إسرار قوة التنين وكيف قاوم خطر الانهيار السوفيتي؟

صور| «بوابة أخبار اليوم» في مدينة الألف عين والـ٥ أوتار

رقصات فلكورية تمثل مختلف القوميات الصينية بمنطقة تشانغ
رقصات فلكورية تمثل مختلف القوميات الصينية بمنطقة تشانغ

تخيل أرض يقيم عليها أكثر من مليار و٣٠٠ مليون إنسان لديهم أكثر من ٨٠ لغة و ينتمون إلى ٥٦ قومية مختلفة في الدين واللغة والعادات والتقاليد نجحت بفضل قواها الإنتاجية الخارقة إن تفرض نفسها رقما صعبا يعد له ألف حساب في خضام هذا العالم المتسارع.

 

لكن يظل السؤال كيف استطاعت الصين أن تظل متماسكة وقوية وهى تتكون من كل هذه القوميات المختلفة والمتعددة الألوان والاتجاهات؟.. معلوم أن الاختلاف عادة ما يؤدى في كثير من الأحيان إلى الصراعات ومحاولات فرض السيطرة والهيمنة من جانب كل قومية كبرى على القوميات الأخرى الأضعف والأصغر عددا، ومن منطلق الحاجة إلى فهم هذا المارد المُكتسِح.

 

"بوابة أخبار اليوم" سافرت في جولة إلى مدينة تاتشنغ الصينية الحدودية بدعوة من السفارة الصينية بالقاهرة للتعرف عن قرب على حياة مجموعات من القوميات الصينية المختلفة.

 

أكثر من ٢١ ساعة قضيناها للسفر من القاهرة إلى مدينة اورومتشى في أقصى الشمال الغربي الصيني وعلى الحدود مع كازاخستان .. ومن تلك المدينة انطلقنا إلى مدينة تاتشنج أو مدينة الألف عين و الـ٥ أوتار في إشارة إلى أنهارها الخمسة الجميلة وعيون المياه الصافية العديدة التي تتفجر بها.. درجات الحرارة تنخفض إلى أكثر من ٢٠ درجة مئوية تحت الصفر.

 

الثلوج هنا لا تتوقف عن الانهمار وكذلك الحياة بالمدينة لا تتوقف.. فقد اعتاد سكان المدينة على هذا الزمهرير القارص.. وخلايا النحل الصينية لا تكف عن العمل ..فى الصباح كانت نقطة الانطلاق إلى حي قارادون هناك يفتخر اوركين ٤٦ سنة بعائلته المكونة من ١٤ قومية مختلفة حيث ينتمي هو إلى قومية القرقيز فيما تنتمي زوجته إلى قومية منغوليا. أما زوج أخته فمن قومية الكازاك.
 

 

ورغم كل الاختلافات ظلت عائلة اوركين تتمتع بالتناغم رغم الفروق اللغوية والثقافية والدينية في محافظة مدينة تاتشنغ أو تارباغاتاي شمالي غربي الصين.. ويعتبر منزل عائلته مزارا ومقصدا شاهدا على التعايش السلمي بين القوميات الصينية المختلفة. 


وقال "اوركين" تضم عائلتنا الكبيرة عدة قوميات حيث تزوجت أنا من امرأة من قومية المنغول وتزوجت أخته من رجل من قومية الكازاك وزوج أخته الصغرى تزوج من قومية الهان.. وأضاف أن هناك اختلافات واضحة من حيث الدين والعادات لكننا أصبحنا الآن أسرة كبيرة من ٢٣ شخص يمثلون ٤ ١ قومية مختلفة، وأشار إلى أنه تقريبا كل شهر هناك عيد خاص بأحد قوميات العائلة نحرص على الاحتفال به وهكذا نعيش في تناغم على أساس احترام العادات والأعياد المختلفة لقوميات أفرادها.


اليوم أصبح الزواج أكثر شيوعا بين شباب القوميات المتنوعة والمختلفة في الصين والتي تتحلى بالتعايش السلمي والاحترام المتبادل في كل أرجاء الأقاليم الصينية.

 

 

اصطحبنا مترجمنا شيانغ تشن بياون أو باسل وهو اسمه العربي إلى مجلس الحى حيث التقينا السيدة باخاركول أحدى المسؤليين بمدينة تاتشنغ الصينية حيث شاهدنا مركزا حكوميا لتوفير خدمة الشباك الواحد للمواطنين من مختلف الأقليات للحصول على أي خدمات حكومية أو استخراج أوراق رسمية كما شاهدنا عرضا فنيا يعبر عن ثقافات القوميات المختلفة بالمنطقة لكل قومية ملابسها وحركاتها الراقصة التي تميزها عن الأخرى.

 

وقالت مسؤلة المدينة إن لكل قومية ظروفها التاريخية والاجتماعية والتراثية الخاصة الأمر الذي يعنى ضرورة الاهتمام بكل هذه التفاصيل عند فرض أي سياسات كذلك حكومة الصين على تعزيز الوحدة بين مختلف الأقليات والقوميات والحفاظ على تراثها الثقافي والحضاري باعتباره جزء لا يتجزأ من الحضارة الصينية.

 

 

وفي المساء وعلى مائدة العشاء العامرة بالأكلات الصينية المختلفة والتي تمثل قوميات الدولة التقينا بأحد الشخصيات الحكومية المحلية البارزة وهو السيد آلى نائب رئيس الحكومة المحلية في منطقة تاتشنغ، والذي أكد لنا أن الحكومة الصينية تحرص كثيرا على التماسك بين القوميات المختلفة لوحدة البلاد وزيادة قوتها وتماسكها، وأشار إلى أن تلك السياسات أسفرت عن نتائج مهمة لوحدة الأقليات والوطن.

 

وعلمنا من مرافقتنا أن الحكومة المركزية الصينية منحت صلاحيات واسعة للحكومات المحلية خاصة للمناطق المأهولة بالأقليات القومية التي تتمتع بسياسة الحكم الذاتي، وسمحت للمقاطعات وحكوماتها المحلية باتخاذ الإجراءات والسياسات المناسبة لواقعها وظروفها، وهناك تباين في تطبيق السياسة وسبب التباين هو تعايش عدة قوميات في إطار المقاطعة الواحدة الأمر الذي ساعد على تخفيف قيود بعض القوانين وتيسير شروط تطبيقها.

 

 

 

وهذا يعني أن لكل منطقة الحق في تعديل إجراءات التطبيق بما يتلاءم وظروفها الذاتية ولذلك هناك استثناءات وتسهيلات للمناطق المكتظة بأبناء الأقليات القومية حيث يسمح للزوجين بإنجاب أكثر من طفلين من أجل زيادة عدد أبناء القومية وهذا ينطبق على أكثر من خمسين أقلية قومية بالصين.


فضلا عن وجود ٥ مناطق تتمتع بالحكم الذاتي وهى منطقة نينغشيا التي تقطنها قومية هوى المسلمة ومنطقة شينجيانغ لقومية الويغور المسلمة ومنطقة منغوليا الداخلية لقومية المنغول ومنطقة التبت التي تقطنها غالبية تبتية ومنطقة قوانغتشى لقومية تشوانغ.


 فأبناء هذه المناطق يتمتعون، سواء في داخلها أو خارجها، بتسهيلات في مجال الإنجاب ويحق لأبنائها إنجاب أكثر من طفل، وتشمل الاستثناءات والتسهيلات أيضا المناطق الريفية الزراعية في البلاد عامة ومناطق الأقليات القومية خاصة، حيث تحتاج العائلة الريفية لأكبر عدد ممكن من الإفراد، خاصة الذكور، ليعينوا بعضهم البعض كما هو الحال في معظم المجتمعات الزراعية.

 

 

وفي النهاية نكتشف أن احد أسرار قوة التنين الصيني ليس في تعدادها الضخم ولا في مساحتها الشاسعة ولكن في التماسك الواضح بين القوميات المختلفة و تعايشها السلمي وسياستها الصارمة للحفاظ على وحدة البلاد والسكان ولولا تلك السياسات لانقسمت الصين إلى ٥ دويلات على الأقل وانهارت كما انهارت من قبل جارتها من دول الاتحاد السوفيتي.


إذن الوحدة القومية لمختلف القوميات كانت ولا تزال هي العمود الفقري لهذا التنين الصيني العملاق ويظهر هذا جليا بمجرد أن تطأ قدماك أرض أي من المطارات الصينية لتجد اللغات العديدة للقوميات الصينية تكتب بها اللوائح الإرشادية وفى الشوارع والميادين كذلك أوراق المال الصينية بعضها يكتب بخمس لغات وهى الصينية والايجورية والتبتية والمنغولية والقوانغتشية وكذلك تبث بعض الإذاعات في الراديو والتلفزيون بهذه اللغات وهى إشارة إلى أن الصين لم تحاول طمس هوية تلك القوميات الأساسية لدولتها وكان من الممكن أن تفرض اللغة الصينية على الجميع فرضا وتحاول طمس هوية كل تلك القوميات كما فعلت بعض دول الاحتلال في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لكن الصين لم تفعل بل تفخر دائما بتعددها وتنوعها الجغرافي والقومي.