حكايات| مومياء «الوشوم».. فرعونية غامضة أبكت الفرنسيين في الأقصر

مومياء «الوشوم».. فرعونية غامضة أبكت الفرنسيين في الأقصر
مومياء «الوشوم».. فرعونية غامضة أبكت الفرنسيين في الأقصر

ما إن فتح الباحثون والعلماء المقبرة واطلعوا على جسد المرأة الملقاة في تابوتها إلا وبدأت حيرتهم وتساؤلهم.. «ما كل هذه العلامات على الجسد؟»، فقرابة الثلاثين وشما رسمت على الجسد لم تقهرها 3 آلاف عاما بعد التحنيط والتي يمكن تلقيبها بـ«أم الوشوم».


البعثة الفرنسية المتواجدة في الأقصر عثرت على المومياء في دير البر الغربي، والتي تعد كشف نادر للغاية، إذ يتناثر على جسدها وشوم مختلفة على أغلب أعضاء جسد المرأة التي يرجح أنها عاشت خلال عصر الرعامسة وتحديدًا في عصر الأسرة التاسعة عشرة في الفترة ما بين عامي 1300 و1070 قبل الميلاد، وكان يبلغ عمرها عند الوفاة ما بين 25 و34 عامًا.
 

ويقول مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، الدكتور حسين عبد الصمد، إن المومياء تحتوي على حوالي ثلاثين وشمًا، موجودًا على أجزاء متفرقة من جسد هذه السيدة المهمة في مجتمع العمال والفنانين إذ تتناثر على الرقبة، والظهر، والكتف والذراعين. وقد كشفت الدراسات الأنثروبولوجية التي قامت البعثة بإجرائها على مومياء هذه السيدة أنها كانت تخص امرأة عاشت عصر الرعامسة.

 

اقرأ حكاية أخرى| سحرة فرعون.. قصة اغتيال رمسيس الثالث بـ«إخفاء القتلة»

 

ويضيف أنه منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، قامت هذه المرأة المصرية القديمة بوشم جسدها بالعشرات من الرموز، بما في ذلك أزهار اللوتس والأبقار والعيون الإلهية، والتي قد تكون مرتبطة بمركزها الديني أو قد تدل على ممارسة هذه المرأة للطقوس الدينية التي قد تخص وظيفتها في الحياة الدينية في مصر القديمة في ذلك العصر.

 

صمود أمام الزمن

 

«الجميل في الأمر أن هذه الوشوم محفوظة بتفاصيل مذهلة، ومنها ما هو مرسوم على جذعها المحنط. وتمثل هذه الوشوم الأمثلة الوحيدة الباقية والمعروفة عن الوشم المصري القديم على أجساد المومياوات المصرية القديمة وتظهر لنا صورًا مميزة للغاية، بدلاً من التصاميم المجردة التي كان المعتاد رسمها على المومياوات المصرية القديمة في الغالب».. الدكتور عبد الصمد واصفا المومياء ذات الوشوم.

 

 

بداية الكشف

 

ويروي الخبير الأثري بداية هذا الكشف المثير لهذه المومياء عندما تم فحص البقايا البشرية في دير المدينة التي كشفتها هذه البعثة، وعندها وجد فريق عمل البعثة، لأول مرة، علامات غير عادية على رقبة مومياء هذه السيدة.

 

اقرأ حكاية أخرى| ماركة «أحلام سعيدة».. الأفيون يقود الفراعنة لانتصارات مذهلة

 

وتابع: الاعتقاد في البداية أن هذه العلامات الموجودة تمثل بعض التمائم على جسم مومياء هذه السيدة، وكان وضع التمائم حول رقبة المومياء قبل إتمام مراسم الدفن ممارسة شائعة في مصر القديمة في ذلك الوقت، لكن مع المزيد من الدراسة لهذه المومياء، تم اكتشاف أن هذه الرسوم التوضيحية القديمة - وغيرها على الجسم - كانت وشومًا مرسومة على جسم المومياء.

 

ويضيف أنه تم حصر العشرات من الوشوم، وكان لعدد منها أهمية دينية كبيرة. وعلى سبيل المثال، فإن وشوم الأبقار كانت ترتبط عادة بالآلهة «حتحور»، مثل الأبقار ذات القلائد الخاصة، ووجدت وشوم أخرى (مثل الثعابين الموضوعة على الذراعين العلويين) وكانت ترتبط أيضًا بالآلهة في مصر القديمة.

 

 

 

وبحسب الدكتور عبدالصمد فإن رقبة المومياء والظهر والكتفين تم تزيينها بصور عيون الأودجات – وهي عيون إلهية مرتبطة بالحماية - مع وضع وشم على الحلق، ومن أية زاوية تنظر إلى هذه المرأة، ترى زوجًا من العيون الإلهية ينظر إليك.

 

بدون اسم

 

وعن هوية المرأة ذات الوشوم يقوا الخبير الأثري بجامعة الإسكندرية، إنه من اللافت أنه لم يتم التوصل إلى الآن إلى اسم هذه المرأة المهمة، أو حتى إلى وظيفتها على وجه التحديد، غير أنه يرجح أنها كانت ذات شأن كبير بسبب أن هناك تنوعًا كبيرًا ومدهشًا في الوشوم التي رسمت على جسدها، فضلاً عن اختلاف أشكال هذه الوشوم ما بين صور لزهور اللوتس الشهيرة، وصور لأبقار، وصور لقردة البابون، وصور عين الأودجات ذات القيمة الدينية الكبيرة.

 

اقرأ حكاية أخرى| أجمل نساء الأرض.. أسرار الفرعونيات مع «الكُحل والروج»

 

ويقول: «أغلب الظن أن تنوع هذه الوشوم ووجودها بكثرة على جسد هذه المرأة كان بسبب الرغبة في إظهار الدور الديني الرفيع الذي ربما كانت تتولاه هذه المرأة أثناء حياتها الأولى».

 

 

دموع الفرحة

 

لم تكن هذه المومياء هي الوحيدة التي تحمل وشوما، حيث عثر على مومياوات أخرى كانت عبارة عن نقاط بسيطة أو خطوط صغيرة للغاية فقط، ولكن هذه مومياء هذه المرأة تتميز بوجود رسومات لكائنات حقيقية مصورة بشكل لم يسبق له مثيل في التصوير لمثل هذا النوع من الوشوم في مصر القديمة، بحسب د. عبد الصمد. 

 

 

ويضيف أن فريق عمل البعثة استخدم أحدث التقنيات من الأشعة تحت الحمراء، للكشف عن تفاصيل هذه الوشوم، ويتم حفظ مومياء هذه المرأة الآن في المقبرة رقم TT 291 بالبر الغربي لمدينة الأقصر؛ وذلك حتى يتم الحفاظ على هذه المومياء في نفس الظروف البيئية المحيطة بها منذ دفنها قبل 3300 عام.

 

اقرأ حكاية أخرى| «إسكندرية المفقودة».. مدينة أثرية ضخمة تحت البحر

 

ويقول إن الوشوم المعقدة تم اكتشافها على المومياء في أبريل 2016، وشعر المكتشفون بالصدمة عندما رأوا هذه البقع السوداء أو «الوشوم» موجودة على جسد هذه السيدة منذ 3300 عام إلى الآن، حتى أنهم بكوا من روعة المفاجأة وعظمة الاكتشاف الذي أدخل على قلبهم السرور والفرحة.

 

ونجح فريق عمل البعثة بفضل البرمجيات الحديثة للتصوير في فحص جلد المومياء حتى يشاهدوا الوشوم اللافتة للنظر، ومع مسح جسد المومياء بكاميرا أشعة تحت الحمراء، وجد الفريق وشومًا لم تكن حتى مرئية بالعين المجردة، وكانت بعض أجزاء الجسد سوداء ومغطاة بمادة التحنيط، وكان من المستحيل رؤية الجلد، لذلك تم استخدام الأشعة تحت الحمراء كي يتمكن فريق عمل البعثة من الرؤية من خلال طبقات الجلد.

 

ويعتبر هذا الاكتشاف جديدًا من نوعه؛ لأنه ينفي ما كان يعتقد فيه العديد من علماء المصريات السابقين من أن الكاهنات في مصر القديمة كن يرسمن على أجسامهن صورًا حيوانية، وليس صورًا لوشوم كاملة كما في حالة هذه مومياء السيدة المتفردة. 

 

 

 

 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي