«أنوار القلوب».. حكاية 3 مكفوفين من «عتمة ظلام العيون» إلى أضواء النجاح

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

«عبده» يحقق حلمه في عالم الصحافة بعد 20 عام كفاح.. ويؤكد: الإعاقة ليست مبررًا للفشل
جراحة الإبصار الفاشلة لم تفقد «إكرام» الأمل.. و«الفلسفة» و«الشطرنج» أدواته لرسم البهجة بين أصدقائه
«رأفت» يحصل على ماجستير الإعلام في سن الـ27 ويحلم بالدكتوراه.. ويؤكد: نعيش بفضل التكنولوجيا

«النور مكانه في القلوب».. خلق الله الإنسان بقلب ينبض بالحياة، وعقل ينير كثيرًا من ظلمات الدنيا، كما وهب الكثيرين نعمة نور البصر، ولكن هل تنطفئ بصيرة القلب والعقل إذا أنطفأ نور العينين؟

متحدو الإعاقة البصرية.. نماذج مضيئة

أبطال قصتنا، قرروا الرد بأنفسهم على هذا السؤال، فلم يقدموا إجابات شفهية، بل قرروا التعبير بنماذج نجاحاتهم في الحياة العملية، بعد أن واجهوا صعاب الحياة بسلاح البصيرة حتى حفروا أسمائهم بحروف من نور في سجل النجاح، الذي عوضهم انطفاء نور العينين ليثبتوا أنه طالما هناك أمل، وأن لهم حق في الحياة، ومن يريد يستطيع.. إنهم «متحدي الإعاقة البصرية».

بالتأكيد، إذا قادتك الصدفة للقاء إنسان «كفيف» في طريق أو ربما في إحدى وسائل المواصلات، سترتسم على وجهك مشاعر الشفقة، وستحاول قدر الإمكان تقديم يد العون إليه بكل ما أوتيت من قوة.. ولكن هل تعتقد أن الإعاقة سوف تمنعهم من الحياة؟

بداية الرحلة.. وطريق الهدف

«بوابة أخبار اليوم» سلطت الضوء على قصص 3 من أصحاب الإعاقة البصرية، بمناسبة تخصيص عام 2018 لذوي الاحتياجات الخاصة، ورصدنا مشوارهم من بداية رحلة فقد البصر حتى الوصول إلى أهدافهم.

«عبده».. وحلم الصحافة

البداية مع عبد المسيح ممدوح، أو "عبده"- كما يناديه أصدقاءه-، (25 عامًا) فهو شاب ذو وجه بشوش، فالابتسامة لا تفارقه، ولباقته ونكاته تجذب إليه أي شخص يجلس معه دقائق، فنادرًا ما يتخلى "عبده" عن تفاؤله سواء في تعاملات الحياة اليومية أو حتى أثناء حديثه عن أحلامه في بلاط صاحبة الجلالة.

يقول «عبده» بابتسامة عريضة، إنه ولد بالإعاقة البصرية «المياه الزرقاء» بالعيون، ورغم ذلك لم تقصر أسرته في البحث عن «بارقة أمل» تعيد إليه بصره، فأجرى 3 عمليات جراحية في صغره إلا أنها لم تؤتِ ثمارها، ومنذ ذلك الوقت قرر «عبده وأسرته» التعايش مع الوضع دون احتساب الإعاقة البصيرة عائقا في الحياة.

حكايات النور والأمل

مرت السنوات حتى وصل «عبده» إلى المرحلة الثانوية بعد أن التحق بمدرسة «النور والأمل»، ومن ثم نجح بمجموع مرتفع أهله إلى الوصول لأول خطوة على طريق أحلامه، وهي كلية الآداب «قسم الإعلام» بجامعة حلوان.

انتقل «عبده» إلى القاهرة لتلبية نداء حلمه، مقررًا أن يصبح «جورنالجيًا» كبيرًا متخصص في ملف ذوي الاحتياجات الخاصة.

بعد أن قضى عامًا واحدًا في كلية الآداب، قرر اقتحام عالم الصحافة، وبالفعل عمل محررًا صحفيا في بعض المواقع الإلكترونية، وصب اهتمامه على ملف ذوي الإعاقة.. وتعلم بفضل إصراره وأدواته من الأجهزة الإلكترونية و"لاب توب برايل" ودعم أصدقائه، في نشر عدد من التحقيقات والحوارات الرنانة مع المهتمين بهذا الملف، حتى تقدم إلى أحد أشهر المواقع الإلكترونية في مصر، ليتم قبوله به والعمل بعد ساعات من التقديم.

يقول «عبده» عن مشواره: «أرى موهبتي في الكتابة، والصحافة الوسيلة التي يمكن من خلالها التعبير عن نفسي ورفاقي من ذوي الإعاقة لأن صوتها مسموع، وأقرأ بـ«برايل» لكبار الكتاب أمثال نجيب محفوظ وباولو، فهما بمثابة «الملهمين» ومصدر قوتي التي تدفعني إلى مواصلة حلمي في عالم الصحافة.

إكرام.. وبطولة الشطرنج

«الحمد لله.. الإعاقة ليست مبررا للفشل.. وأنا أثبت أنني قادر على اجتيازها».. بهذه الكلمات، قدم إكرام فايق نفسه لنا، ثم استعاد شريط حياته، وبدأ في الحديث عن مشواره.

يقول «إكرام»: «أنا اتولدت بميه زرقاء وبيضاء في العينين، وفي سن التاسعة سافرت مع والدتي من المنيا إلى فرنسا لإجراء عملية إبصار، وكانت المفاجأة حيث نجحت العملية، وأصبحت أرى النور للمرة الأولى بعد 9 سنوات ظلام، وبدأت في تحصل دروسي في 4 ابتدائي بنجاح».

يؤكد «إكرام» أنه بعد حوالي عام من العملية، وتحديدا أثناء وجوده وسط زملائه في الفصل، شعر بـ«نار متوهجة» في عينيه فبكى وصرخ، وعلى الفور استدعى مدير المدرسة ولي أمره، وأجرى اتصالا سريعا بوالدته بعد فشل إسعافه في مدرسته.

ويستطرد: «في هذا الوقت اضطرب عصب عينيي وعاد الظلام والألم يطارداني من جديد".

بعد ساعات معدودة من الواقعة المشئومة، توجه أهل «إكرام» إلى أحد كبار الأطباء في القاهرة لإنقاذه من «ألم العيون»، وقرر هذا الطبيب إجراء جراحة عاجلة له لإنقاذه الأمر.. ظل «إكرام» في غرفة العمليات أكثر من 4 ساعات، وفجأة خرج الطبيب ببشرى سيئة لأهله، فأخبرهم بفشل العملية، وضعف فرص ابنهم في الإبصار مجددًا بسب ضمور العصب البصري.

لم تفقد الأسرة الأمل، وتوجهت إلى أطباء في مختلف المحافظات، إلا أن جميعهم أكدوا أن نتيجة العملية الأخيرة حتمية، لصعوبة عودة النظر إلى ابنهم مرة أخرى.

مضت أيام، وتعايش «إكرام» وأسرته مع الوضع، فلم يقابلوا الوضع بسلبية، بل دفعت الأسرة ابنها إلى إثبات وجوده في الدراسة، للتأكيد على أن الإعاقة البصرية لن تمنعه من الوصول إلى أهدافه.

واصل «إكرام» الدراسة في مدرسة طه حسين، معتمدا على «الصوتيات» على حساب «برايل» - كما يفضل- واجتاز مرحلة الإعدادية، فالثانوية، ثم الالتحاق بكلية الآداب «قسم الفلسفة»، وحصل على شهادة جامعية مكنته من العمل في مصلحة البريد بالمنيا - حيث يعيش.

ورغم مشوار الدراسة والوظيفة، لم يغفل «إكرام» ممارسة هوايته التي تعلمها عن والده، وهي «لعب الشطرنج»، فهو يميز كل قطعة بعلامة مميزة، ودخل في مسابقات مع مبصرين، واكتسحهم بذكائه وحب لهوايته.

يقول «إكرام»: «الحمد لله، تكيفت وعشت واتعلمت واتخرجت، واتجوزت، ودلوقتي عندي ولد وبنت، أنا إنسان عادي، ومن يعتبر الإعاقة سببا للفشل، فهو شخص فاشل في الأساس».

ووجه «إكرام» في نهاية حديثه رسالة إلى ذوي الإعاقة، قائلا: «واجهوا الحياة ولا تستسلموا للإعاقة، بل كن إنسانا إيجابيا، وحقق أهدافك».

رائد رأفت.. حلم الدكتوراه على بعد خطوات

أما رائد رأفت، صاحب الـ28 ربيعًا، فهو خريج آداب إعلام المنيا «قسم إذاعة»، وحصل على الماجستير بعد دراسته الجامعية، ويسعى حاليًا إلى تحضير «الدكتوراه» مع البحث عن وظيفة.

يقول «رأفت» لـ«بوابة أخبار اليوم»، إنه ظل بعد التخرج من الجامعة، يبحث عن وظيفة مناسبة له إلا أن كل الأبواب أغلقت أمامه، حتى وجد نفسه في كتابة مقالات في بعض المواقع الإلكترونية، ومن ثم استكمل مشوار الدراسة وحصل على الماجستير ثم يسعى إلى درجة الدكتوراه.

وذكر أنه خضع لـ7 عمليات لإعادة الإبصار لكن جميعها باءت بالفشل، ورغم هذا فإنه يحلم بأن يكون أستاذًا جامعيًا ليؤكد لكل إنسان وقف في طريقه، أن الطموح لا يتوقف، والإعاقة ليست مبررًا للفشل، مؤكدًا أنه يسعى وراء حلمه وسيصل إليه خلال سنوات معدودة.

وبسؤاله عن سر النظرة السلبية، رد قائلًا: «نظرة الناس وثقافتها عنا أننا أقل منهم، وعلى العكس إذا أتيحت لنا البيئة والظروف، سنكون أفضل منهم، وأريد أن أؤكد أن الماجستير غير حياتي، وكونت علاقات تؤهلني للوصول إلى ما أريد».

واستطرد: «أنا من حملة الماجستير ومن ضمن الـ5% ولا أعمل، حاولت التقديم أكثر من مرة ولم أفلح».

وعن متطلباته، قال «رأفت»: «أتمنى اهتمام الدولة بنا، نفسي في تهيئة الشوارع لممارسة حياتنا بأنفسنا، فنحن نعيش بفضل التكنولوجيا، لكن البيئة الاجتماعية غير مهيأة لاعتمادنا على أنفسنا بشكل أكبر».