في الذكرى الخمسين لإنقاذ معبدي رمسيس ونفرتاري..

القصة الحقيقية لتعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني.. وتفاصيل إنقاذ المعبدين

معبدى رمسيس ونفرتارى
معبدى رمسيس ونفرتارى

بمشاركة 6 فرق للفنون الشعبية تحتفل محافظة أسوان " بعد ساعات فجر اليوم الاثنين 22 أكتوبر، بظاهرة تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني والتي تتزامن هذا العام مع مرور 50 عاماً على مشروع إنقاذ معبدي رمسيس الثاني من الغرق، ويقع المعبدين بمدينة أبوسمبل على بعد 280 كيلو متر جنوب مدينة أسوان. 

قال شكري سيف الدين نقيب المرشدين السياحيين في أسوان، إن المعبدين شيدهما الملك رمسيس الثاني ثالث ملوك الأسرة التاسعة عشر وهو أبن الملك سيتي الأول، ووالدته هي الملكة المصرية تويا، ويعد أحد أهم ملوك الأسرة التاسعة عشرة الملقبة بأسرة "الرعامسة"، والذي حكم مصر خلال الفترة من 1213 حتى 1279 قبل الميلاد.

وأضاف سيف الدين، أن معبد أبو سمبل هو أكبر وأضخم معبد منحوت في الصخر في العالم، ويعد آية في العمارة والهندسة القديمة إذ نحت في عمق جبل صخري لمسافة ٦٢م على الضفة الغربية للنيل، كما إنه فريد في واجهته التي ترتفع ٣٢م بعرض ٣٥م وتتقدمها أربعة تماثيل منحوتة جالسه لرمسيس الثاني بارتفاع ٢٠م وبجوارها عدة تماثيل أصغر لزوجته وأبنائه وفي أعلى صف من القرود واقفة تهلل لشروق الشمس عددها واحد وعشرون، وفوقه تمثال للإله رع حور أختي برأس صقر، فضلا عن مناظر المعبد التي تسجل معركة قادش كاملة التي قادها ضد الحثيين وأنتصر عليهم،  ووقع مع ملكهم أول معاهدة سلام في التاريخ بل وتزوج أبنته.

وكرس المعبد لعبادة الإله رع حور أختي، الذي يصور على هيئة إنسان برأس صقر على رأسه قرص الشمس، وهناك أعجوبة هندسية وفلكية ترتبط بهذا المعبد حيث تخترق أشعة الشمس باب المعبد ثم القاعات حتى قدس الأقداس لعمق أربعة وستون متر مرتين في العام يومي ٢٢فبرايرو ٢٢أكتوبر، وتتعامد أشعة الشمس أولا على وجهي المعبود آمون ثم رع ثم رمسيس الثاني، ولا تأتى على بتاح نهائيا لارتباطه بالموت. 

وأضاف الأثري نصر سلامة مدير منطقة أثار أسوان والنوبة السابق، أنة لا صحة لما يشاع من أن أشعة الشمس تتعامد على وجه تمثال رمسيس الثاني بمناسبة ميلاده أو تتويجه على العرش، مشيرا إلى أن تعامد الشمس اليوم يدل على بداية موسم  الزراعة في فصل "برت" وتعنى باللغة المصرية القديمة فصل الشتاء، وزمن استقرار الفيضان وبذر البذور التي تظل في الأرض لتحصد في شهر فبراير، كما أن تعامد الشمس على وجه الملك رمسيس الثاني في 22 فبراير يدل على بداية فترة اعتدال الطقس وبداية موسم الحصاد.

وأكد سلامة على أنة قبل نقل المعبد كانت ظاهرة تعامد الشمس تحدث في 21 أكتوبر و21 فبراير من كل عام ونظرا لتغير إحداثيات المعبد ونقلة لموقعة الحالي بارتفاع 60 مترا إلى ناحية الغرب بحوالي 180متر تأخر تعامد الشمس لمدة يوم واحد.

بينما أوضح عبد الناصر صابر نقيب المرشدين السياحيين السابق أكتشف المعبد الرحالة السويسري يوهان لودفيج بوكهارت خلال رحلته إلى بلاد النوبة عام ١٨١٣م ، ثم توفى في نفس العام ودفن بالقاهرة، وأستكمل صديقه الايطالي جيوفاني باتستا بلزونى أعمال التنقيب وإزاحة الرمال التي تغطيه حتى وصل إلى قدس الأقداس عام ١٨١٧ م ، في النوبة التي كانت موطنا لعبادة الكثير من الآلهة طوال العصور الفرعونية والرومانية والمسيحية وأنشئ بها كثير من المعابد على جانبي النيل من دابود إلى أدندان، لأنها من الأماكن التي قدسها المصريون من أقدم العصور .


قصة إنقاذ المعابد من الغرق في مياه بحيرة ناصر 

وللتعرف على تفاصيل قصة إنقاذ معبدي رمسيس ونفرتاري التقت « بوابة أخبار اليوم»  بالأثري عبد المنعم سعيد مدير عام منطقة أثار أسوان والنوبة، والذي رصد التفاصيل والجهود التي بذلت لإنقاذ هذا الأثر الفرعوني الذي أستمر شامخا لآلاف السنين على ضفاف نهر النيل جنوب مصر، وقال مدير أثار أسوان بعد تعاون دولي مشترك كلف نحو 40 مليون دولار دفعت مصر منهم الثلث، وحققت الأيادي المصریة قصص كفاح في إنقاذ آثار أجدادهم ونقلها بعيداً عن الماء الذي زحف إليها تدريجياً مع ارتفاع منسوب المياه في بحيرة ناصر.

وتابع سعيد، بدأت قصة إنقاذ المعبد من الغرق عقب بناء السد العالي وتعرض معبدي رمسيس الثاني للغرق نتيجة تراكم المياه خلف السد العالي وتكون بحيرة ناصر، وفي عام 1959 دعت منظمة اليونسكو لعقد مؤتمر يضم مندوبي 13 دولة ورؤساء البعثات الأثرية في مصر، وتم الاتفاق على ضرورة إنقاذ آثار النوبة بناء على طلب مصر من اليونسكو.

وفي عام 1960 وجه المدير العام لليونسكو "فيتر ونيزى" نداءً عالمياً لإنقاذ آثار النوبة والتراث الإنساني من الغرق.

وكانت بداية إسهام المنظمة في الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة ومعبدي أبو سمبل من الغرق وإعلان منطقة أبوسمبل من تراث العالم القديم، حيث لاقت الدعوة استجابة 51 دولة من دول العالم للمساهمة في إنقاذ هذا التراث العالمي الفريد وبلغت تكلفه إنقاذ معبدي رمسيس ونفرتاري حوالي 40 مليون دولار أمريكي، واستمرت خلال الفترة من عام 1964 وحتى عام 1968، حيث تم تقطيع موقع المعبد كله إلى كتل كبيرة بلغ عددها 1500 كتلة، وزن كل منها يتراوح ما بين 7 إلى 33 طن، وتم تفكيكها وترقيمها وأعيد تركيبها في موقع جديد على ارتفاع 200 متراً، أعلى من مستوى النهر. 

وأشار مدير عام منطقة أثار أسوان والنوبة، إلى أن نقل معبدي أبوسمبل "رمسيس الثاني وزوجته نفارتاري"  كانت واحدة من أصعب عمليات نقل المباني على مر التاريخ، وحرص المهندسون المعماريون والأثريون على الحفاظ على الزوايا الهندسية وعلى ظاهرة تعامد الشمس دون أي أضرار أو تغييرات. 

 

مراحل نقل المعبد 

وقال سعيد، أن عملية نقل المعبد تمت على عدة مراحل وكانت المرحلة الأولى إقامة سد حديدي عازل  بارتفاع 25 متر بين مياه النيل وبين المعبدين، وذلك لحماية المعبد من الغمر في المياه التي ترتفع بسرعة، والثانية كانت بتغطية واجهة المعابد بالرمال أثناء قطع الصخور، ثم انتقل المهندسون إلى المرحلة الثالثة بتقطيع كتل المعابد الحجرية، وترقيمها حتى يسهل تركيبها بعد النقل . 

وتابع: "ثم نقلها على مكان المعبد الجديد والذي يبعد عن المكان القديم بحوالي 120 متراً وعلى ارتفاع 60 مترًا عما كان عليه سابقاً.. وبعد نقل جميع الأحجار من موقعها القديم، تم البدء في المرحلة الرابعة بتركيبها مرة أخرى بداية من قدس الأقداس أي من آخر جزء بالمعبد من الداخل وحتى واجهة المعبد، كما تم بناء قباب خرسانية تحت صخور الجبل الصناعي وفوق المعبدين لتخفيف حمل صخور الجبل على المعبدين، وبذلك تم نقل معابد أبو سمبل بنجاح ليصبح أحد أكبر مشاريع القرن الماضي لضخامته والدقة التي تطلب تنفيذها للحفاظ على تعامد الشمس.
                   

3 ألاف  شخصية عالمية في احتفالية الإنقاذ

وأكد مدير عام منطقة أثار أسوان والنوبة، أنه في مثل هذا اليوم من شهر سبتمبر من عام 1968 تم تنظيم احتفالية كبيرة بمناسبة انتهاء أعمال الإنقاذ وشهدها أكثر من 3 آلاف شخصاً من مختلف دول العالم من المشاركين في مراحل إنقاذ المعبد التي استمرت لمدة أربع سنوات متواصلة في صحراء أبوسمبل.

وأستطرد مدير الآثار الحديث عن ذكرى إنقاذ آثار أبوسمبل من الغرق، قائلاً: "إن اللوحة التذكارية لافتتاح معبد أبوسمبل لا تزال موجودة إلى اليوم والتي أزاح الستار عنها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في احتفالية كبرى لإنقاذ معبدي رمسيس الثاني وإعادة إقامتهما في هذا المكان اعتزازا بالتضامن الدولي لإنقاذ تراث الإنسانية وذلك بعد تشييد السد العالي لتحقيق الرفاهية والرخاء لشعب مصر وذلك بالتعاون مع هيئة اليونسكو.