حكايات| «إسكندرية المفقودة».. مدينة أثرية ضخمة تحت البحر

«إسكندرية المفقودة».. مدينة أثرية ضخمة تحت البحر
«إسكندرية المفقودة».. مدينة أثرية ضخمة تحت البحر

أمام الصدفة تنصهر أحلام الاكتشافات الأثرية لتتحول إلى واقع تلامسه أيديهم لكن لا تشبع منه أعينهم، فتصير القطعة مجموعة متكاملة وتنتقل المجموعة إلى مدن فرعونية متكاملة أو قصور للمصريين القدماء، ابتلعتها مياه البحر، لكنها وقفت عاجزة عن إخفائها في القاع.


  
تحت سطح مياه البحرين الأحمر والمتوسط، أخذ صيادون وغطاسون مصريون وقتًا طويلا بحثًا عن كل ما هو قديم وله صلة بتاريخهم، ومن هنا تحدث الدكتور إيهاب فهمي مدير إدارة البحر الأحمر لإدارة الآثار الغارقة عن بعض الاكتشافات الأثرية غير المتوقعة.

 

 غرق «كليوباترا» 

 

لا يخفي الدكتور إيهاب فهمي مدير إدارة البحر الأحمر لإدارة الآثار الغارقة أن شواطئ الإسكندرية، وخاصة منطقتي خليج أبي قير والميناء الشرقية، ممتلئة بالآثار الغارقة؛ حيث منارة الإسكندرية القديمة، وكذلك قصر كليوباترا.

 

أقرأ أيضًا للمحرر| «منديس» المقدسة.. أول قبلة حج إليها المصريون القدماء

 

ويقع هذا القطر قبالة شواطئ الإسكندرية، ويعتقد أنه كان مبنيًا على جزيرة تعرضت للغرق، إذ تم تحطم الكثير من المباني والقصور والقلاع في مياه البحر نتيجة لتعرضها للعديد من الزلازل الشديدة.


أما عملية انتشال الآثار الغارقة فتعتبر معقدة، ومعها لا يمكن إتباع نفس الطرق المستخدمة في البحث عن الآثار المختفية تحت سطح الأرض؛ إذ تتطلب أدوات خاصة واستعداد بدني خاص لدى المنقب الأثري، ويمكن تحديد موقعها بفضل كتابات الجغرافيين والكتاب القدامى أو دراسة الخرائط الملاحية.

 

 

فاحص الأعماق

 

ولتحديد المواقع الأثرية تحت الماء، يتم استعمال بعض الأجهزة الحديثة، مثل فاحص الأعماق بواسطة الصدى وجهاز قياس المدى وكاشف المعادن وجهاز قياس المدى المطور، وجهاز رصد وتحديد المواقع المتصل بالأقمار الصناعية.

 

وهناك كذلك «الأطباق الغائصة»، التي اخترعها إيف كوستو، والتي تحمل شخصين، وتسمح بالحركة حتى عمق 300 متر، ومزودة بأضواء كاشفة ونوافذ للرؤية وأذرع يتم التحكم فيها من داخل المركبة.

 

اقرأ للمحرر أيضًا| «ع واحدة ونص» بالفرعوني.. راقصات في حضرة الإله «بِس»


وحين يتم تحديد الموقع الأثري، يتم إنزال الغطاسين مزودين ببدل الغطس المطاطية ومصدر قوي للإضاءة وأجهزة خاصة للتصوير الفوتوغرافي والتليفزيوني، ومضخات ماصة أو كابسة للتعامل مع الموقع الأثري، ثم تبدأ بعد ذلك عملية انتشال القطع الأثرية عن طريق رفعها إلى سطح السفينة أو الموقع الثابت بمضخات أو حبال أو بالونات هوائية.

 

 

بين الأسطورة والمقريزي

 

وتتحدث الأسطورة القديمة أن سبب غرق قصر كليوباترا فيعود إلى احتلال زنوبيا للمدينة، ثم استعادة أوريليانوس لها مع ما صاحب ذلك من تدمير للعديد من بعض أجزاء الإسكندرية، وبعد ذلك بقرن تقريبا يصف ابيفانيوس المنطقة بأنها صحراء؛ لكن يظل تفسير المقريزي، هو الأقرب؛ حيث يؤكد تعرض المنطقة لزلزالين مدمرين، الأول في 956 ميلادية والثاني في 1303 ميلادية.

 

وما بين الأسطورة والزلزال، حل العامل البشري أيضًا كسبب رئيس، حيث ألقى والي الإسكندرية المسمى قراجا عددًا كبير من الأعمدة المحيطة بعامود السواري في الميناء الشرقية، وذلك عام 1167، مما جعلها غير صالحة للملاحة، ثم وفي العصر الحديث بدءا من منتصف القرن التاسع عشر بدأت حركة العمران على الخط الساحلي للإسكندرية في الازدياد مع بناء كورنيش جديد يمتد من رأس التين إلى السلسلة اكتمل في 1906.

 

أقرأ أيضًا للمحرر| لغز قصر قارون.. آثار تحت الماء و«مخسوف» من قوم موسى

 

هنا يلاحظ أن علماء الحملة الفرنسية سجلوا العديد من المباني والبقايا الأثرية على ساحل الإسكندرية، إلا أن هذه البقايا تم تدميرها بقصد أو بدون لاستكمال منشآت حديثة فيما بعد.

 

 

خريطة الآثار الغارقة

 

في مدينة الإسكندرية القديمة، حيث الميناء الشرقي، والذي أقيم بفضل جسر شيده الإسكندر الأكبر ليربط جزيرة فاروس بخط الساحل القديم، ويحده من الشرق رأس لوخياس «السلسلة» حاليًا.

 

ولعل من أهم مواقع الآثار الغارقة، هذا الميناء لأنه يحوي جزءًا هامًا من مدينة الإسكندرية القديمة، والتي غرقت نتيجة لسلسة من الزلازل ضربت سواحل مصر الشمالية على مر العصور، وتُعرف أول خريطة للميناء الشرقي في موقع التيمونيوم وجزيرة أنتيرودس.

 

 

ففي عام 1866، قدم محمود باشا الفلكي أول خريطة للميناء الشرقي، وضح بها موقع التيمونيوم وجزيرة أنتيرودس؛ اعتمادا على نصوص الكتاب القدماء التي وصفت الموقع واعتمادا أيضًا على مشاهداته بالعين المجردة لبعض الشواهد الأثرية تحت الماء.


    
أقرأ أيضًا للمحرر| القائد لوكولوس.. صاحب أكبر معدة في التاريخ

 

ثم في عقد الستينات من القرن الماضي، قدم الغواص المصري كامل أبو السعادات، خريطة أخرى لبعض الشواهد الأثرية في منطقة الميناء الشرقي بناء على ما شاهده بنفسه خلال الغوصات التي كان يقوم بها على سواحل الإسكندرية، وهي خريطة كانت مرجعا أساسيا لأعمال الاستكشافات اللاحقة بالموقع.

 

إلا أن أول الأنشطة العلمية المنظمة لاستكشاف الآثار الغارقة بالموقع تمثلت في مشروع المسح الأثري والحفائر التحتمائية التي قام بها المعهد الأوربي للآثار الغارقة على مدى أربعة عشر عاما منذ عام 1996 وحتى الآن.  

 

ومن هنا تم رسم أول خريطة طبوغرافية وأثرية دقيقة لمنطقة الميناء الشرقي، توضح خط الساحل القديم مقارنة بخط الساحل الحالي بما يحويه من موانئ تجارية وملكية، توضح هذه الخرائط أيضا شكل الأرصفة والحواجز التي  تفصل كل ميناء عن الآخر والأحواض الداخلية لكل ميناء والتي تعكس استغلال التضاريس والصخور الطبييعية لتوفير موانئ آمنية من التيارات  البحرية.

 

اكتشافات بالجملة

 

وبالإضافة إلى الخرائط السابقة، كشفت أنشطة الحفائر التحتمائية  في المواقع المتلفة، عن مئات القطع الأثرية مثل تماثيل لأبي الهول لبطليموس الثاني عشر ورؤوس تماثيل لأباطرة وملكات بالطراز اليوناني الروماني، وتماثيل لمعبودات مثل طائر الأيبس رمز تحوت، وكذلك الإله تحوت هرمس، كما عثر على عملات وقطع من الحلي الذهبية، والفخارية كالأمفورات والأواني والمسارح من العصر البطلمي والروماني.

 

أقرأ أيضًا للمحرر| توم وجيري.. كارتون فرعوني سبق «ديزني» بآلاف السنين

 

وباحت كثير من الكتل الحجرية بنصوص هيروغليفية منها قاعدة تمثال للملك مرنبتاح من الأسرة 19، وجزء من مسلة للملك سيتي الأول من نفس الأسرة وكتل أخرى عليها بقايا نقوش من الأسرة السادسة والعشرين.

 

أما النقوش اليونانية فهي تتمثل في النصوص المسجلة على بعض الأعمدة الإسطوانية من عهد الإمبراطور كراكلا من القرن الثالث الميلادي، والأهم – بحسب فهمي – أن الميناء الشرقي بحاجة لاستكشافات الآثار الغارقة به.