حكايات| براءة ما بعد الثمانين.. «ألزهايمر عايدة» يهزمه القرآن وعزف الموسيقى

الحاجة عايدة تعزف على البيانو
الحاجة عايدة تعزف على البيانو

من رحم «ألزهايمر» تولد المعجزات، وحين توقف العقل عن التذكر، أصبح القلب قوة محركة للسان «عايدة» حتى ينطق بآيات قرآنية ولغات أجنبية تشبثت بأطراف ذاكرتها، محققة لها معجزة من نوع خاص.
 

«ماما عايدة»، أو «الجدة دودي»، مسنة تخطت الـ80 من عمرها، شخصيتها وابتسامتها الهادئة تجعلك تشعر بارتياح بمجرد الحديث معها، لتكتشف أنك في حضرة سيدة راقية أكل عليها الدهر وشرب، فوفاة زوجها وابنها الوحيد، قلب حياتها رأسًا على عقب، حتى وقعت فريسة لـ«ألزهايمر» الذي ظل ينهش ذاكرتها وعقلها، إلا من «كتاب الله»، فوحده ظل محفورًا في قلبها وذاكرتها لم يطله شبح النسيان. 

 

 

اقرأ حكاية أخرى| الهداف المعجزة.. «محمد» يلعب كرة القدم بدون ساقين 

 


القرآن محفور في ذاكرتها    


بجلباب ملون مبهج، وجسد هزيل أنهكه المرض، وتجاعيد رسمت حول عينيها الضيقتين طريقًا لها، تجلس العجوز الثمانينية في أحد أركان غرفتها على كرسي، ممسكة بين يديها الصغيرتين مصحفًا تتلو آياته بصوت خافت، وتحرك أناملها على كل سطر حتى لا تفوت كلمة، وعندما تقرر الحركة من مستقر جلستها تكاد تخطو الخطوة الواحدة في مئة عام، لتبدأ حديثها قائلة: «أحفظ القرآن كله وأتلوه باستمرار، وأفضل قراءة سور جزء عمّ مثل النبأ والفجر».


العزف لأطفال السرطان 

 

تضحك عايدة ببراءة الأطفال، وتضيف: «أجيد العزف أيضًا على آلة البيانو، وكنت أنوي عمل دكتوراه فيه، وأعشق أم كلثوم وأحفظ لها الكثير من الأغاني على رأسها أنت عمري، وأغني وأعزف لأطفال مرضى السرطان للتخفيف عنهم».

 

اقرأ للمحرر| «فتافيت السكر».. كوكيز «إرادة» على طريقة متلازمة «داون»


تعليم الإنجليزية 


وبدون أي مقدمات أمسكت «ماما عايدة» كتابًا للأطفال بيدين مرتعشتين، وبدأت تتهجى الحروف الإنجليزية والفرنسية، رغم أن بعض الكلمات كانت غير مفهومة ومتلعثمة، وقالت: «هذا كتاب إنجليزي للأطفال، لكي يتعلموا منه اللغة».


مترجمة السفارة


تفاصيل قصة «ماما عايدة» التي تسكن في «دار أمي»، يرويها اللواء أسامة آدم، مدير العلاقات العامة لجمعية الباقيات الصالحات، لـ«بوابة أخبار اليوم»، مؤكدًا أنها كانت تعمل مترجمة في إحدى السفارات قبل أن يطاردها شبح الوحدة بعد وفاة زوجها فأصيبت بمرض «ألزهايمر» المرحلة الثانية، وهو ما يعني أنها تتذكر أشياء وتغفل أخرى. 


ويضيف «آدم»: «أقاربها لا يسألون عليها إلا على فترات متباعدة بسبب انشغالهم الدائم حياتهم اليومية، والجمعية تقدم لها الرعاية الصحية والطبية بشكل مستمر»، لافتا إلى أن الجمعية اكتشفت موهبتها أثناء دمج أطفال مرضى السرطان مع المسنين لكسر الروتين، فظلت تغني وتقرأ لهم القرآن حتي أصبحت صديقة  لهم».  

 

اقرأ للمحرر|  علي الغندور.. أستاذ جامعي «كفيف» بعيون تكنولوجية


بنحب الجدة دودي 


«تقريبًا ماما عايدة من أجمل مريضات ألزهايمر، فهي هادئة وفي حالها وفي نفس الوقت طيبة وحنونة جدًا مع الأطفال، ويلقبونها بـ(دودي) وتفرح كثيرًا عندما تسمع هذا الاسم، فغالبًا ما يفضل الأطفال الجلوس معها لفترات طويلة»، بتلك الكلمات وصفت سماح سعيد، المسئول عن العلاقات العامة والمشرف على النشاط الترفيهي للدار «ماما عايدة». 


القرآن لمس قلبي


وتحكي «سماح» عن حياة «ماما عايدة» قائلة: «نحن بالنسبة لها ضيوفًا، فتارة تعاملنا جيدًا، وتارة أخرى لا تعرفنا، فهي متقلبة المزاج وكل يوم بحال»، مؤكدة أن «دودي» كانت تجلس في غرفتها لتنصت للقرآن الكريم وتواشيح المولد النبوي الشريف وفجأة دخلت في نوبة من البكاء وباتت تهمس: «القرآن لمس قلبي»، مرددة: «يارب». 


وتتابع: «الطبيب النفسي لحالة ماما عايدة يُطمئنا عليها باستمرار، فهو يحلل تصرفاتها ورسوماتها، ودائمًا ما يقول إن حالتها مستقرة بعكس المسنات الأخريات، ولكن للأسف مرض ألزهايمر ليس له علاج».