بالصور| «البداري».. حضارة دفنت موتاها مع الحيوانات وكفنتهم بالحصير

 «البداري».. حضارة دفنت موتاها مع الحيوانات وكفنتهم بالحصير
«البداري».. حضارة دفنت موتاها مع الحيوانات وكفنتهم بالحصير

هنا جنوب شرقي محافظة أسيوط؛ أقدم حضارة عرفها التاريخ منذ العصور الحجرية منذ ما قرابة الـ5000 سنة قبل الميلاد، وأقدم محكمة عرفها تاريخ الأرض، والتي يعود عمرها إلى نفس التاريخ.

  استمرت هذه الحضارة الحاكمة حتى عصر الملك خوفو، والذي كانت جبال البداري تحتضن قبور حكام أقاليم مصر العليا العاشر على مدي 14 أسرة حكمت مصر.

وبرغم مرور العصور، استمر حكم الإقليم العاشر في هذه المنطقة على مدار ما يقرب من 2500 سنة قبل ميلاد السيد المسيح، وحتى عام 240 قبل الميلاد.

الإقليم العاشر لمصر العليا، هو قرية الهمامية والمعروف باسم "واجت" في عصر الدولة القديمة، وتغير اسمها فيما بعد مع حكم الأسرة الخامسة 2650 قبل الميلاد في عصر الملك "اوسر كاف" ومن بعده الملك "ساحورع"، ومن هنا تأتي أهمية هذه المنطقة الأثرية الفريدة وتعرف هذه المنطقة والتي أعد لها عدد من المقابر سميت جبانات "قاو الكبير".

أقدم من الحضارة الفرعونية

حضارة البداري، سبقت الحضارة الفرعونية نفسها عندما ظهرت على الضفة الشرقية لنيل أسيوط المتاخم للجبال الشرقية بالمحافظة برغم من خصوبة التربة واستعدادها للزراعة، ربما لا يبدو الاسم مألوفا بالنسبة للبعض، إلا أن تلك الحضارة تعد واحدة من أقدم الحضارات في التاريخ، وتعتبر دليلا على تطور الزراعة في منطقة صعيد مصر قبل عصر الأسرات منذ العصر الحجر والجمع والالتقاط؛ ويُعتقد أن بداياتها تعود إلى عام 5000 قبل الميلاد، وخلفت تلك الحضارة العديد من المواقع والمقابر الأثرية، إلا أن علماء الآثار بحاجة إلى إجراء المزيد من عمليات البحث والتنقيب في المنطقة للتعرف على المزيد من أسرارها حسب تعبير الدكتور على حسن أستاذ الآثار بكلية الآداب جامعة أسيوط.

وأوضح د.أحمد عوض، وكيل وزارة الآثار بأسيوط، أن المنطقة تشمل آثار الهمامية منطقة "قاو الكبير" المعروفة بعزبة يوسف، وتقع هذه المنطقة في قرية العتمانيه البداري، آخر قرى مركز البداري، وتسمى المنطقة التي تشمل هذه الجبانة "قاو النواورة"، وهي عبارة عن منطقة تحتوي علي مقابر لحكام الإقليم العاشر وتعود هذه المقابر إلي عصر الدولة الوسطى، ولكن هذه المقابر تضم المجموعة الجنائزية بالدولة القديمة وهي عبارة عن معبد الوادي ثم الطريق الصاعد ثم المعبد الجنائزي ثم المقبره المنحوتة في الجبل، وبها توجد الصالة وآبار الدفن وبعض الغرف والتماثيل، ومن تلك المقابر؛ "واح كا " الأول، و"واح كا" الثاني، و"ايبو"، وهم أبرز المدفونين فيها.

سبب التسمية

من جانبه أرجع د. مجدي عبد الجواد علوان، رئيس قسم الآثار بكلية الآداب جامعة أسيوط، سبب تسمية حضارة "البداري" بذلك الاسم نسبة إلى المنطقة التي قامت فيها وهي مركز "البداري" بمحافظة  أسيوط، من البدور أي أنها كنت قبل العديد من الحضارات والمناطق المعمورة منذ زمن بعيد في العصور الحجرية، وقامت تلك الحضارة خلال الفترة ما بين 4500 وحتى 3800 قبل الميلاد، لكنها ازدهرت خلال الفترة ما بين عامي 4400 و4000 قبل الميلاد.

وتابع: «كان أول من اكتشف تلك الحضارة، عالما الآثار البريطانيان جاي برونتون، وزميلته جيرترود كاتون تومبسون، وقاما خلال الفترة ما بين عامي 1922 و1931 بالتنقيب عن آثارها ومعالمها، ومن أهم الآثار التي يعود تاريخها إلى تلك الحقبة تلك الآثار الموجود بقرية الهمامية بأسيوط؛ وكذلك تم اكتشاف أكثر من 40 موقعا أثريا و600 مدفن، وتم تقسيم تلك المدافن وفقا للمكانة الاجتماعية للمتوفى، حيث كان الأشخاص الأغنياء أو ذوو المكانة الرفيعة بالمجتمع يدفنون في مكان مخصص لهم بالمقبرة بعيدا عن ذلك المكان المخصص للعامة».

أفضل فخار في التاريخ

واستكمل حديثه قائلا: «من أبرز المقتنيات التي تم العثور عليها داخل المقابر والمواقع الأثرية التي يعود تاريخها إلى فترة ازدهار حضارة البداري، الأواني الفخارية المصنوعة من أفخر أنواع الفخار، إذ أن الفخار البداري كان يعتبر الأفضل في التاريخ، ذلك بالإضافة إلى التماثيل المصنوعة من العاج والطين والأواني الحجرية، واعتمد اقتصاد البداريين على الزراعة والصيد وتربية الحيوانات، ومن أبرز المحاصيل التي كانوا يقومون بزراعتها القمح والعدس، وكانوا يقومون بصيد الغزلان؛ وكان للتجارة أيضا نصيب من اهتمامهم».

 

البعث عند البداري


كان سكان البداري القدماء يؤمنون بالبعث، ويدفنون موتاهم في الصحراء، بحيث تكون رأس الميت في اتجاه الجنوب وينظر إلى الغرب، وهو تقليد مشابه لذلك المتبع في عصر الفراعنة، لكن الفرق هو أن مقابرهم كانت أكثر بساطة، فكانوا يلفون موتاهم بالحصير، ويدفنونهم مع حيواناتهم المحببة أو بعض التماثيل لحيوانات أو لنساء أو طيور؛ وكان وضع الأواني الفخارية داخل المقابر من أهم ما يميز الحضارة البدارية.

 

وكان الرجال والنساء البداريون يحبون التزين فكان لديهم العقود والخواتم والأساور وأمشاط العاج وألوان من القماش المطرز والأكاليل لزينة الشعر وغير ذلك، و لا يوجد تصور واضح حول شكل المساكن خلال تلك الفترة، لكنها تميزت بوجود بعض الأثاث كالأسرة الخشبية، كما ظهر استخدام النحاس.

 

أقدم محكمة في التاريخ

يوجد بقرية الهمامية، أقدم محكمة في التاريخ، وطريق الوصول إليها غير ممهد للسياح بل هو مدق جبلي منحدر بمطلع جبلي، ومن يحاول الصعود عُرضة للسقوط، لأن زاوية ارتفاع الجبل حادة جدا.

 وعن المحكمة الأثرية، يقول الدكتور علي حسن، الخبير الأثري، إن آثار الهمامية تمثل جبانة لحكام الإقليم العاشر، حيث قال عنها المؤرخ نجيب قنواتي، إن الجبانة تعود للنصف الأول من عصر الأسرة الفرعونية الخامسة، اعتمادا على الطراز الفني والشكل المعماري الخاص بالمقابر.

 أما المؤرخ فلندرز بتري، فقد أرّخ لها بكونها تنتمي لعصر الأسرة الرابعة، خصوصا عصر الملك خوفو، بينما يرى المؤرخ بوير، أنها ترجع لعصر الملك "ني – وسر – رع"، من الأسرة الخامسة، وأن اسم صاحب المقابر هو "كاي – خنت".

 

وعن الدماء المتجمدة في المحكمة، أرجعها الدكتور علي حسن إلى مذبحة حدثت عام 284 ميلادية في عصر الإمبراطور الروماني دقلديانوس، حيث اضطهد المسيحيين وقتل عددًا كبيرًا منهم، حتى قيل إن الدماء وصلت إلى رُكب الخيل، وسمي هذا بـ"عام الشهداء"، الذي بدأ فيه التقويم القبطي.