حكايات| أشرس أوبئة التاريخ وأكثر العصور دموية.. ماذا تعرف عن «الأزتيك»؟

أثارة الأزتيك
أثارة الأزتيك

«الشمس تفجرت وابتلعت في بطنها الكواكب والنجوم.. والأرض امتدت إليها يد الدمار.. والكون تفتت إلى أجزاء 4 مرات قبلنا.. وها نحن نعيش شمسنا وأرضنا وكوننا الخامس.. والذي مآلهم إلى الدمار لا محالة.. ولكن لابد أن نعمل على تأخير هذا المصير لأطول وقت نستطيع.. وكيف نفعل هذا أيه الكاهن العظيم؟.. نحن أبناء الآلهة على الأرض.. ولابد أن نسترضيهم بكل طريقة ممكنة.. وكيف يمكن أن نسترضيهم أيها الكاهن؟.. ليس هناك بد من أن نقدم لهم المزيد والمزيد من القلوب البشرية الطازجة.. المزيد من الأفئدة قد تكون أضحية مناسبة لتأخير يوم النهاية».


 
العصر الدموي
 

استيقظت إمبراطورية «الأزتيك»؛ عام 1428 ميلادية على قرار من «تلاكايليل» ابن إمبراطور الأزتيك، برفع منزلة إله الحرب – آنذاك - «ويتزيلوبوتشتلي»، وجعله أبرز آلهة لدى الإمبراطورية، لتشهد إثر ذلك القرار تحولا جذريا أقل ما توصف به أنه «بداية للعصر الدموي»، حيث أصبحت القرابين البشرية أهم ركائز إمبراطور الأزتيك؛ ما تسبب في إرسال مئات الآلاف نحو الموت..
 

4 أيام مروا على شعب الأزتيك، يُعدوا أحد أكثر الأيام دموية في التاريخ، حيث تم خلالهم تقديم أكثر من 80 ألف شخص كقربان بشري للآلهة، وعلى مدار هذه الأيام الأربعة، تكفّل الرهبان بمهمة إراقة الدماء البشرية والتي كانت تلقب حينها بالماء المقدس.

 
«السبب الرئيسي في ارتفاع عدد القرابين البشرية خلال تلك الفترة يرجع إلى مجاعة طالت مجتمع الأزتيك عام 1450 والتي عصفت بالمنطقة، ونسبة لمعتقداتهم تسبب تراجع كمية الدماء البشرية المقدمة للآلهة في إغضابها، إثر ذلك قررت الألهة معاقبة سكان الإمبراطورية بمجاعة قاسية حصدت عشرات الآلاف من الأرواح؛ ما دفع شعب تلك الإمبراطورية إلى زيادة عدد القرابين البشرية المقدمة للإلهة»، وذلك حسب بعض المؤرخين.

 

 

بداية الإمبراطورية


«شعب الأزتيك» يشوبه الغموض ويدل تراثهم على أنهم كانوا يعيشون على الصيد وجمع الثمار، ويستوطنون القسم الشمالي من هضبة المكسيك قبل أن يظهروا في وادي المكسيك في القرن الثاني عشر نحو 1111 ميلادية، ويحتمل أن تكون مسيرتهم جنوبا جزءا من هجرة كبرى لشعوب المنطقة، أو أنها كانت بسبب انهيار حضارة التولتك، وقد استقروا بادئ الأمر في منطقة بحيرات زومبانجو وزالتوكان عام 1163 ميلادية، وأقاموا في مياهها الضحلة جزيرات زرعوها زراعة مكثفة ودعيت «الحدائق العائمة».



وبعد أن أقاموا زمنا في موقعهم هذا انتقل الأزتيك إلى التلال في هضبة تشابولتبك عام 1275 ميلادية، فحصنوها بجدران حجرية وسكنوها، وأقاموا فيها مملكة لهم تشير المصادر إلى أن ملكها الأول اسمه هويتزيلهوتل، ولكن مملكة كولهواكان أكبر الدول في ذلك الوقت هاجمت شعب الأزتيك مع حلفائها وهزمتهم، واقتادت ملكهم أسيرا، وقدمته أضحية لآلهتها، وفرضت على شعبه الإقامة الجبرية في الطرف الجنوبي من الوادي في منطقة تِزبان، وفي خاتمة المطاف استقر الأزتيك فوق جزيرة في الجزء الغربي من بحيرة تكسكوكو، وانقسموا فرعين أنشأ كل منهما لنفسه مدينة، والمدينتان هما تنوشتيتلان وهي نواة مدينة المكسيك الحديثة، وتلتلولكو.

 
معظم المؤرخين يتفقون على أن تأسيس المدينة الأولى يعود إلى سنة 1325م، وأن المدينة الأخرى تأسست بين سنتي 1325 و1338م. وتشير المصادر إلى أن أول ملوك تنوشتيتلان هو أكامابشتلي الذي فرضته مملكة كولهواكان. أما أول ملوك تلتلولكو فهو كواكواوهبيتزاهواك ابن ملك أزكابتزالكو عام 1375م.
 


حروب لأجل الأضحية


نعود مرة أخرى إلى الدموية التي شهدها هذا العصر، حيث أنه لتلبية هذا العدد من القرابين البشرية، توجب على مجتمع الأزتيك شن حروب مدمرة سعيا للحصول على غنائم من الأسرى البشرية ليكونوا وقود الواجب  المقدس المتمثل في الأضحية، التي كانت تقام على شرف إله الحرب «ويتزيلوبوتشتلي».


مدينة تلاكسكالا وضواحيها مثلت أبرز أهداف إمبراطورية الأزتيك، حيث شنت عمليات عسكرية عديدة على هذه المناطق منذ إقرار تغييرات تلاكايليل، ولكن هؤلاء الأسرى  لم يكونوا يكفوا المعدة النهمة لأله الحرب، ولذلك لم يتردد العديد من شعب الأزتيك في ترشيح أنفسهم ليكونوا أحد الأفئدة على مائدة «ويتزيلوبوتشتلي»، معتبرين أنها مهمة مقدسة لأن الموت لأجل الآلهة اعتبروه شرفا عظيما.


الأطفال لم يغيبوا عن هذا المشهد الدموي، حيث كانوا يقدموا قرابين في عمليات الأضحية، وخلال تلك الفترة عمدت العديد من العائلات إلى بيع أبنائها كعبيد مقابل كميات كبيرة من الذرة، وفي حال كان الطفل غير ملائم للعمل يتم بيعه مرة ثانية، وحسب قوانين الأزتيك يقدم العبيد ضمن القرابين البشرية في حال بيعهم أكثر من مرة، وعمد الأزتيك خلال النصف الثاني من القرن الـ 15 وبعد انتهاء المجاعة إلى تقديم ما يقرب من الـ 250 ألف قربان بشري سنويا، على أن يقدم طفل من كل 5 أطفال كقربان للآلهة، وذلك حسب ما أكده عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي مايكل هارنر في كتاب تحت عنوان: «The Enigma of Aztec Sacrifice».


 
برج الجماجم البشرية


حديثا وفي عصرنا الحالي، اكتشف علماء الآثار برجا من الجماجم البشرية تحت الأرض في العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي احتوى جماجم نساء وأطفال، ليؤكد هذا الكشف الأثري ثقافة التضحية بأرواح البشر في إمبراطورية الأزتيك.


أكثر من 650 جمجمة مطمورة في حجر جيري وآلاف من القطع العظمية وجدت في الصرح الإسطواني قرب موقع معبد تمبلو مايور أحد المعابد القديمة الرئيسية في مدينة تينوتشتيتلان عاصمة الأزتيك، التي أصبحت فيما بعد مكسيكو سيتي.


ويعتقد أن البرج جزء من تقليد يعرف باسم تزومبانتلي بلغة الأزتيك العتيقة ويقوم على وضع جماجم بشرية على أرفف لبث الرعب في قلوب الغزاة الإسبان.


ويسرد المؤرخون كيف كانت رؤوس المقاتلين الأسرى تزين التزومبانتلي التي عثر عليها في عدد من حضارات أمريكا الوسطى قبل الغزو الإسباني للمنطقة.


لكن الاكتشافات الأثرية في باطن مكسيكو سيتي القديمة والتي بدأت في 2015 تشير إلى أن الصورة غير مكتملة.


رودريجو بولانوس خبير علم الإنسان الطبيعي، قال: «كنا نتوقع رجالا فحسب، شبانا بطبيعة الحال، لأنهم مقاتلون وبالنسبة لوجود نساء وأطفال فإنك تفكر في أنهم لم يخوضوا القتال.. شيء ما حدث ولا نعرفه.. إنه أمر جديد بالفعل».
 
الموت الأسود


وفي ورقة بحثية، أشار العلماء إلى أن الحمض النووي المستخرج من أسنان 29 هيكلا عظميا دفنت في مقبرة جنوب المكسيك، كشفت آثارا غير معروفة من بكتيريا السالمونيلا المعوية، ورجح العلماء بأنهم تمكنوا أخيرا من اكتشاف سبب الوباء الذي قضى على ما يقارب 80% من سكان إمبراطورية الأزتيك في المكسيك عام 1545، وأسفر عن مصرع 15 مليون شخص.


الوباء كان أحد أسباب القضاء على السكان الأصليين الأزتيك، بعد وصول الأوروبيين مباشرة في أوائل القرن السادس عشر، وتفشى الوباء الذي حمل اسم «كوكوليزتلي»، وتعني وباء بلغة ناواتل الأزتيكية، ما بين 1550 و1545. ويعد هذا الوباء الثاني من جملة ثلاثة أوبئة هي الأكثر تدميرا في تاريخ البشرية، حيث يقترب من الطاعون أو ما يعرف بـ«الموت الأسود»الذي سقط ضحيته حوالي 25 مليون شخص في أوروبا الغربية في القرن الرابع عشر، أي حوالي نصف سكان المنطقة.
 
معبد وملعب الأزيتك


مؤخرا؛ اكتشف معبد قديم وملعب رياضي تابع لحضارة الأزتيك كانت تمارس فيه لعبة كروية قاتلة في وسط المكسيك. ويفيد المؤرخون أن الغازي هيرنان كورتيس حضر للمرة الأولى هذه اللعبة في العام 1528 بدعوة من موكتيسوما أخر أباطرة الأزتيك الذي سيطر في ما بعد على إمبراطوريته. ويميل المؤرخون إلى الاعتقاد أن اللاعبين كانوا يستخدمون فؤوسا للاحتفاظ بالكرة خلال اللعبة التي كانت يتم خلالها تقديم أضاحي بشرية.

واكتشف علماء الآثار عظاما بشرية في الموقع يرجح أنها عائدة إلى أشخاص قطعت رؤوسهم خلال طقوس هذه اللعبة.
ولم يصمد إلى أيامنا هذه سوى جزء من البنية ودرج وبعض المدرجات، والمعبد شبه دائري ويقع فوق بنية مستطيلة، وكان طوله 34 مترا وارتفاعه 4 أمتار، بحسب علماء الآثار.