الرائدات الريفيات.. عودة الجندى المجهول للميدان

الرائدات الريفيات
الرائدات الريفيات

«الرائدة الريفية» مسمى اعتادت أجيال على التعايش معه لعقود طويلة كواحدة من وسائل الاتصال الفعالة فى التوعية بالقضية السكانية، ومع تطور مجتمعاتنا واحتلال التكنولوجيا لجانب كبير من الحياة اليومية، بدأت تلك الوسيلة فى العمل على استحياء، إلا أنه خلال الآونة الأخيرة عاد ذلك «الجندى المجهول» مرة أخرى للميدان بعد أن أصبحت الحاجة ملحة لوجوده.


ومن قرية «ميت شماس» بمركز أبو النمرس بالجيزة، كانت لنا جولة صاحبنا خلالها الرائدات الريفيات للتعرف عن قرب على عملهن، والبداية كانت من الوحدة الصحية التابعة للقرية والتى ما إن اقتربنا منها حتى شاهدنا إقبالا كبيرا من نساء القرية حاملات أطفالهن لطلب المشورة من الرائدات المختصات بالوحدة، فتؤكد إيمان نبيل، رائدة ريفية تعمل بالقرية منذ 10 سنوات، أن الوحدة الصحية أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياة نساء القرية فى الفترة الأخيرة خاصة بعد توفير كافة وسائل تنظيم الأسرة بالمجان، مع تكثيف الندوات التثقيفية وتكرار زيارات العيادة المتنقلة التى تتوافر بها كافة الخدمات الخاصة لهن.


توعية ومشورة


وتؤكد إيمان أن عمل الرائدة ينقسم ما بين التوعية والمشورة وذلك من خلال الندوات والزيارات، بمعدل ندوة واحدة أسبوعيا وزيارة من 6 إلى 8 أسر يومياً، ويتم خلال تلك الندوات والزيارات التركيز مع النساء على إيضاح مفهوم تنظيم الأسرة وأهميته فى المقام الأول لها ولأطفالها، وتوضح قائلة: «عشان نقنع بنت اتربت وسط عزوة كبيرة على تنظيم أسرتها لازم نفهمها فى الأول إزاى ممكن الخلفة الكتيرة تأثر على صحتها وصحة أولادها، وإزاى أن كل ما عدد الأطفال قل كل ما كانت فرصة تربيتهم فى ظروف مناسبة أفضل ليها ولمستقبلهم ومع تكرار النصيحة بتبدأ فعلا تقتنع خصوصا لما تقارن بين النماذج الحية الموجودة حواليها».


أما سعيدة محمود، مسئولة المشرفات على الرائدات الريفيات فتشير إلى أن الوسائل الحديثة التى دخلت مجال عمل الرائدة الريفية سهل كثيراً من دورها، فتم استبدال «الدفتر واللوحة القلابة» بعدد من الكتيبات المصورة الصغيرة التى تختص كل منها برسالة واضحة ومنها كتيب الصحة الإنجابية، والتغذية، ووسائل تنظيم الأسرة، والأمراض المعدية.


وتضيف أن اعتماد النساء على الرائدات زاد بشكل كبير وهو ما ظهر فى زيادة الإقبال على الوحدة، خاصة بعد النتائج الإيجابية السريعة التى ظهرت داخل كل أسرة وعلى رأسها تحسن حال الأم كثيراً نتيجة اتباع التعليمات والمتابعة الدورية حتى أصبحت الوحدة والرائدات روتين حياتى لكل من تقبل على الزواج لضمان حياة سوية آمنة.


لا غنى عنه


«لولا متابعتى مع الوحدة مكنتش هعرف ربع المعلومات دى فى حياتى كلها» بهذه الكلمات عبرت هدى عرفة عن تأثير دور الرائدات فى حياتها، فأوضحت صاحبة الـ25 عاماً أنها كبقية فتيات القرية كن مستهترات لا يعرفن أن الزواج يتعدى «الخلفة وتربية الأولاد»، فتشير أن زوجها أراد منذ البداية 3 أو 4 أطفال، بعدما تربى وحيداً فى أسرته، إلا أنها عقب ولادة الطفل الأول بدأت فى التردد على الوحدة لتشرح لها الرائدات ضرورة المباعدة بين أول طفلين حرصاً على صحتها فأخذت وسيلة مناسبة ثم عادت بعد ثلاثة أعوام لتنجب الطفل الثاني.


وعلى مدخل الوحدة الصحية قابلنا سمر محمد أم لثلاثة أطفال، والتى تؤكد أن وجود الرائدات فى القرية أمر لا غنى عنه خاصة أن الوصول لهن للمتابعة أمر سهل، خاصة أن بيانات كل سيدة محفوظة بالوحدة الصحية واذا تم تأخير موعد الوسيلة يتصلون فوراً للتنبيه، كما أنها أصبحت تحصل على الوسيلة مجاناً بعدما كانت تشتريها بـ50 جنيهاً من قبل.


عقب تحدثنا مع الرائدات والمترددات على الوحدة انطلقنا فى جولة جديدة لطرق الأبواب ضمن الزيارات المخصصة للرائدات فى ذلك اليوم، فتوجهنا إلى عدة منازل ومنها كان منزل فاطمة عبد فؤاد، 21 عاماً، والتى مر على ولادتها لأول أطفالها 40 يوما، فتوجهت لها الرائدة لشرح وسائل تنظيم الأسرة لمساعدتها على الاختيار والتأكيد عليها لضرورة زيارة الطبيبة بالوحدة للاتفاق على وسيلة مناسبة لتركيبها دون تأخير.


فريق تسويق


وتوضح فاطمة أنها كانت دائمة التردد على صفحات الانترنت لجمع معلومات عن الحمل والولادة وتربية الأطفال، إلا أنه كانت هناك العديد من الأسئلة التى تدور بذهنها لم تستطع الوصول لإجابة مقنعة لها إلا من خلال التحدث مع رائدات القرية، وتضيف قائلة «التلفزيون أو الإنترنت مش ممكن يغنوا أبداً عن الكلام وجها لوجه مع حد فاهم ودارس كويس واتمنى نزود عدد الرائدات عشان نقدر نستفيد منهم بوقت أكتر». 


من جانبها تؤكد د. سيدة الزيني، منسق برنامج الرائدات الريفيات بقطاع السكان وتنظيم الأسرة بوزارة الصحة، أن التوعية بالقضية السكانية تعتمد على فريق التسويق الاجتماعى التابع لقطاع السكان وتنظيم الأسرة، وهو مكون بشكل اساسى من مسئولى الإعلام ونحو 14 ألفا من الرائدات الريفيات يعملون فى مجال التوعية ما بين الزيارات المنزلية والندوات.


وتضيف أنه حتى يتم الوصول إلى مستوى يليق بالقضية السكانية تم تفعيل نظام تدريبى مطور حديث يطبق لأول مرة بمصر،وهى طريقة عالمية تعتمد على إعطاء جرعات صغيرة نظرية للرائدات والتركيز على الجانب العملي، وهو ما استمر نحو 7 شهور، ونتج عنه حالة كبيرة من الرضا ما بين الرائدات الريفيات، فالمعلومة أصبحت أدق واستيعاب الرسائل أسرع مما يعطى مفعول أفضل فى تلقى الرسائل الموجهة للأسر المختلفة.


وعن سد العجز بعدد الرائدات الحالى تشير الزينى إلى أنه وفقا للحسابات المبدئية فالقطاع بحاجة لـ 8 الاف رائدة لسد العجز، موضحة أنه بالتأكيد الفترة القادمة ستحتاج المزيد من ذلك، وأن هناك خطة مع البنك الدولى جار الإعداد لها تتضمن جزء للتعاقد مع 700 إلى 800 رائدة وهى خطوة مشجعة لبقية الجهات المانحة لدعم البرنامج.