إمام موسوعي

د. خالد السيد غانم مدير الإعلام بوزارة الأوقاف
د. خالد السيد غانم مدير الإعلام بوزارة الأوقاف

بقلم: د. خالد السيد غانم 

 

إن الاهتمام بالإنسان من البواعث الحثيثة نحو تقدم المجتمعات ورقي الأوطان وتنوع الحضارات، وكل إنسان له دور في هذا الوجود يسهم من خلاله في وعي المجتمع وتشكيل الفكر.

ومن أهم الفئات التي تسهم بشكل كبير في  الوعي الديني والفكري للمجتمع الأئمة والوعاظ والسادة حاملي لواء بلاغ الدين للناس  من علماء الأزهر والأوقاف، ففي الوقت الذي ينادي فيه المجتمع والعقول المثقفة بتجديد الخطاب الديني الذي يهدف إلى تطوير الوسائل والرؤى لتقديم صحيح الدين بفكر مستنير، ينبغي أن لا ننسى البعد المستقبلي لإخراج إمام موسوعي الثقافة ، مستنير الفكر، أو على حد تعبير سيادة الرئيس السيسي إمام شامل.

المرحلة المقبلة ينبغي أن نهدف من خلالها الوصول إلى هيكلة نخبة من الأئمة لإخراج إمام شامل يدق باب كل العلوم يستقي منها ما يفيده في حواره وبلاغه، وموسوعي الثقافة والأفق حتى يتواكب مع مستجدات العصر، ويتلاءم مع الحوار الحضاري لكل الفئات المثقفة، فلقد استطاعت الأوقاف أن تقدم إماما متميزا وإماما مجددا، من خلال برامج معدة للإمام المتميز والإمام المجدد، وعلى الرغم من وجود بعض الدورات المتخصصة لبعض المعارف التجريبية ، بيد أنه يبقى الطرح الجديد الذي يسابق فيه وزير  الأوقاف الزمن - ولعل أكاديمية الأئمة للتدريب مثال تطبيقي  - لتقديم إمام مستنير مثقف موسوعي شمولي كما في سابق عصر سلفنا الصالح؛ حيث كان صاحب علم الفقه متفوقا في الطب مثل ابن رشد، ونرى لابن سينا مؤلفات في الطب والطبيعة والفلسفة والموسيقى واللغة والشعر وغيرها، نحن لا نطالب بالوصول إلى هذه الحالة الشمولية من حيث العمل والتدوين ـ وإن كنا نأمل ذلك ونرجوه ـ ولكن حسبنا أن نقتبس من كل علم شيئا يخدمنا في حوارنا ودعوتنا، ونأخذ من كل فن قبسا نقتدي به في حياتنا وسيرتنا.

وبشكل أربى نرى ابن رشد واحدًا من أشهر الفلاسفة الأندلسيين في العصور الوسطى، وكان أحد النماذج المنيرة في طريق العالم الموسوعي والشمولي، حيث استطاع أن يقدم إسهامات كبيرة في العديد من المجالات: كعلم الفلك، والطب، والقانون، وعلم النفس، والجغرافيا، والفيزياء، والميكانيكا، إلى جانب الفلسفة، ومنذ سنيّ طفولته كان يبدي نزعةً نحو اكتساب المعرفة في المواضيع المختلفة التي شكلت أساسًا لخبراته في مجالاتٍ واسعةٍ من العلوم والمعارف تدوينا وتعليمًا.

وابن النفيس يعتبر أحد النماذج التي تدل دلالة واضحة على  اتساع الأفق والنظرة الشمولية في العلم والثقافة ، حيث كانت له مؤلفات في الطب، والفلك، والطبيعة، والفقه، واللغة، والمنطق، والسيرة النبوية، وعلوم الحديث الشريف، وعلم الكلام.

 والإمام البيروني الذي صنف كتبا تزيد عن المائة والعشرين كتابا في شتى المجالات، ويعتبر البيروني مؤسس علم الميكانيكا التجريبي، والفلك التجريبي، إضافة إلى ما كتبه في علوم الأديان والتاريخ مثل كتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية.

إن مرحلة البحث لاستقصاء كل ما أنتجته عقول المسلمين في العصور الذهبية في هذا المقام عسيرة، وهذه العصور بمثابة إرهاصات أولى للحضارة الإسلامية بالشكل الموسع لها، وأعمدتها التي استفاد منها العالم فيما بعد، والتنقيب عن هذه الحالة تحفز الشعور نحو الوصول للأفضل، والتفكير في المضي قدما نحو المستقبل ببعد مستقبلي، ومسابقة للزمن والواقع، بغية الوصول إلى شريحة عريضة في الجانب العلمي والفكري أحد مفرداتها إمام موسوعي.