«أكبر خطرين بيواجهوا مصر هما الإرهاب والزيادة السكانية».. بهذه الكلمات وقف الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ أكثر من عام بمحافظة الإسكندرية محذراً ملايين المصريين من مخاطر الزيادة السكانية، وخلال الشهر الماضى أعاد الرئيس التحذير مرة أخرى واصفاً إياه بـ «تحدٍ كبير أمام الدولة المصرية» بعد أن بدأ يهدد بالتهام كافة آثار التنمية التى سخرت لها الدولة مليارات الجنيهات.. ولك أن تتخيل أنه أثناء قراءتك لتلك السطور يزداد عدد السكان بمصر بمعدل طفل واحد كل 15 ثانية، حتى وصلنا إلى 97.8 مليون نسمة لنحتل المرتبة الثالثة عشرة دوليا فى التعداد السكاني، إلا أن الأمر لا يمثل مجموعة من الإحصائيات والأرقام، بل أصبح واقعا مريرا سيدفع كل مواطن مصرى ثمنه فى حال استمرار الزيادة العشوائية غير المنضبطة... تفتح «الأخبار» ملف الزيادة السكانية وتناقش مخاطر تلك الزيادة ونرصد خطط الدولة لتجنبها بعد أن أصبح التصدى لتلك القضية واجبا حتميا على كل مصري.
5 محاور باستراتيجية الدولة للتصدى للزيادة السكانية
تكاتف كبير تتطلبه الفترة القادمة لمحاولة الوصول إلى معدلات نمو سكانية تتناسب كليا مع موارد الدولة، وتضمن لكل مواطن حياة عادلة كريمة، وخلال السطور القادمة تستعرض «الأخبار» خطة الدولة النهائية التى وضعت الشهر الماضى لمواجهة الزيادة السكانية وتطبيق الاستراتيجية القومية للسكان، للوصول إلى معدل 2.4 طفل لكل اسرة ولـ110 ملايين مواطن بحلول عام 2030.
تتضمن الخطة رؤية مصر 2030 وخطة تفصيلية للسكان 2018/2020، وتشارك بها 18 وزارة وجهة رسمية وأهلية كل منها له دور رئيسي فى تطبيق الاستراتيجية السكانية وتجتمع تحت مظلة المجلس القومى للسكان، بجانب الأزهر والكنيسة المصرية، والهيئة العامة لمحو الأمية، والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، والمجلس القومى للمرأة، والهيئة العامة للاستعلامات والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
تحديات سكانية
فى البداية عرضت الخطة عددا من التحديات السكانية التى تواجه مصر خلال الفترة الحالية، ومنها ارتفاع معدل الانجاب إلى 3.5 طفل لكل سيدة، بجانب زيادة نسبة الأسر تحت خط الفقر وتراجع دور ومكانة المرأة بصفة عامة.
وشملت التحديات استمرار درجة التفاوت فى المؤشرات السكانية والتنموية بين المناطق الجغرافية، الحضر مقابل الريف، ووجه بحرى مقابل وجه قبلي، بالإضافة لضعف الدعم السياسى للامانة الفنية للمجلس القومى للسكان خلال الفترات السابقة، وعدم انعقاد المجلس القومى للسكان منذ سبتمبر 2014 الأمر الذى أدى إلى ضعف ادارة البرنامج السكانى فى مصر، مع تعدد القيادات التى تولت رئاسة الامانة الفنية للمجلس القومى لسكان، ضمن التحديات مع عدم وجود صلاحيات ادارية لبعض القيادات خلال الفترة الماضية.
توازن مطلوب
طالبت الخطة كمبدأ عام لها بألا تتعدى معدلات الزيادة السكانية قدرة الدولة على توفير الخدمات الأساسية بالجودة المناسبة، وألا تؤثر معدلات الزيادة السكانية على متوسط نصيب الفرد من الموارد الطبيعية.
وفيما يخص تحديد عدد الأبناء داخل كل أسرة، أعطت الخطة الحق للأسرة فى ذلك مع تأمين حقها فى الحصول على المعلومات ووسائل تنظيم الاسرة التى تمكنها من الوصول إلى العدد المرغوب من الاطفال، ووضعت الخطة أربعة أهداف استراتيجية وهى الارتقاء بنوعية حياة المواطن المصري، واستعادة ريادة مصر الاقليمية من خلال تحسين خصائص المواطن، واعادة رسم الخريطة السكانية فى مصر، وتحقيق العدالة الاجتماعية والسلام الاجتماعي.
خمسة محاور
تعتمد خطة تطبيق الاستراتيجية القومية للسكان على 5 محاور، الأول محور تنظيم الأسرة والصحة الإنجابية، ويهدف إلى رفع معدل استخدام وسائل تنظيم الأسرة من 58.5% إلى 64% خلال 5 سنوات، والالتزام بتطبيق نظام الإحالة بين مستويات الرعاية بالمعايير المطلوبة فى 100% من وحدات الرعاية الأساسية، وتوفير خدمات الأمومة الآمنة والتوعية بالرضاعة الطبيعية ودعم الخدمات المقدمة لمرضى فيروس نقص المناعة «الايدز».
ويعد محور الشباب وصحة المراهقين المحور الثانى الذى اعتمدت عليه الخطة، ويهدف إلى تنمية مهارات الشباب والمراهقين، وخفض نسبة البطالة بين الشباب بنسبة 5% خلال 5 سنوات بواقع 1% سنويا، وخفض نسبة تشغيل الاطفال من 9% إلى 4% خلال 5 سنوات، ووضع اليات مساهمة الشباب فى التصدى للقضايا المجتمعية وزيادة معدلات التطوع بنسبة 15% سنويا.
وتضمنت الخطة محور التعليم كثالث المحاور، ويهدف إلى دمج القضايا السكانية فى العملية التعليمية فى نوعياته المختلفة وزيادة نسبة الالتحاق بالتعليم من 93.4% إلى 100%، وخفض نسبة المتسربين من التعليم إلى صفر% وتوفير خدمة تعليمية لهم كفرصة ثانية تتسم بالجودة، وخفض نسبة الأمية ممن 21.7% إلى 7% والارتقاء بالتعليم الفنى وربطه باحتياجات المجتمع وسوق العمل.
وشملت الخطة محورا رابعا هو الإعلام والتواصل الاجتماعى بهدف زيادة نسبة المواد الاعلامية التى تتضمن القضايا السكانية بوسائل الاعلام المختلفة وزيادة الحشد الجماهير لتأييد القضايا السكانية.
أما المحور الخامس فكان تمكين المرأة وذلك لرفع نسبة مساهمة المرأة فى قوة العمل من 23% إلى 35% ورفع نسبة الاناث فى المناصب القيادية والادارية العليا فى القطاع الحكومى من 11% إلى 20%، وإدراج وحدات تكافؤ الفرص بالوزارات من الهيكل الادارى وزيادة عددها من 26 إلى 32 وحدة، ورفع نسبة السيدات صاحبات الأعمال من 2% إلى 10% وخفض نسبة بطالة المرأة فى الريف من 20% إلى 15% ورفع نسبة الاقراض للمراة وخاصة المعيلة من 40% إلى 70%، وزيادة مشاركة المرأة فى الحياة السياسية من 15 إلى 25% وخفض نسبة التعرض للعنف وخفض نسبة الزواج المبكر بنسبة 50% خلال 5 سنوات.
وبحسب الخطة فان كل المحاور السابقة بحلول 2030 تساهم فى خفض معدل الانجاب إلى 2.4 طفل لكل سيدة بدلا من 3.5 طفل، ووصول السكان إلى 110.9 مليون بدلا من 118.9 مليون شخص، و2 مليون مولود سنويا بدلا من 2.9 مليون، ورفع نسبة استخدام الوسائل إلى 71% بدلا من 60%.
كما ان الخطة بحلول 2021 تستهدف الوصول إلى استخدام 11 مليون سيدة فى سن الانجاب لوسائل تنظيم الاسرة بدلا من 9 مليون، وخفض نسبة الامية بين الذكور مع التاهيل المهنى إلى 10% بدلا من 21%، وخفض نسبة الامية بين الاناث مع التاهيل المهنى من 29% إلى 15%، ونسبة التسرب من التعليم من 3.9% إلى 1%، ونسبة البطالة بين السيدات إلى 15% بدلا من 27%، وزيادة نسبة الاناث فى قوة العمل إلى 30% بدلا من 22%، وخفض نسبة البطالة إلى 10% بدلا من 12%.
مخاطر كارثيـة للنمو العشوائى
عجز مائى وغذائى.. قفز بمعدلات الفقر والتضخم.. تدهور فى نصيب الفرد من المياه.. بطالة وتآكل ثمار التنمية.. جميعها مخاطر كارثية سيعانى منها كل مواطن مصرى إذا استمرت الزيادة العشوائية، فقد أظهرت دراسة أعدها المجلس القومى للسكان أنه حال عدم تطبيق استراتيجية منضبطة سيقفز عدد السكان إلى 127 مليونا عام 2030، بدلاً من 110 ملايين كما هو مستهدف من خطة الدولة الحالية، ووفقاً لهذا العدد ستصاب موارد الدولة بالشلل ولن يشعر المواطن بجهود التنمية من حوله، فكل خطوة للأمام سيقابلها «غول» الزيادة السكانية ليلتهم آثارها.
مخاطر متوقعة
وتظهر الدراسة أن أعداد البطالة سترتفع إلى 16 مليون شخص، وستحتاج الدولة إلى توفير أكثر من 588 ألف فرصة عمل بدلاً من 350 ألفا فى حال الالتزام بالخطة الاستراتيجية الموضوعة، وتبرز الدراسة أيضاً فروقا شاسعة بين متطلبات السكان بحلول عام 2030 فى ظل الخطة الحالية وبين متطلباته فى ظل الزيادة العشوائية، فمتوسط معدلات التضخم المتوقع وصولها لـ2% ستقفز إلى 1.5 إلى 2 ضعف ذلك الرقم، كما أن معدلات الفقر المتوقعة ستقفز إلى 44 مليون نسمة بدلاً من 33 مليونا، ويتقلص نصيب الفرد من المياه ليصل إلى أقل من 450 مترا مكعبا سنوياً، بينما يتوقف نصيبه من الأراضى الزراعية عند 50 مترا مع ضعف انتاجية الاراضى الجديدة وتقلص الموارد المائية اللازمة للزراعة مما يعنى احتمالية كبيرة للدخول فى منطقة عدم الامان الغذائي.
وعلى جانب آخر من المتوقع أن يبلغ عدد الطلاب أكثر من 48 مليون طالب وفقا للدراسة مقابل 36 مليونا فى حال الالتزام بتطبيق الاسترتيجية الحالية، مما يعنى أن استيعاب الزيادة المتوقعة يتطلب بناء حوالى 5400 فصل سنويا بدلا من 3100 فصل سنويا مما سيقلص قدرة الدولة فى اسيتعاب الطلاب وفقا للبنية الاساسية الحالية حتى مع زيادة الموازنة المخصصة له سنويا.
ومن هنا تواصلنا مع عدد من الخبراء بمختلف المجالات لمحاولة رسم رؤية نتمكن من خلالها من دفع كل مواطن لمساندة الجهات المختلفة لتطبيق خطة الدولة فى الحد من زيادة معدلات النمو السكاني.
توضح د. ماجدة نصر، عضو لجنة التعليم بالبرلمان أن الآثار السلبية لأزمة الزيادة السكانية المنعكسة فى الكثافة الطلابية داخل الفصول، تظهر بشكل كبير فى تقليل نسب نجاح الخطط التعليمية الجديدة بالرغم من جودتها، وتضيف قائلة: «نحن فى حاجة لأكثر من 120 مليار جنيه لنواجه زيادة الطلاب داخل الفصول، وهذا رقم ليس بالقليل، لذا علينا استغلال كل فكرة جديدة وجيدة لتوعية الطلاب منذ الصغر من مخاطر الزيادة السكانية بأسلوب بسيط وشيق».
الدمج بالمناهج
وتشير إلى أنه من الضرورى التركيز على الطلاب فى المرحلة الإعدادية والثانوية خاصة فى المناطق المنتشر بها الزواج المبكر، فيتم دمج التوعية بخطورة تلك العادات الخاطئة مع المناهج الدراسية، فيرصد الطلاب من خلال المادة التعليمية مميزات الأسرة الصغيرة المتعلمة، ومدى استفادتها من موارد الدولة بشكل عادل، على عكس الأسر زاد الأعداد الكبيرة التى لا تستطيع توفير أبسط متطلبات الحياة لأطفالها..وتؤكد نصر أن مساندة كافة الوزارات للدولة فى تنفيذ الخطة الاستراتيجية تتطلب منها التفكير خارج الصندوق، فمواجهة الزيادة السكانية ستعود بالنفع على كافة الجهات، وستساعدها فى إبراز نتائج خطتها وتقليل العقبات المستقبلية.
من جانبه يؤكد د.أحمد فوزى خبير المياه بالأمم المتحدة، أن العلاقة بين الاحتياجات المائية والنمو السكانى دائما ما كانت علاقة طردية، وهو ما يؤثر بشكل سلبى ويهدد نصيب الفرد من المياة بالتدهور إذا ما استمرت الزيادة بطريقة عشوائية غير مخططة.
ويضيف أنه وفقاً للمعايير الدولية يبلغ نصيب الفرد من المياه سنويا نحو 1000 متر معكب لمختلف الاحتياجات سواء للزراعة أو الصناعة، إلا أننا نواجه الآن عملية ثبات للمورد المائى الذى نعتمد عليه فى البلاد، لذا نأمل أن يقابله ثبات فى معدل النمو السكانى حتى لاندخل فى مرحلة حرجة تدفعنا إلى البحث عن موارد جديدة بشكل مكثف.
ويشير فوزى إلى أن زيادة عدد السكان بشكل عشوائى تضع الدولة أمام تحد كبير لتوفير امكانيات مالية كبيرة لسد ذلك العجز الهائل، ويؤكد أنه على المواطن أن يعى جيداً أن «قطرة مياه تساوى حياة» ليس مجرد شعار إنما حقيقة واضحة تتطلب منه مساندة مؤسسات الدولة لمواجهة ذلك الكابوس.
سلاح الإعلام
أما د.ليلى عبد المجيد، استاذ الإعلام بجامعة القاهرة، فتؤكد أن محاربة الزيادة السكانية تعتمد بشكل كبير على مدى نجاح الدولة فى إيصال رسالتها للمواطن، وأيضاً النجاح فى اقناعه بها، موضحة أن الإعلام نجح وبشكل كبير فيما قبل فى المساهمة الفعالة فى الحد من الزيادة السكانية واقناع المواطن بمخاطرها، ودفعه إلى انتهاج الوسائل السليمة للحفاظ على نمو معتدل للسكان.