حكايات| «أبو الروس» نجيب محفوظ.. هداف «نوبل» يهز شباك الإنجليز

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

أمام قصر الشوق جلس أبو الروس ليضع خطة مباراته القادمة، سيقود خط الدفاع البطل سعيد مهران فيما سيكون «الكابيتانو» السيد أحمد عبد الجواد في خط الوسط، وبلا شك لا يوجد أنسب من عاشور الناجي ليقود هجوم فريق السكرية.

 

وضع أبو الروس كل شيء في حساباته متى سيضغط على الخصم؟ ومتى سيمتص الضغط؟ وماذا سيفعل عندما يصبح الباقي من الزمن ساعة؟.. بالقطع ستكون تلك المباراة حديث الصباح والمساء وكيف لا وبطلها هو أبو الروس أحد أشهر لاعبي الكرة في حي العباسية خلال عشرينات القرن الماضي؟

 

ضد الإنجليز 

 

حكاية أبو الروس مع كرة القدم حالة مختلفة عن باقي الحكايات، بدأت وقت الاحتلال الإنجليزي لمصر عندما اصطحبه جاره لمباراة كرة بين فريق مصري وأخر إنجليزي، فمع الدقائق الأولى للمباراة أصابت الطفل الصغير الدهشة فكيف للمصريين أن يحتكوا ويلتحموا بالإنجليز بقوة دون خوف؟ وكيف للمصري أن يتفوق على الإنجليزي ويراوغه؟

 

اقرأ للمحرر أيضًا| إحدى عجائب الرياضة السبع.. مصر تلتهم الديوك وتتوج بطلا لأوروبا

 

بنهاية تلك المباراة زادت دهشة الطفل النجيب عندما فاز الفريق المصري، فقد كان يعتقد أن الإنجليز لا ينهزمون أبدًا حتى في الرياضة، وبعودة الطفل لمنزله كان شغله الشاغل هو التفكير في تلك المباراة ومحاولة تقليد رجل المباراة «حسين حجازي».

 

وفور عودته للمدرسة بادر الطفل الصغير بتشكيل فريق يقوده في مسابقات المدارس والشوارع سماه «قلب الأسد»، واحتفظ لنفسه بمركز الظهير الأيسر رغم استخدامه لقدمه اليمنى، كان الطفل النجيب موهوبًا جدًا فكان هداف الفريق وبطله الأول حتى أطلق عليه رفاقه أبو الروس؛ لأن رأسه كانت لا تخطئ المرمى.

 

 

هنا مدرسة فؤاد الأول

 

تطور الطفل وتطورت مهاراته وأحلامه وانتقل للمدرسة الثانوية «مدرسة فؤاد الأول الثانوية»، وفيها غير اللاعب الشاب مركزه ليقف في القلب الدفاع يذود عن مرمى فريقه بكل قوة وتفاني وإخلاص، وكان نابغًا للغاية حتى أن كل من شاهده تنبأ له أن يكون أحد نجوم الأندية الكبرى وقد يكون أيضا ممثلا لمنتخب مصر في دورة الألعاب الأوليمبية.

 

اقرأ للمحرر أيضًا| لعنات بالأبيض والأحمر..  قمصان نجوم الكرة لا تبوح بأسرارها

 

 

لكن لسوء حظ الرياضة المصرية لم يستمر أبو الروس في مشواره الكروي، وأعلن اعتزاله مع دخوله الجامعة إلا أنه وجد نفسه في مجال أخر وهو الأدب ليصبح الشاب النجيب نجيب محفوظ أو «أبو الروس»، أحد أهم العلامات الأدبية العالمية.

 

قد لا يدرك الكثيرون أن أديب نوبل نجيب محفوظ أو أبو الروس – كما لقبه أصدقاؤه - كان لاعبًا مميزًا للغاية عشق كرة القدم، وأخلص لها بشدة لفترة تقارب الـ 10 سنوات، حتى بعد اعتزاله لممارستها لم ينقطع محفوظ عن تشجيعها ومتابعتها لفترة طويلة.

 

«أذكر أثناء عملي في وزارة الأوقاف أن قابلني شاب عرفني بنفسه على أنه ابن حسين حجازي، فصافحته بحرارة شديدة، وقلت له: (تعالى لما أبوسك.. دا أنا صفقت لأبوك لما إيدي اتهرت)».. كلمات أطلقها لسان «محفوظ» بطلاقة. 

 

 

عشق الزمالك

 

وعن ميوله الكروية فكان «محفوظ» أبيض الهوى، فعشق الزمالك وكثيرًا ما ذهب لمقر النادي ليتابع ويشاهد المباريات، خاصة تلك التي يشارك فيها صديقه «عبد الكريم الصقر».

 

اقرأ للمحرر أيضًا| لو سألتك أنت «شطة»؟.. تقولي إيه: «حراق» الجيل الذهبي للأهلي

 

 

ومع الأيام، انعكس اهتمام نجيب بالكرة على إبداعه الأدبي لتقدم رواياته وقصصه القصيرة شهادة مهمة، تكشف عن المكانة التي تحتلها كرة القدم في حياته الشخصية، بداية من مجموعته القصصية «همس الجنون»، وتحديدًا في قصة «مفترق الطرق» نجد شخصية جلال الموظف في وزارة المعارف زميل الدراسة لحامد باشا شامل الذي صار وزيرًا، كان الثنائي يتنافسان في لعب الكرة التي لا تعرف الوساطة فكان دائمًا ما يتفوق جلال على حامد، ولكن في ميدان الحياة ظل الفقر قرين جلال الموهوب، أما حامد ترقى حتى عين وزيرًا.

 

وفي رواية المرايا كشف «النجيب» محفوظ عن تأثير الكرة في شخصية الراوي، حين قال «كان يتكلم عن سعد زغلول أكثر مما يتكلم عن حسين حجازي أو شارلي شابلن، أو المصارع عبد الحكيم المصري».

 

ولعل أبرز ما في حكاية نجيب محفوظ مع الكرة هي تلك الرواية التي أجمع عدد من المقربين منه على أنه كتبها عن لاعبي الكرة قبل أن يمزقها ليخسرها جمهورا الأدب والرياضة.