هكذا علق الأزهر للفتوى على فتوى «مساواة المواريث» لسعد الدين الهلالي

صورة موضوعية
صورة موضوعية

أثار تأييد أستاذ الفقة المقارن، الدكتور سعد الدين الهلالي، وبعض الإعلاميين العلمانيين للقانون التونسي بالمساواة بين المرأة والرجل في الميراث، حالة من الانقسام والجدل على مواقع التواصل الاجتماعي.

وعلق مركز الازهر للفتوى على هذه المسألة من خلال تقرير بعنوان «ميراث المرأة في الإسلام»، أفاد خلاله أن الشريعة الإسلامية تميزت بصلاحيتها لكل زمان ومكان، ومراعاتها جميع أحوال الناس على تنوعهم واختلافهم؛ لما تمتعت به من مرونة.

وأضاف الأزهر أن هذه المرونة ليست سمة لجميع نصوص الشريعة، فبعضها ثابت راسخ لا مجال للاجتهاد فيه، كالنصوص التي تقرر جوانب العقيدة والعبادة والأخلاق؛ حتى تجمع الشريعة بين رسوخ الأصول الذي يكون هوية المسلم وشخصيته، وبين مرونة التعامل مع الواقع ومتغيراته في ان واحد.

واستكمل «الأزهر للفتوى»، بأن النصوص المتعلقة بعلم الميراث في الإسلام لمن هذا القسم الراسخ الذي لا يقبل الاجتهاد أو التغيير، فقد تولى الله عز وجل وضع أسسه وضوابطه بنفسه؛ لأهميته، وعظم خطره؛ فلا يخفى على أحد أن الظلم في الميراث ربما يتعدى لأجيال متتابعة، أو تقطع لأجله الأرحام، بل وقد ترتكب بدافعه الجرائم، ورغم أن الشرع الشريف قد ضبط هذا الباب، وأزال منه أسباب النزاع والشقاق إلا أنه لم يسلم من المعارضات، بل والاتهامات بالتحيز والظلم وانتقاص الحقوق.

وبين مركز الأزهر العالمي للفتوى بعض النقاط بيان النقاط وهي:

أولا: إن المسلم الذي استسلم لله عز وجل، ورضي به ربا، وبسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم نبيا، يكفيه لالتزام أمر ما؛ أن يعرف أن الله عز وجل هو الامر به؛ لما عرف من صفاته سبحانه، فهو الحكم العدل المحيط، الذي يعلم خلقه، ويعلم ما يصلحهم.

ثانيا: التفرقة بين العدالة والمساواة؛ لتصحيح مغالطة تدعي ألا فرق بينهما، أو بصيغة أخرى تدعي أن: تحقيق العدالة متوقف على تحقيق المساواة.


والصواب: «أن العدل لا يقتضي التسوية، فقد تعدل بين شخصين دون أن تسوي بينهما؛ لأن العدل هو: وضع الشيء في موضعه، مع مراعاة الحال، فإن كان لك -على سبيل المثال- ولدان: أحدهما في التعليم الثانوي، والاخر في الابتدائي، هل ستسوي بينهما في النفقات متغاضيا عن كثرة حاجات ومتطلبات ابنك الأكبر؟ فإن كان جوابك: أنك ستعطي الأكبر أكثر من أخيه، هل يعني هذا أنك لن تحقق العدل بينهما؟ أم أن تلبية حاجات كل منهما عدل، وإن لم تسو؟! ألا ترى معي أن المساواة بينهما في النفقات مع تفاوت متطلباتهما من الظلم؟! مما يدل على أن المساواة قد تكون عدلا، وقد تكون هي الظلم بعينه».

ثالثا: إذا أردنا بيان فلسفة الميراث في الإسلام -لا سيما ميراث المرأة- لا ينبغي أن نغفل الواقع الذي نزل فيه، وواقع الأمم الأخرى في القضية نفسها، فلم يكن للمرأة حق في الميراث أو امتلاك المال لدى كثير من أصحاب الحضارات القديمة، ولا يختلف الأمر كثيرا عند بعض الديانات السماوية التي قررت قاعدة تقول: لا إرث للإناث إلا عند فقد الذكور.
أما عن الواقع الذي نزل فيه الإسلام -وهو المجتمع الجاهلي- فلم يكن الميراث فيه إلا للرجل القادر على القتال والضرب بالسيف فقط، ولا إرث للصغار أو النساء، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد كانت المرأة نفسها جزءا من الميراث، ولوارثها الحق في الزواج منها، أو عضلها عنده إلى أن تدفع له مبلغا من المال.

ولم الغوص في أعماق التاريخ، ونظرة واحدة على الماضي القريب لأوروبا وغيرها لتطلعنا على واقع مشابه؟! حيث كان الابن الأكبر هو المالك الوحيد لتركة أبيه أو -على الأقل- أكثر الوارثين حظا، من خلال نظام إرث أطلق عليه: (أبوي البكورة).

رابعا: سبق الإسلام الشرائع والقوانين الوضعية إلى إنصاف المرأة، وكفالة حقوقها، وحقق لها ذلك من خلال الاتي:
- أبطل الإسلام جميع الممارسات الظالمة ضد المرأة لا سيما ما يخص الميراث، والتي ذكر طرف منها، قال تعالى: (يا أيها الذين امنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما اتيتموهن..). [النساء: 19]. 
- جعل لها ولاية على المال، وذمة مالية مستقلة، قال تعالى: (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إن الله كان بكل شيء عليما). [النساء: 32].
- أقر لها حق مباشرة العقود بنفسها كعقود البيع والشراء والرهن والشركة، قال صلى الله عليه وسلم: «إن النساء شقائق الرجال». أخرجه أبو داود والترمذي وغيرهما.
- جعل لها نصيبا في تركة المتوفى، قال تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا). [النساء: 7].

واستخلص مركز الأزهر للفتوى من  هذا الأمر أن الإسلام قد سوى بين الرجل والمرأة في حق كسب المال، والعمل، والأجرة، والذمة المالية، أما الثروة المكتسبة بغير جهد (الميراث) فلها فلسفة أخرى مستقلة، يمكننا التعرف عليها من خلال النقاط الاتية:

أولا: القول بأن فقه المواريث في الإسلام يعطي الذكر ضعف الأنثى هو قول عار عن الحقيقة، مناف للواقع؛ فالمستقرأ لأحوال ميراث المرأة في الإسلام يجد أنها قد ترث -في بعض الحالات- أكثر من الرجل، أو تساوي الرجل، أو ترث ولا يرث الرجل وذلك فيما يزيد على ثلاثين حالة، وترث نصف ما يرثه الرجل في أربع حالات فقط..

ثانيا: إن تفاوت أنصبة الوارثين في نظام الميراث الإسلامي لا علاقة له بذكورة أو أنوثة؛ ولكنه متعلق بأمور ثلاثة: 
- درجة القرابة من المتوفى، فكلما كان الشخص أقرب للمتوفى كلما زاد نصيبه من الميراث.
- موقع الجيل الوارث، فكلما كان الجيل الوارث صغيرا مستقبلا للحياة كلما زاد نصيبه أيضا؛ لهذا كان نصيب ابن المتوفى أكبر من نصيب أب المتوفى ولو كان الابن رضيعا؛ لأن حاجته إلى المال أكثر. 
- التكليف والعبء المالي؛ فإذا تساوت درجة القرابة، وموقع الجيل الوارث؛ كان التفاوت في الأنصبة المستحقة على قدر تفاوت الأعباء المالية الملقاة على الوارثين.
فلو مات رجل وترك ابنا وبنتا متساويين في درجة القرابة وموقع الجيل الوارث؛ ورث الابن ضعف البنت.. لماذا؟! 
لأنهما غير متساويين في التكاليف والأعباء المالية؛ فالنفقة واجبة على الرجل، أما المرأة فمالها ثروة مدخرة، ولا تلزمها النفقة على أحد، ولا نفقتها على نفسها في الغالب، والقاعدة الفقهية تقرر: أن الغنم بالغرم، أي على قدر المغانم تكون الأعباء والتكاليف من الشرع.

ثالثا: إن الإسلام لما نزل راعى واقع الناس، واستطاع إصلاحه؛ فحول الأمة الجاهلية إلى أمة تحفظ العهود، وتؤدي الحقوق، وتورث المرأة من خلال نظام تشريعي عادل ومتكامل، ومثير للدهشة أن نرى كثيرا من النساء -في زماننا- لا يستطعن الوصول إلى ميراثهن أو جزء منه في حين تعلو صحيات مساواة المرأة بالرجل في الميراث؛ مما يدل على أن المشكلة التي جاء الإسلام لمعالجتها -ومعالجة غيرها- لا زالت موجودة بعد أربعة عشر قرنا من الزمان، وبديلا عن الالتفات إلى حلها أشارت أصابع الاتهام إلى الإسلام وتشريعاته.

وتابع: «لا يفوتنا -في هذا الصدد- التأكيد على أن حرمان المرأة من إرثها، أو منعه عنها، أو إجبارها على التنازل عنه مقابل مبلغ من المال أو منفعة عن غير طيب نفس؛ محرم في الشريعة الإسلامية»، فعن أبي بكرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا، مع ما يدخر له في الأخرة مثل البغي وقطيعة الرحم» أخرجه ابن ماجه، ولا شك أن حرمان المرأة من إرثها لمن قطيعة الرحم والظلم الذي توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله بتعجيل العقوبة له في الدنيا قبل الاخرة، ولو نظرنا إلى أرقى النظم القانونية -كما يراها أصحابها أو المعجبون بها- المعمول بها اليوم؛ لوجدنا أنها قسمت الوارثين ورتبتهم، وحجبت بعضهم ببعض، وقصرت الإرث على طبقة واحدة دون غيرها على حسب كل واقعة.
فعلى سبيل المثال: إن كان للمتوفى زوجة وابن -ولو من التبني-؛ ورث ابنه كل ماله وحرمت الزوجة من الميراث.
وإن كان للمتوفى أم وزوجة؛ ورثت الزوجة وحرمت الأم من الميراث.. إلى غير ذلك من الأمثلة، فهل حرمان الأم والأب والزوجة من الميراث إن كان للمتوفى ابن وبنت عدالة في التوريث؟! وهل هذا هو بديل نظام الميراث في الإسلام؟!
فإن قيل: يكفي أن الابن والبنت سيقتسمان التركة بينهما بالتساوي.


قلنا: ما فائدة إعطاء بعض الورثة أنصبة متساوية مع حرمان البعض الأخر؟! أو بمعنى أخر: ما فائدة المساواة إن لم تتحقق العدالة؟! وعلى أي أساس كان العطاء أو المنع؟!، وهل مساواة القانون -المذكور- من فراغ أم أنه سوى في التكاليف والأعباء كذلك؟!

واستكمل مركز الأزهر: «أن الإسلام لما ألزم الرجل بالنفقة على أهل بيته قسم الأدوار، ووزع المهمات، وأسس العشرة على الرحمة والمعروف، وجعل قوامته مسؤولية، وعلاقته بامرأته تكاملية، وجعل له حقوقا وعليه واجبات في بيته وبيت أبيه ولكن مسؤوليته أكبر، وجعل للمرأة حقوقا وعليها واجبات في بيت زوجها وبيت أبيها ولكن حقوقها أكثر».

«الإسلام كل متكامل، لا يغني جزء منه عن الاخر، وليس من الإنصاف أن نحكم على نتائجة دون أن نطبقه كله، وقضية الميراث فيه متصلة بكثير من القضايا، ولم يكن هذا المقال -الذي بين أيديكم- إلا محاولة لإلقاء الضوء على بعض هذه الصلات؛ حتى نرجع خطوتين إلى الخلف، ونرى الصورة كاملة».