نقطة فوق حرف ساخن

عمرو الخياط يكتب: الإرهاب السكاني

عمرو الخياط
عمرو الخياط

على مدار سنوات ممتدة، راحت الدولة المصرية تحذر من خطورة الانفجار السكاني، لكن الاستجابة لهذه التحذيرات لم تكن علي قدر كثافتها، شظايا الانفجار لم يسلم منها أي مجال في الدولة أو أي مورد للتنمية.

الزيادة السكانية العشوائية راحت تلتهم كل نواتج ومحصلات التنمية، لتتحول من ثروة قومية إلي كارثة قومية، بل وصلت إلي حد إرهاب الدولة وتهديد مستقبلها واظهارها بمظهر العاجز الدائم غير القادر علي التجدد ذاتيا.

كارثة الزيادة تحولت إلي إحدي أدوات الإرهاب المادي بعدما راح كلاهما يستهدف تقويض الدولة.

لا نبالغ إذا قلنا إن الزيادة السكانية العشوائية التي لا توازيها حركة تنمية مستدامة هي أساسا المعين الأصلي الذي تنهل منه جماعات التطرف والإرهاب، الزيادة تنتج بيئة خصبة تتنوع فيها مآسي العشوائيات والفقر والجهل والمرض فتقدم لتنظيمات الإرهاب سوقا مفتوحة من البؤساء والمحرومين وغير المتعلمين فريسة سهلة للاستقطاب والتجنيد والانخراط في صفوف تنظيمات القتل.

إعلاميا واجتماعيا ودينيا ذهب البعض إلي ممارسة ضغوط علي الدولة في حالة اصرار مستمر علي أن السكان ثروة قومية، دون أن يحدثنا أحد منهم عن أُسلوب علمي لإدارة هذه الثروة من خلال مسار تنموي مواز يتيح لها تعليما وتأهيلا فيحولها إلي مصادر للعمل والانتاج وليس إلي مجموعات للاستهلاك والاستنزاف للتنمية.

عموم الحالة يستند إلي شعور بالتواكل إلي درجة الدفع بأجيال كاملة إلى مستقبل مجهول ثم العودة لاستخدام مفردات دينية لتبرير الحالة العشوائية وإحالتها إلي حالة إيمانية مصطنعة بادعاء أن كل مولود   من قادم إلي الحياة برزقه متجاهلين أن البؤس والشقاء والمعاناة تحسب نوعا من الرزق.

الناحية الدينية يستخدم البعض نصوصا لتبرير هذه الحالة بل والدعوة لها كما لو كانت تكليفا دينيا، وهو أمر يكشف عن تناقض واضح لأنه إذا كان كل راع مسئول عن رعيته فليخرج علينا هؤلاء ويشرحوا لنا كيف سيتحمل رب الأسرة أمام الله مسئولية رعاية أسرته التي لا يتناسب عددها مع إمكانياته المحدودة وهو يعلم ذلك جيدا؟.

فليخرج علينا هؤلاء ويخبرونا كيف يمكن تحويل النصوص الدينية التي تهدف لإسعاد الناس وانضباط البشرية إلي مبررات للشقاء والبؤس؟.

وقد يبرر البعض دعواتهم للتكاثر العشوائي بكونها نوعا من التوكل على الله، فإذا كان ذلك كذلك فإن التوكل أساسه العمل والسعي والأخذ بأسباب الرزق أما إسناد دعواتهم لمفاهيم مجهولة وغيبية فهو خلط متعمد بين التوكل والتواكل بل والتنطع علي النص الديني وعلي المجتمع.

إذا تحدثنا عن كثرة العدد باعتبارها هدفا في حد ذاتها دون أن تكون هناك إرادة أو حتي اكتراث بإيجاد حركة تنمية لرعاية الأجيال الناشئة وفقا لإمكانيات الدولة المتاحة فما فائدة الأعداد الغفيرة من أنصاف المتعلمين وانصاف الأصحاء؟.

أين أين هؤلاء من الحقيقة التاريخية التي أقرت بأن كل الغزوات التي انتصرت فيها جيوش المسلمين كانت أقل عددا من جيوش أعدائهم؟.

فإذا عدنا إلي واقعنا الحالي فأين هم من حركة التكنولوجيا المتطورة التي اتاحت الاستغناء عن أعداد غفيرة من الأيدي العاملة التي لم تعد فاعلة في أسواق العمل؟.

منظور التكافل في الاسلام فإننا أمام مفاهيم شرعية تحدد مسئولية الرعاية المشتركة لأفراد الأمة كل حسب قدرته وإمكانياته وما يسر له من الإمكانيات.

وبتطبيق هذا المعني علي الحالة الماثلة أمامنا، فإننا نكون في مواجهة واجب شرعي يبدأ تطبيقه من داخل كل أسرة تدرك تفاصيل امكانياتها باعتبارها الوحدة الأساسية لبناء المجتمع، فإذا كان كل رب أسرة يدرك هذا جيدا وبرغم ذلك يصر على إضعاف هذه الوحدة فإنه يرتكب بذلك جريمة متعمدة في حق المجتمع الذي سينمو مرتكزا علي قواعد أسرية ضعيفة فينهار البنيان المجتمعي بأكمله.

بتطبيق هذه الحالة على واقعنا المعاصر، نجد أن مشكلة الزيادة السكانية قد تحولت إلي كارثة قومية عندما خلفت مأساة العشوائيات التي أفرزت مشاكل اجتماعية معقدة وصلت إلى حد الجرائم الاخلاقية والجنائية، وبرغم انتشار المساجد الأهلية انتشارا ملحوظا في هذه المناطق إلا أن العديد من المشايخ الداعين والمبررين لهذه الزيادة قد فشلوا من أعلي منابرهم في مواجهة الظواهر غير الاخلاقية التي تسببت فيها هذه الزيادة فأفقدوا خطبهم ومواعظهم قيمتها وفرغوها من مضمونها بعدما انعدمت تأثيراتها علي بيئتها المحيطة بل والملاصقة.

المدهش انك تجد الخطاب الديني المشجع لحالة التناسل والتكاثر مرتكزا علي استدعاء حالة تاريخية خلفية مستمدة من عادات قبلية انتشرت ما قبل الدعوة الاسلامية، ومع ذلك تجد اصرارا عليها باعتبارها فرضا إسلاميا دون الاهتمام بخطورة إظهار الفكرة الإسلامية كما لو كانت غير قادرة علي مواكبة الأزمنة المختلفة بتغير ظروفها ومستجداتها.

وبرغم الخطاب الديني المكثف لتبرير الظاهرة، فإنه لم يفشل فقط في مواجهة التأثيرات الجنائية لها بل فشل أيضا في مواجهة تأثيراتها الفكرية، التي ولدت تيارات متطرفة تنامت في مجتمعات الفقر والجهل واعتنقت افكارا تكفيرية نسبتها إلى الدين وجعلت الاسلام أسيرا لمظاهر خارجية مخالفة بجوهره بل حولته من وسيلة لتحقيق جودة الحياة وتطوير المستقبل إلي وسيلة للهروب من واقع أليم مليء بالبؤس والشقاء.

هنا تظهر حقيقة استخدام تنظيمات التطرف لهذه الظاهرة التي تعد مفرزتها الرئيسية لإنتاج عنصر بشري ليس لديه أي إمكانيات سوي الجهل والفقر والرغبة الدائمة للهروب من محيطه البائس.

تخيل أن هذه الجماعات لم تجد وازعا يردعها اخلاقيا أو إنسانيا أو شرعيا عن استخدام الإسلام كأداة لتخدير مجتمعي من أجل خلق بيئة حاضنة لأفكارهم، ليس هذا فحسب بل تستخدم الأزمة السكانية أداة دائمة للضغط علي الأنظمة والدول لخلق حالة نفور دائمة من الدولة خاصة لدي الطبقات الأكثر احتياجا فلا تجد أمامها وسيلة للفرار إلا إلي أحضان هذه التنظيمات.
هنا تتجاوز الأزمة ظاهرها الاجتماعي والتنموي والاقتصادي لتكشف عن وجه آخر أكثر خطورة تستخدم فيه الثروة السكانية أداة لإنتاج أدوات الإرهاب بيئة وفكرا وعنصرا بشريا قابلا للاستقطاب والتجنيد.

تخيل أن هذه التنظيمات تحرص طوال الوقت علي إيجاد نسبة إفقار وتجهيل ثابتة في المجتمع من أجل ضمان استمرار وتجدد بقائها ووجودها وإمكانية استخدامها الدائمة لخطاب الفقر.

نحن أمام جريمة مكتملة الأركان نجحت للأسف في أحيان كثيرة في تحويل الإنسان إلي عبوة ناسفة مملوءة ببارود الجهل والفقر والمرض واليأس والإحباط لتصبح جاهزة للانفجار في وجه المجتمع حين يصدر التكليف التنظيمي لها بذلك.