إبراهيم المنيسي يتذكر.. حين وصلني «فاكس» الخطيب المدهش!

إبراهيم المنيسي
إبراهيم المنيسي

رسالة تحذير من بيبو بألمانيا لكل اللاعبين المصريين

يقينا لم يتمتع لاعب في تاريخ الكرة المصرية بنفس الشعبية المتواصلة محتفظا بالقدر الهائل من الجماهيرية حتى بعد عقود من تركه للملاعب بنفس قيمة ما حظي به محمود الخطيب أحد اشهر مشاهير الكرة المصرية  ومبدعيها كلاعب مهاري مدهش (١٩٧١_١٩٨٨).. ووراء هذه الحالة النادرة من الاحتفاظ ببريق النجومية لأبعد مدى وحتى مع تغير الأجيال وتبدل الأحوال أسباب كثيرة علاوة على نعمة حب الناس وفضل الله .

 

 

 

محمود إبراهيم إبراهيم الخطيب المولود في قرية قرقيرة بالمنصورة في ٣٠ أكتوبر عام ١٩٥٤والذي انضم للنادي الأهلي من صفوف ناشئي نادي النصر بمصر الجديدة لفت أنظار مدربيه بالأهلي منذ مثل ناديه في أول مباراة رسمية وكانت في ٥ اكتوبر ١٩٧١ أمام البلاستيك ومنذئذ وهو يمثل الرقم الأهم في فريقه والعنصر الأبرز مهاريا في الكرة المصرية التي رصع مسيرته معها بالحصول على الكرة الذهبية كأحسن لاعب فى القارة السمراء عام ١٩٨٣ بعد أن كان قبل عام واحد  قد ساهم فى رفع فريقه أول كاس افريقية كبطل لأندية القارة فاتحا الباب لمزيد من التتويجات انتهت بحصول الأهلي على لقب نادي القرن في أفريقيا كما واصل بيبو توهجه بقيادته المنتخب الوطني للفوز بكأس الأمم ١٩٨٦ غير أن حلم الوصول بالفراعنة لكأس العالم كان هو الحلم الكبير الذي راود صاحب الكرة الذهبية طويلا وعانده الحظ في تحقيقه لاعبا وإداريا.. وثمة تفاصيل كثيرة مهمة ودالة في هذا السياق.

 

 

محاولة تأهل الفراعنة لكأس العالم بإيطاليا ٩٠ كانت عند إخراج سيناريو تكوينها من رئيس المسؤول الأول عن الشباب والرياضة وقتها د.عبد الأحد جمال الدين شارك فيها الخطيب الذي لم يكن قد مر على اعتزاله بضعة شهور حين ضمه د.عبد الأحد كمدير إداري لجهاز فني طموح على رأسه فنيا الكابتن محمود الجوهرى الذى سريعا ما أراد الإمساك بزمام الامور وهنا لم يجد الخطيب بدا من احترام نفسه والابتعاد وحين عرض  على الجوهري رغبته في الاعتذار كان رد المدير الفني : "ايوه يا بيبو..بس هنقول للناس ايه.." وكان رد الخطيب : ما تشغلش بالك يا كابتن انا اللى هأقول.. واتمنى لك وللجهاز كل التوفيق..وكلنا في خدمة المنتخب من أي موقع.

 

 

وابتعد الخطيب لكن لم تبتعد عنه محاولة الاستفادة من وجوده ونجوميته وتأثيره.. محمود الخطيب اللاعب الذي تعرض للخشونة والعنف لإيقاف خطورته في الملاعب وكثرت إصاباته وتعددت حتى اضطر لهجر الملاعب في صيف ١٩٨٨ لكن إصابات الملاعب وتضحياته وقبوله للحقن بالكارتيزون لإسعافه سريعا والاستفادة به في المباريات الصعبة لايزال يدفع  ثمنها حتى الآن .. فلا يكاد يمر عام دون اكتشاف الأطباء سببا لآلام الخطيب وتوجعه من توابع حقن الكارتيزون والمسكنات سواء بالعين او العضلات او حتى بالعمود الفقري او الرقبة او النخاع الشوكي الذي جاء عليه الدور الجراحي الآن (يدخل بيبو مستشفى هانوفر الالمانية غدا الاثنين لاستئصال ورم بالرقبة ضاغط على النخاع الشوكي) ليدفع حتى اليوم  فاتورة الكارتيزون والحقن المسكنة لآلام كان مطلوبا منه تحملها للعودة سريعا للملاعب وهو درس تحذيري ورسالة لكل رياضي حاليا من الخطيب بهانوفر : احترس من الكارتيزون والحقن المسكنة وخطورتها.

 

وعود على بدء؛ لم يكن احتفاظ رئيس النادي الأهلي الحالي بكل هذه الشعبية العابرة للعصور والأجيال من فراغ  بل كان حرصه الدائم على نقاء صورته وبقاء سيرته فيه سر الاحتفاظ بمكانته وجماهيريته واحترام الجميع له.

 

وثمة قصة أخرى مهمة : قبل أكثر من عشرين عاما وفي محاولة من اتحاد الكرة برئاسة سمير زاهر في التأهل بالمنتخب لكأس العالم بفرنسا ٩٨ تم تشكيل جهاز فني للمنتخب يقوده الخطيب مديرا للجهاز وزميل الملاعب ونجم الزمالك فاروق جعفر ..(وكان هذا التشكيل بفكرة غير بريئة من زاهر ومعاونيه وقتها  للخلاص من شعبية ومكانة الخطيب لدى المسئولين وقتها خشية أن يتم تعيينه مجددا بمجلس اصلاحي لاتحاد الكرة وكانت فكرة زاهر وقتها : نجيب الخطيب وفاروق مع بعض لو نجحوا أهلا وسهلا وإن لم يكن كان بها أيضا !!).. وتعثرت النتائج وكثرت محاولات الوقيعة بين بيبو وجعفر حتى حانت أمام زاهر لحظة الخلاص منهما وسافر سرا الى مسقط ليعود بالكابتن الجوهري فى مارس ١٩٩٧..

 

 

 

أذكر جيدا أنني كنت مكلفا من صحيفتي الأخبار بتغطية شئون المنتخب الوطني وكنت بالطبع مطلعا على كواليس واسرار ما يجري حتى تفاصيل مشهد غريب انتهى بالإطاحة بالخطيب لكنه سجل كإداري أجمل واروع أهدافه..

 

في ساعة متأخرة في يوم ٥ مارس جاءني صوت الكابتن الخطيب متسائلا : عندكم خبر أن سمير زاهر راح عمان وسيتعاقد مع الكابتن الجوهري.. قلت له  لا ..قال : أنا كما رأيتنى اليوم بالاتحاد كان معايا وفد من شركة الملابس الدولية للاتفاق على ملابس المنتخب..والكابتن سمير قال لي أجلس معاهم وأخلص الاتفاق..وانا كنت قدمت لهم تقريرا حول ظروف وأحوال الفريق وأبديت استعدادى بتحمل المسؤولية كاملة لتحديد السلطات ولمصلحة المنتخب لكن يبدو أنهم  لم يناقشوا حتى التقرير.. ..لكن الآن معايا الأهرام طبعة أولى وفيها خبر بالصفحة الأولى من مكتبهم في مسقط أن سمير زاهر وصل عمان للاتفاق مع الجوهري.

 

 

 

وانهى الخطيب غاضبا من تصرف زاهر قائلا: عموما خلينا على اتصال بكرة..يمكن اخد خطوة مهمة..

ترقبت ما سيحدث..وحكيت للكابتن عبد المجيد نعمان رحمة الله عليه واستاذنا الفاضل حاتم زكريا ما جرى وتساءل كلاهما: ماذا سيفعل الخطيب.. قلت: لا أدري تحديدا..لكن نبرة صوته كانت تشئ بتصرف مهم..

 

وانتظرنا ولم يدم الانتظار طويلا ..فقد اتصلت بالكابتن الخطيب ليقول لى انه سيتوجه حالا لاتحاد الكرة وسوف يعيد لخزانة الاتحاد كل ما حصل عليه من أموال قيمة رواتبه الشهرية خلال عمله مع المنتخب لأنه لم يحقق هدفه وحلم الجميع بالتأهل لكأس العالم.. واندهشت.

ولأهمية وغرابة الخطوة طلبت من بيبو صورة من خطاب إعادته لمبلغ يزيد عن ٨٧ ألف جنيه ..وبالفعل ارسل لي الكابتن الخطيب عبر جهاز فاكس الاخبار صورة خطاب تسليمه شيك للواء محمد خليل الديب مدير الاتحاد وقتها( لاحظ صورة الخطاب المنشورة وفى اعلى يسار الصورة  اسم المرسل إليه) في تصرف غير مسبوق فيه من الدهشة ما يؤكد حرص الخطيب على المال العام وأيضا على صورته وقيمته وأنه ليس هو من يتعامل معه اتحاد الكرة هكذا.