،  فهم يستطيعون المساهمة في إنقاذ الإناث من براثن المتحرش كما يمكنهم مخاطبة الذكور بنفس لغتهم، «أعضاء الحملة أخدوا تطعيم تحت الجلد ضد التحرش، ده أقل مكسب حققناه» يقول كريم.

 

من خِربتا لخير الله

 

على مساحة قيراط ونصف تقريبًا، حوّل كمال عبد الحليم السيد الهلوبي جزءًا من ساحة منزله الخارجية بقرية خِربتا بالبحيرة إلى مزرعة صغيرة للدواجن التعاون مع جمعية مسار إنساني لتصبح حاضنة أعمال للسيدات المعيلات الراغبات في تنفيذ مشروع اقتصادي لهن ينتشلهن من عوز الفقر ومذلة الدين.

 

ورث الهلوبي حب العمل الخيري والتطوعي أبًا عن جد، اعتاد بمشاركة آخرين على  توزيع الكفالة الشهرية، ولكنه وجد أن الأجدى هو تنفيذ مشروع تمكين اقتصادي للسيدات.

 

يقول الهلوبي: «تهدف المزرعة لتقديم دراسة جدوى حية لمساعدة السيدات وضمان نجاح مشروعاتهن فتعاونت مع جمعية مسار إنساني التي ترأسها أيضًا الدكتور راوية السعدني لتجربة تربية البط المسكوفي والدجاج الهندي وغيره ومع نجاح كل صنف وفهم احتياجاته نبدأ في شرائه للسيدات وتدريبهن عليه،وتذهب أرباح المزرعة التجريبية إلى الجمعية "

 

تجربة مشابهة في عزبة خير الله  خاضها  عبد الفتاح محمود  ندا المنسق العام لحملة العزبة 2025 لدعم النساء المعيلات في العزبة الفقيرة في القاهرة،  حيث يعمل عبد الفتاح مع زملائه على تدريب ٢٠  أم مُعيلة على  مهارات الخياطة   ووفروا وحدات إنتاج بجانب مجموعة من الأنشطة التنموية مثل مدرسة مجتمعية لأطفال المنطقة وتدريبات حول التربية الإيجابية. 

 

تجربة ندا شجعته على  تركيز دراسته في الماجستير حول  المشروعات الاقتصادية للمرأة المعيلة،  وكباحث في الجندر«النوع الاجتماعي» في جامعة القاهرة يرى  أنه يجب احترام السيدات في مصر كمواطنات لهم كامل الحقوق والحريات وعليهم كافة الواجبات، وإلغاء خطاب «اعتبرها أمك أو أختك» لأنه يحصر المرأة في أدوار محددة ولا يحل الأزمة  فالمرأة كيان مستقل وليست جزء من الأسرة فقط.

 

إدماج الرجال

حظيت دعوات إدماج الرجال في حملات الدفاع عن حقوق المرأة على اهتمام محلي ودولي مؤخرًا.


فعلى  المستوى الدولي أطلقت الأمم المتحدة حملة "هو من أجلها "  في عام 2014 لحشد مليار رجل وصبي لإنهاء عدم المساواة الذي تواجهه النساء والفتيات،حيث دعت لمدة عام نصف الإنسانية إلى دعم النصف الآخر، لصالح الجميع

وصرح إلكسندر بديروزا  ممثل  صندوق الأمم المتحدة للسكان في مصر لـ« بوابة أخبار اليوم» نعتبر أن إشراك الرجال والشباب الصغار هي أولوية  لمحاربة العنف المبني على النوع  وتحقيق المساواة بين الجنسين وأن هذا الأمر هو ضرورة لتغيير  المفاهيم  والمعايير المجتمعية  السائدة.

وفي مصر ينفذ المجلس القومي للمرأة حملة «لأني رجل» التي تروج لرسالة أن «الرجل القوي هو من يساند شريكة حياته زوجته وابنته واخته»


وقالت إيزيس محمود منسق عام الحملة: «نجحنا خلال شهرين في التواصل مع قرابة 30 ألف شاب من مختلف المحافظات والفئات لتغيير مفاهيمهم الاجتماعية عن حقوق المرأة ومازلنا مستمرين».

ولفتت إلى ان الحملة اتبعت  نهج «من الرجال إلى الرجال»، حيث دربت مجموعة شباب  مختارة على رسائل الحملة لإقناع قرنائهم بها،وتحمل  الحملة 7 رسائل رئيسية وهي دعم المرأة في (العمل،التعليم،ممارسة الرياضة، التعامل مع المرأة باحترام في الدراسة والعمل،المشاركة في تربية الأولاد، مناهضة العنف ضد المرأة"، واقترحت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة 2015-2020،  تنفيذ بعض الندوات لمخاطبة الموظفين الرجال ورجال الدين الإسلامي والكنسي  لرفع الوعي حول  قضايا  النساء وتدعو الدراسة الاستقصائية الدولية بشأن الرجال والمساواة بين الجنسين،مصر "مفهوم الرجولة"   الصادرة   2016-2017  لإشراك الرجال في تصميم وتنفيذ برامج المساواة، مؤكدة أن إشراك الرجال والفتيان أمر حاسم في حملات مكافحة التحرش الجنسي، كما توصي بإظهار الفوائد  الاقتصادية والاجتماعية العائدة على الرجال من دعم المرأة.