حوار| عالم ري: تحلية مياه البحر أصبحت ضرورة لتعظيم الموارد المائية

د. علاء صادق أثناء تكريمه من الرئيس عبد الفتاح السيسي
د. علاء صادق أثناء تكريمه من الرئيس عبد الفتاح السيسي

عالم مصري من الطيور المهاجرة حصل على جائزة اليونسكو للعلماء وجائزة الدولة في الهندسة المدنية هو د.علاء الصادق أستاذ تخطيط وإدارة الموارد المائية جامعة الخليج العربي بمملكة البحرين يتحدث مع «بوابة أخبار اليوم» حول مستقبل الري في مصر 

في البداية.. حدثني عن مشوارك العلمي وكيف بدأت فيه؟


أنا خريج هندسة مدنية ثم حصلت على ماجستير في إدارة المشروعات وماجستير آخر في هندسة الموارد المائية بامتياز ودكتوراه إدارة الموارد المائية بامتياز من جامعة لوفن ببلجيكا. 

وحصلت على جوائز عديدة أهمها جائزة اليونسكو للعلماء وجائزة الدولة في الهندسة المدنية،  عملت في عدد من الدول الأوروبية وحاليا أعمل أستاذاً لإدارة الموارد المائية في جامعة الخليج العربي بمملكة البحرين

 الكثير يردد مقولة «المصري ينجح خارج البلاد» ما رأيك في تلك العبارة؟

في الواقع، خلال مسيرة عملي وتعاملي في الكثير من الدول أستطيع أن أقول إن أي مصري تتوافر له الإمكانيات ومناخ العمل فهو قادر على الإنجاز في أي مجال، فأنا شخصيا قابلت العديد من النماذج المصرية المشرفة في مختلف الدول.

ما هي أعمالك ومجهوداتك في ترجمة أبحاثك في مجال الموارد المائية؟


 أعمل على تشجيع البحث العلمي في مجال تحلية مياه البحر باستخدام التقنيات الحديثة خاصة بعد ما أثبتت التجارب ارتفاع الإنتاجية بحوالي 21% وانخفاض التكلفة الرأسمالية إلى حوالي 40% عند تطبيق هذه التقنيات على المعالجة الأولية لمياه البحر، وللاعتماد على المياه المحلاة يجب أن تحدث طفرة كبيرة في طريقة صناعتها، وأن يتم تصنيع جميع أدوات التحلية محليا حتى نستطيع تخفيض ثمن التحلية المرتفع.

ما هي المشاكل التي تعوق عملية تحليه مياه البحر ؟


تخفيض تكاليف التحلية والتي تعتبر المشكلة الرئيسية لتحلية مياه البحر وذلك باستخدام الطاقة الشمسية وطريقة التناضح العكسي في التحلية لأنها تتسم بانخفاض متطلباتها من الطاقة كما أن تكلفة الوحدة المحلاة بها تنخفض بنسبة أكبر سنة بعد أخرى عن نظيراتها في طرق التحلية الأخرى، وكذا استخدام آبار ساحلية لتوفير مياه بحر تقل فيها الشوائب ومن ثم الحاجة إلى المعالجات الأولية المكلفة. بالإضافة إلى زيادة الطاقة التصميمية لمحطات التحلية للاستفادة من اقتصاديات السعة، وتشجيع البحث العلمي في مجال تقنيات التحلية لإنتاج أفضل معدات ومتطلبات التحلية بأرخص الأسعار.

ما هي العلاقة بين التنمية المستدامة والاهتمام بتحلية المياه في مصر؟ 

استدامة الموارد الطبيعية هي الاستخدام الأمثل لهذه الموارد مع الحفاظ على حق الأجيال القادمة فيها تتراوح ملوحة مياه البحر الأحمر ما بين 40 و45 ألف ملليجرام من الملح في كل لتر مياه،  أما البحر المتوسط فتبلغ نسبة ملوحته38-40 ألف ملليجرام، ومياه النيل 250-400 ملليجرام ملح، ومنظمة الصحة العالمية حددت ألا يزيد الحد الأقصى لملوحة مياه الشرب على 500 ملليجرام ملح لكل لتر مياه، وألا تزيد أملاح الكلوريدات عن 240 ملليجرام لكل لتر، وملح البورون لا يزيد على 2.4 ملليجرام لكل لتر، وتبلغ نسبة الملوحة الناتجة من محطات التحلية ما بين 350 و420 ملليجرام ملح لكل لتر مياه.

في حالة المناطق البعيدة عن نهر النيل، لا شيء يمنع تحلية مياه البحر، بل على العكس هي من الضرورات لأن نقل مياه النيل إليها يكاد يكون مستحيلا. لذا فإن تحلية المياه في مثل هذه المناطق تكون أفضل لأن تكلفة إنشاء الخطوط من النيل أصبحت عالية جدا، بالإضافة إلى أن محطات الرفع التي تقوم بضخ المياه في الشبكات تتكلف ملايين الجنيهات وتكلفة إنشاء محطات لتحلية مياه البحر ستكون أقل من إمداد خطوط نقل المياه بنسبة تتراوح ما بين 40 و50% عامل انخفاض التكلفة يشجع على إنشاء محطات تحلية المياه وتظل تكلفة تحلية المتر المكعب من المياه لا تُقارن بتكلفة تنقية ونقل مياه النيل، وبذلك يمكن أن تساهم التحلية في التنمية المستدامة إذا تم استخدام الطاقة المتجددة والتعامل الجيد مع المياه الراجعة من عملية التحلية والأخذ في الاعتبار الجوانب البيئة والاجتماعية والاقتصادية للتحلية.


كيف تستطيع مصر تجانب أخطار سد النهضة على حصتها من المياه؟


تزداد أهمية الماء في مصر نتيجة للثبات النسبي في مواردها منه وللزيادة المستمرة فى عدد السكان الأمر الذي أدى إلى دخول مصر منذ فترة طويلة في مجموعة الدول الفقيرة مائيا والتي ينخفض نصيب الفرد السنوي فيها من المياه عن حد الفقر المائي وهو 1000 متر مكعب بصرف النظر عن سد النهضة. ولتوفير المياه تلبية للاحتياجات المتزايدة منه، اتجهت كثير من الدول إلى تحلية مياه البحر حتى أصبحت صناعة التحلية من أهم الصناعات حالياً ويقصد بتحلية المياه تحويلها من مياه مالحة إلى مياه خالية تقريبا من الأملاح صالحة للاستخدام البشرى أو الزراعي أو غيره من الاستخدامات. وفق أرقام منظمة الأمم المتحدة عن العجز المائي، فإن مصر تواجه في الوقت الحالي هذه المشكلة بشكل حاد. حيث يُقدر متوسط ‏نصيب الفرد من المياه حاليا 660 مترا مكعبا سنويا. وبحلول عام 2030 سينخفض هذا المتوسط إلى 500 متر مكعب فقط، مما ‏يجعل مصر في مصاف الدول التي تواجه “عجزا مطلقا” في المياه.‏

في الحقيقة، يتم التعامل مع سد النهضة بمفهوم علمي وتطبيقي للإدارة المتكاملة للموارد المائية بين مصر والسودان وإثيوبيا بما يحقق التنمية المستدامة في الدول الثلاث.وبغض النظر عن إنشاء سد النهضة، فإن مصر دخلت مرحلة الفقر المائي، ومع ‏التزايد المطرد في عدد السكان، وثبات موارد مصر التقليدية، فمن المتوقع أن يكون هناك ‏نقصا آخر في نصيب الفرد من المياه، وبالتالي لم يعد هناك مجال غير المضي قدماً وبسرعة كبيرة في ‏مجال تحلية مياه البحر، وأن يكون ذلك خياراً استراتيجياً.

كيف تستطيع مصر مواجهة نقص الموارد المائية في الفترة الحالية؟

تُعاني الميزانية المائية المصرية عجزا شديداً بين الموارد المائية المتاحة والاستخدامات الحالية، حيث يقترب نصيب الفرد من حد الفقر المائي المدقع (500 متر مكعب/سنة)، مما يتطلب التفكير خارج الصندوق لتخطيط وإدارة الموارد المائية وإيجاد موارد مائية غير تقليدية لسد الفجوة بين العرض والطلب. وفي هذا الصدد، يجب تعظيم الموارد المائية والمحافظة عليها من التلوث وكيفية تعظيم القيمة المضافة لوحدة المياه في ظل التأثيرات المتوقعة للتغيرات المناخية وتأثيرها على دول المنطقة.

ويجب أن يلعب البحث العلمي دورا أكثر إيجابية في العمل على إيجاد طرق مبتكرة لتعظيم الموارد المائية الغير تقليدية على ثلاث محاور هي: إعادة تدوير مياه الصرف الصحي والزراعي من خلال المعالجة المناسبة لطبيعة التلوث في هذه المياه في ظل زيادة عدد السكان وتغير نمط الاستهلاك. كذلك، أصبحت تحلية المياه أمرا حتما، ويجب تغير مفهوم ان التحلية لمياه الشرب فقط بل يجب استخدامها في الري أيضا.فقد آن الأوان لترجمة نتائج البحث العلمي لتعظيم الموارد المائية المتاحة المحدودة وكذلك البحث عن إيجاد مصادر مائية جديدة غير تقليدية. وأن يعمل القائمون على البحث العلمي بتوفير الإمكانيات الفنية والتكنولوجية المتطورة للاستخدام الأمثل للمياه الجوفية، وأيضا تحلية مياه البحار على الشواطئ الممتددة، وتقنيات معالجة مياه الصرف الزراعي والصحي، مع مواجهة المخاطر الفنية والبيئية والصحية المصاحبة لإعادة استخدام المياه المعالجة في الزراعة والصناعة دون تحميل ميزانية الدولة أي التزامات مالية.

كما يجب الاهتمام بالدور الذي يمكن أن تلعبه المياه الافتراضية في سد العجز المائي، حيث تستورد مصر ما يقرب من 30 مليار متر مكعب سنويا لتعويض النقص في الاحتياجات من المحاصيل الزراعية الأساسية مثل القمح، لذلك هناك ضرورة للاهتمام بالأبحاث الخاصة بهذا الموضوع بشكل متكامل من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

ما هو دور البحث العلمي في تعظيم إمكانيات تحلية المياه في مصر؟ 
 

يجب العمل على التغلُّب على مشكلة  المياه بالوسائل العِلمية الحديثة، خاصَّة أن نظُم تحلية المياه الحالية تظل ملوثة للبيئة؛ لأن الشركات لا تطورها، ومِن ثم فلا بد من توظيف تقنيات الطاقة الشمسية في عمليات التحلية؛ لهذا فإن البلدان العربية وخصوصًا مجلس التعاون الخليجي يملِك أكثر من نصف تحلية المياه في العالم، والشركات الأجنبية صاحبة تكنولوجيا التحلية تبيع فقط دون أن تُنفِق دولارًا على أبحاث تطوير هذه التكنولوجيات، حتى أصبحَت التكنولوجيات قديمة تَستهلِك طاقةً عاليةً ومُلوِّثة للبيئة الموجودة بها، والأجدَر لعُلمائنا المصريين أن يقوموا بتطوير هذا المجال بفِكرهم؛ لأن القضية قضيتهم، وعلى العلماء أن يقدِّموا حلول علمية، ومِن ثمَّ فمُعظم مُشكلاتنا يُمكن حلها عن طريق البحث العلمي. 

الطاقة الشمسية طاقة نَظيفة في عالم يُعاني من التلوث، وحظُّنا كبير منها، ولكننا حتى الآن لا نجد أحدًا يُفكِّر في استغلالها كمصدر طاقة نظيف لتحلية المياه مثلاً، رغم أن المجتمعات الشمسية في العالم تستغلُّ 15 في المائة فقط من الطاقة الشمسية.

مستقبل مصر متوقف على تحلية مياه البحر، وهذا بمبالغ غير مكلفة فأكثر المناطق التي يمكن أن تحلى مياه البحر ففي محافظات مرسى مطروح والإسكندرية ورشيد ودمياط وبورسعيد والعريش الإسماعيلية والسويس والغردقة وكافة المدن المتواجدة على الساحل، حيث تصلح مياه التحلية للشرب والزراعة.

ما هي آثار ومخاطِر تحلية مياه البحر؟
 

هناك العديد من الآثار السلبية لمحطات التحلية على البيئة وخاصة البيئة البحرية، يظهر بعضها عند بداية تشييد المحطة على الشاطئ وبناء المداخل والمخارج داخل البحر، حيث يتم تغيير صفة استعمال الأراضي في تلك المنطقة، وتقوم الآليات والمعدات بدمك الرمال مما يؤثر على الكائنات الدقيقة المتواجدة على الشاطئ. بالإضافة إلى ذلك فان الحفريات تعمل على تفتيت التربة وزيادة المواد العالقة والراسية في المياه، والتي بدورها تحجب ضوء الشمس عن النباتات المائية وتمنعها من إتمام عملية التمثيل الغذائي، كما أن وجود هذه المواد يرفع منسوب الطلب الحيوي على الأكسجين، وبنقص الأكسجين في المياه تختنق الأسماك والأحياء البحرية. لهذا فان من الأهمية القيام بدراسة مفصلة لتأثير محطات التحلية على البيئة بعد اختيار مواقعها والعزم على إنشائها كجزء من عملية التخطيط لهذه المحطات ومروراً باختيار التقنية المناسبة واستخدام المواد الصديقة للبيئة وانتهاء بعملية تشغيل المحطة مياه النفايات. 

هل تتواصل وزارة الري معك من أجل الاستفادة من رؤيتك؟ 
 

أفخر دائما أنني أحد أبناء هذه الوزارة العريقة، فأنا أستاذ في المركز القومي لبحوث لمياه الذراع البحثية للوزارة وهناك تواصل دائما مع وزارة الموارد المائية وعلى رأسها الوزير الدكتور محمد عبد العاطي الذي أثبت فعلا أنه من أفضل وزراء الموارد المائية والري. وكما ذكرنا سابقا فإن مصر تحتاج إلى تخطيط وإدارة متكاملة للموارد المائية المتاحة والمحدودة لتعظيم الاستفادة منها، بالإضافة إلى وضع رؤية إستراتيجية وسياسات مائية لإيجاد مصادر مائية بديلة غير تقليدية تساهم في سد الفجوة بين العرض والطلب على المياه في مصر. كما يمثل السلوك والوعي البيئي لترشيد الاستهلاك إضافة إلى إجراء البحوث في مجال التحلية وقضاياها وفي مجال طرق الري وحسابات الاحتياجات المائية وبناء القدرات البيئية أهم الأدوات والتدخلات الإدارية التي يمكنها المساهمة في تعظيم سياسة إدارة الطلب على المياه في مصر. لذا فهناك تواصل الدائم من أجل تعظيم الموارد المائية المحدودة والحفاظ عليها من التلوث وإيجاد مصادر مائية بديلة.

كيف ترى اهتمام الدولة بالعلماء في الفترة الحالية؟
 

في الحقيقة أولت القياد السياسية اهتمام كبير بالبحث العلمي وبتقدير غير مسبوق بالعلماء المصريين بالخارج. وبدأت من خلال مؤتمرات مصر تستطيع، حيث أظهرت الدولة تقديرها للعلم والعلماء بتنظيم وزارة الهجرة بقيادة الوزيرة النشيطة والناجحة جدا السفيرة نبيلة مكرم لعدد من مؤتمرات مصر تستطيع وقد شرفت بدعوة وزارة الهجرة لحضور المؤتمر الأول من هذه المؤتمرات على أرض الكنانة للاستفادة من عقول مصر المهاجرة في وضع الأسس العلمية للمشروعات القومية ودعمها بالأبحاث العلمية.


أخيرا وفى رسالة محددة ماذا تقول؟


يجب أن يلعب البحث العلمي دوره في العمل على إيجاد طرق مبتكرة وإيجاد مصادر مائية غير تقليدية. فيجب العمل في مصر من أجل التنمية الشاملة والمستدامة. في الواقع، ما تحتاجه مصرفي هذه المرحلة هو تخطيط وإدارة الموارد المائية لتعظيم الموارد المائية المتاحة والمحافظة على هذه الموارد المحدودة من التلوث وإيجاد موارد مائية بديلة. كما يجب تعظيم التعاون مع دول حوض النيل في كافة المجالات وتنمية مفهوم استدامة الموارد المائية لدي الناس والمحافظة على حق الأجيال القادمة في هذه الموارد.