الروائى مجيد طوبيا: ذكاء الرئيس جعله «بطلا» لأهم قصة واقعية مصرية

الروائى الكبير مجيد طوبيا خلال حواره للأخبار
الروائى الكبير مجيد طوبيا خلال حواره للأخبار

الروائى الكبير مجيد طوبيا فى حوار الماضى والمستقبل:


الإخوان «خطأ» تاريخى لن يتكرر وأخلاقهم تخاصم روح الشعب


فى 30 يونيو قادنى صديقى فتحى سليمان «لكنس الجماعة»


الحرية لا تعنى الفوضى وإنما التزام بصوت العقل وتغليب المصلحة الوطنية

 

لا يزال ضمير المثقف فاعلا فى الواقع الاجتماعى المصري ، ولا يزال الرهان على وعيه اليقظ نابضًا بالحركة القافزة فوق كل خروج على النهج الوطنى داحضًا لأى انفلات فكري.

 

لذلك كان هذا الحوار مع أحد أعمدة الأدب القصصى الحديث، الروائى الكبير مجيد طوبيا ، الذى حصل على عدد كبير من جوائز الدولة التشجيعية والتقديرية ، والأهم احتلال أعماله فضاء لائقا من المكتبة العربية الحديثة حيث أسهمت فى تشكيل وجدانات الشباب لأجيال متلاحقة.

 

يؤمن مجيد طوبيا بالوطن لأنه يؤمن بالحياة.. ويؤكد أن التغيير إلى الأفضل ضرورة واقعية لأنه يثق فى جذور هذا الشعب الضاربة فى أصل الحضارة.. ريادته لكتابة الواقعية السحرية جعلته من أوائل الذين تنبأوا بالسقوط السريع للجماعة الإرهابية لأنهم- ببساطة- خطأ تاريخي ، ولا بد أن يُصحح التاريخ خطأه..

 

هذا الحوار رحلة فى عقل مُبدع يعرف كيف يقرأ الماضى ليستشف المستقبل، ويُدرك أن المزايدة على الحاضر بالشعارات الزائفة والكلمات المزوقة باسم الحرية وسيلة الكسالى وحدهم ، وهو آخر ما يحتاجه الوطن الآن.. إلى تلك الرحلة ..

 

كيف تستقبل رحلات الرئيس الخارجية وهل تراها مؤثرة فى ترسيخ مسيرتنا الحضارية؟


- الحركة بركة كما يقول المصريون ، ونحن نحتاج إلى تلك الحركة الآن أكثر من أى وقت مضى ، وهذا ما يفعله الرئيس السيسى الذى يجب علينا جميعا أن نقف خلفه وندعمه لأنه شخص ذكى بالفطرة ويعمل لصالح الوطن.. كما أن الأمور تغيرت وتتغير إلى الأفضل فى وقت يُحيط بنا الأعداء من كل جانب ، وتسعى دول وجماعات لمحاولات الإيقاع بشبابنا فى براثن التطرف ، ولذلك فإنى أعتقد أن هذه الزيارات والتفاعلات إيجابية جدا فى دعم مستقبل وطننا الحبيب.


 أعلم أن لديك قصة واقعية عن أحداث ليلة الـ30 يونيو العظيمة.. هل تذكر أهم ملامح تلك الليلة؟


- فى الحقيقة أنها كانت من أهم وأفضل أيام حياتى على الإطلاق رغم عمرى الطويل ، ولذلك لا أظن أننى سأنساها أيامى الباقية ، خاصة أنها أحداثٌ تحوى قصصًا واقعية كثيرة جدا تفوق خيال أعتى الروائيين ، وكان الرئيس السيسى هو «بطل» تلك الرواية الواقعية الجميلة.. وأذكر أننى كنت أتابع التليفزيون والإذاعات وأقرأ الجرائد اليومية منذ اعتصام المثقفين الأول أمام مبنى الوزارة فى الزمالك ، أحسستُ أن ما توقعته وتمنيته من سقوط مدوٍّ للإخوان على وشك الحدوث ، وقد كنتُ قد قلتُ مرارًا لأصدقائى إنهم خطأ تاريخى فى مسيرة الوطن ولا بد أن «ينصلح» الحال و»تتعدل» الأمور.. انتهت المهلة التى مُنحت لجماعة الإخوان الإرهابية ، وجاءت الليلة الأخيرة من شهر يونيو.


«كنس» الجماعة


هل صحيح أنك ذهبت ماشيا إلى الاتحادية رغم سنك المتقدمة ، وأصررت على الوصول إلى أبعد نقطة من «الرفض»؟


- هذا صحيح بالفعل ، وكان يجب أن نمشى حفاة تقديرًا ومهابة للموقف.. انتظرت صديقى «فتحى سليمان» حتى انتهى من عمل فنجانى قهوة لى وله وطلبت منه الذهاب ، بل قل الزحف نحو الاتحادية «لنكنس» تلك الجماعة المارقة من وجه مسيرة الوطن.. لم يستطع قيادة السيارة أكثر من ميدان «تريونف» ونظر إليَّ ، وقال: يبدو يا مجيد أن الوصول لأبعد من ذلك للموعودين فقط!! وخيَّرنى ما بين العودة أو الانضمام لآلاف المُصرين على الذهاب لأبعد نقطة من الرفض.

 

للوهلة الأولى أصابنى رعب من استكمال المسيرة ، لكن كبار السن من الجنسين من سكان ميدان الإسماعيلية وصلاح الدين والكوربة أشعرونى بالخجل... ما زالت فى الصحة بقية والمشى يُصفى ذهني ، والعيون حولى ترسل رسائل محبة وتشجيع.. الجميع على قلب رجل واحد نحو طلب واحد.. لا إخوان بعد الليلة.. ما لم يُكمله ناصر يستطيع هذا الرجل استكماله.


تغير إيجابي


هل شعرت بتغيرات إيجابية فى الشخصية المصرية منذ الثورة حتى الآن؟


- بالطبع فكل حركة فاعلة تحدث لا بد لها من تغيرات ، وهذه التغيرات الإيجابية علينا دعمها من خلال زيادة الرقعة القرائية للشباب التى حدثت أثناء وبعد الثورة وبحثهم عن كتب لم تكن فى دائرة اهتمامهم ، مثل الكتب الاشتراكية والسياسية والتى توضّح لهم معنى الثورة والحرية ، وكذلك زيادة الوعى بمستقبل الوطن وفهم خطورة اللحظة الحضارية التى يعيشون فيها.

 

وأعتقد أن ذلك قد حدث كثيرًا بين الشباب المصرى بعد كل هذه الهزات الحضارية التى حدثت السنوات الماضية ، وكلها تغيرات إيجابية وإلا ما كنا نرى هذا الوعى والاهتمام من الشباب والوقوف صفا واحدا خلف الرئيس السيسى فى رحلة الإعمار رغم الأوضاع الاقتصادية المؤقتة للخروج من عنق الزجاجة.


خطأ تاريخي


إذن ، برأيك ، كيف أسهمت هذه الثورة فى إصلاح الخطأ التاريخى بتولى الجماعة الإرهابية حكم البلاد؟


- ثورة 30 يونيو جاءت لترد على المكوّن الخطأ الذى دخل تركيبة الغد المنشود من شباب ثورة يناير 2011.. وأعتقد أنها أصلحت هذا الخطأ التاريخي ، وأعادت الأمور إلى مجراها الطبيعى تحت قيادة واعية من قائد ذكى بالفطرة ، ولست مبالغا إن قلت إنه لولا الرئيس السيسى لكانت أوضاعنا الآن لا تقل سوءًا عن البلاد المجاورة ، وأنه كان ملهمًا ولاعبا ماهرا فى القضاء على هذه الفئة الباغية فى هذا الوقت القليل.


 كنت من أوائل الذين تنبأوا بأن حكم الجماعة لن يدوم طويلا رغم تأكيدات المرشد بأنهم سيستمرون خمسمائة عام.. من أين جاءتك تلك الثقة المبكرة وقتها؟


- الكاتب الروائى يملك حساسية شديدة تجاه الأحداث لأنه معجون بها يوميا ، وبالفعل كانت عندى ثقة تعادل ثقتى فى سطوع الشمس من الشرق وهى أن الإخوان إلى زوال.. ومنذ اللحظة الأولى لاعتلائهم كرسى الحُكم قلت ودون تردد: هذا خطأ مطبعى ولا بد من إصلاحه ، وكان أصدقائى يتساءلون فى تشاؤم عن سر هذا اليقين فى الوقت الذى تعلو فيه تلك الجماعة ويؤكد قادتها أنهم مستمرون لخمسمائة سنة قادمة ، ولكننى كنت أرى ما حدث قبل أن يحدث لأننى أعرف جيدًا طبيعة الشعب المصري ، وأدرك أن تلك الأفكار الخارجة عن السياق لن تصلح له ولن تتفق مع طبيعته المتسامحة والنقية.


القوة الناعمة


انطلقت شرارة الثورة من المثقفين.. هل ترى أن الحالة الثقافية الحالية قادرة على دحر الأفكار الرجعية والمتطرفة؟


- الحالة الثقافية والقوة الناعمة هما ذراعا الوعى وطريق عودته ، والاهتمام بتنمية الوعى ضرورة متجددة كل حين لا بد من التركيز عليها ، وقد رأينا كيف كان المثقفون هم أول من أطلقوا شرارة ثورة 30 يونيو وكانوا وقودها الدافع نحو الانعتاق من القيود الإرهابية والأفكار العشوائية لتلك الجماعة الآثمة.


ولكن هناك من يعتقد أن الحركة الإبداعية والفنية المصرية منفصلة عن الواقع.. ما رأيك؟


- حتى لا نتهم الحركة الثقافية بانفصالها عن الواقع ، علينا أن نعترف أنها ليست المسئولة وحدها عن التوعية المجتمعية ، وإنما لا بد أن تبدأ التوعية الثقافية والمجتمعية من البيت والمدرسة ، والمجلات المصورة التى لا بد وأن تصل إلى أطفالنا فى البيوت مجانا وبلا سعر ، والبرامج المتلفزة التى تهتم بالتوعية والتثقيف ، والرحلات المدرسية إلى المتاحف والأتيليهات وقصور الثقافة فى كل المحافظات، ولا بد كذلك من عودة الندوات الشعبية فى السرادقات الموسمية التى كانت تصل إلى الكفور والنجوع ، وعدم التركيز على المركز الثقافى فقط فى القاهرة والإسكندرية فقط.


متفائل


«التغيير» هاجسك الملازم فى أعمالك الإبداعية.. هل ترى أن الخطوات المصرية الحالية تسير إلى الأفضل؟


- بالطبع أرى أن الوطن يسير نحو الأفضل لأن القيادة الحالية وطنية من الطراز الأول وتعمل بكل جهد لإصلاح الخلل المتراكم منذ سنين طويلة ، ولكن قبل كل ذلك أرى أن مصر ستعيش دائما فى الأفضل وستسير دائما إلى التغيير الى الأحسن ، وأنا دائمًا متفائل بذلك ليس لأنى فقط عاشق لبلدى مثل كل المصريين ولكن لأن السيد المسيح قال: «مبارك شعب مصر» ، ولم يقلها لشعب آخر.. وأنا الآن أقولها وبملء الفم: مصر الغد هى صدق الوعد الذى يصنعه شعب ورئيس وحكومة ووزارة ثقافة.


لك تجارب كتابية وإخراجية رائعة فى تخليد بطولات نصر أكتوبر.. لماذا لا نجد الآن مثل هذه الأعمال الوطنية التى تسجل بطولاتنا فى مجابهة الإرهاب؟


- الأعمال الإبداعية قادرة دومًا على تخليد بطولاتنا الوطنية ، ولقد شاركت بالفعل مع الفنان الكبير محمد راضي ، رحمه الله ، فى إنتاج الفيلم الشهير أبناء الصمت ، بعد حرب أكتوبر وقد قدمت لنا القوات المسلحة وقتها كل الدعم اللازم وأمدتنا بالمعدات والجنود ووضعت كل تجهيزات الجيش الثالث تحت تصرفنا ، ومن المعلوم أن السيناريو الذى كتبته وقتها نال استحسان كل قيادات الدولة ، بل واستعانت كل الأفلام اللاحقة بالمشاهد القتالية الزائدة بالفيلم ، خاصة فيلم العمر لحظة لأنه من إخراج محمد راضى أيضًا ، ومن المعروف أن كل لقطات العبور التى نراها الآن فى احتفالات النصر كانت من فيلم أبناء الصمت ، حيث لم تكن توجد لقطات حقيقية للعبور لأن توقيت الحرب كان سرا.

 

وأذكر أن المخرج محمد راضى أراد أن يُعيد مشهد العبور مرة أخرى ، ولكن القادة والجنود أخبروه أن ذلك مستحيل لأنهم بذلوا فى تصوير المشهد أضعاف الجهد الذى بذلوه فى العبور الحقيقي.. وعلينا ألا ننسى أيضًا أن الأغنية عمل إبداعى مهم جدا فى تخليد النصر وهى التى تلاحق بطولات الجيش المصرى حتى الآن وهى نتاج عمل مشترك بين الشعر واللحن والصوت .

 

يأتى بعدها اللوحة والقصة وفى النهاية الرواية.. لأن الكلمة تحتاج إلى استيعاب.. استيعاب للموقف ودراسة جوانبه وهضمه ومن ثم يأتى الطرح لأنه سيكتب والورق حكم راديكالى لا يقبل أنصاف الحلول.. ولذلك فإنه بعد ثورة يوليو 52 لم يكتب «نجيب محفوظ» مباشرة عن الثورة ، ولكنه انتظر حتى انكشفت الأمور ، ولذلك فإنى أثق أننا سنرى قريبا أعمالا فنية تليق بثورة 30 يونيو.


عنصر واحد


تملك يقينا كبيرا بأن الشعب المصرى متفرد بالرغبة فى التعايش السلمى واحترام الآخر.. ما مقومات هذا اليقين؟


- دعنا نرجع إلى الخلف لنفهم الأمور الآن.. بعد ثورة 1919 يئس الإنجليز من محاولات تفكيك الشعب المصرى دينيا ، ووجدوا أن هذا الشعب متمسك بقوة بفكرة الوطن والوطنية وأنه يعيش عنصرا واحدا بدون تفرقة بين مسلميه ومسيحييه ، ولذلك وجدوا أنه من الصعب جدا اللعب على الحبال بينهما ، فكان عليهم سلوك طريق آخر لتفتيت تلك الوحدة الوطنية المتشابكة.. فجاء الحل من رجال المخابرات الإنجليزية الذين ما كان عليهم إلا «رمى الملح فى القدر» ، وإحضار يهود من المغرب على أنهم مسلمون موريسكيون نزحوا من الأندلس عند سقوط الدولة الإسلامية .

 

وهؤلاء تشكلت منهم جماعة الإخوان المسلمين التى أنشأتها المخابرات البريطانية ، والكاتب الوحيد الذى رد الأمور إلى نصابها وفهم أصول الإخوان وألاعيبهم بصورة عميقة كان الكاتب الكبير عباس محمود العقاد ، وقد أشار إلى تلك الحقيقة فى أحد مقالاته ولذلك حاول الإخوان اغتياله فى بيته ، فضلا عن حملات التشويه التى تتم حتى الآن.. وكذلك عملت المخابرات الإنجليزية على إحضار مسيحيين كاثوليك وبروتستانت وجيزويت ، وقاموا بإدراج هؤلاء وهؤلاء فى نسيج الشعب المصرى لكى يفسدوا التصويت فى كل المجامع ، ويخلقوا الفتنة المفتعلة.. لكن مصر التى ذكرها الله بالخير فى كتبه استطاعت أن تقلب السحر على الساحر بعون من السماء وبسواعد وعقول أبنائها.


مصلحة الوطن

 
عندما حصلت على جائزة الدولة التقديرية فى العام 2013/2014 قلت إنك فرحت جدا وحزنت جدا فى الوقت نفسه.. لماذا؟


- لم أكن أحب ولا أحلم بحصولى على هذا التكريم والجو فى مصر وقتها كان ملبدا بالغيوم ، حيث يقف أحفاد البنا والهضيبى والسندى للعبث فى مستقبل الوطن.. لكنى قلت لنفسي: ما دخل الجائزة بالظرف الطارئ ، أنا أعلم أن الأمور ستتغير وسيزول هذا العطب والعطن الذى أصاب جسد المحروسة.. ولا أنسى يوم أن زارنى بمنزلى وزير الثقافة الأسبق «محمد صابر عرب» وهو رجل بليغ العبارة حسن الكلم ، وشعرت وقتها بأن الظروف قد ظلمته بتولى المنصب فى مثل تلك الأجواء؛ جاء لمنزلى يحمل محبة قارئ قبل اهتمام وزير.

 

جاء ومعه صديقى عبد الله سرور وصديقى مصطفى عبد الله والروائى الكبير محمد جبريل وزوجته زينب العسال ومعهم آخرون لا أتذكر أسماءهم الآن.. أكرمونى بالزيارة فى وقت عز فيه قدوم الأوفياء وعز فيه الأمن والأمان فى الشوارع الهادئة بحى مصر الجديدة.. لذلك كنت سعيدا وحزينا فى الوقت نفسه ، لأن الكاتب الحقيقى لا يفكر فى نفسه فقط.


لا تزال أفكار الحرية فى كتاباتك تحمل براح السماوات المفتوحة ، فلماذا تعمل دومًا على تأطيرها؟


- كما رأيت فى بعض بلدان أوروبا الحرية يحدها من كل جانب حرية الآخرين.. الحرية لا تعنى الفوضى ، ولكنها كما رأيتها هناك التزام واحترام للقواعد الموضوعة بمعرفة بشر أحرار ، الآن أجد أن البلد فى ظل القيادة الجديدة بعد ثورة يونيو تتعامل مع الحرية بموضوعية ومنطقية ، تشبه ما رأيته كثيرا فى أوروبا.. لا صوت يعلو فوق صوت الحرية سوى صوت العقل والمصلحة العامة ، مصلحة البلد أولًا حتى نلحق بركب الدول المتقدمة والمتطورة اقتصاديا ، ولا شيء غير الاقتصاد يلين عجلة التقدم والازدهار الحضاري ، بعد تعويم الجنيه المصرى ووضعه على المحك والتجربة التى هى خير برهان على قوة التحمل أمام سلال العملات الأجنبية أرى أن الصناعة والتصدير والاكتفاء الذاتى بما هو متاح محليا على الرغم من ضعف مقاييسه الدولية هى مفاتيح النجاح والخروج إلى الصف الأول للدول التى تنشد غدا أفضل لمواطنيها.