خالـد ميــري يكتب: السيسى ـ بوتين.. قمة التاريخ والمستقبل

الكاتب الصحفي خالد ميري
الكاتب الصحفي خالد ميري

قبل أيام كان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى زيارة لمزارع الفاكهة بمنطقة ستوفروبول، فوقف مع المزارعين ليؤكد لهم أنه سيصطحب الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى إلى المزارع ليشاهد إنتاجهم ويمنحه التفاح الروسى وشتلاته هدية.
الواقعة تكشف عن الأهمية الكبيرة التى تمنحها روسيا على كل المستويات لزيارة زعيم مصر والذى وصل موسكو ظهر أمس، زيارة تأتى فى ذكرى مرور ٧٥ عاما على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، اليوبيل الماسى لأول سفارة روسية بمنطقة الشرق الأوسط والتى أقيمت بالقاهرة عام ١٩٤٣، زيارة تأتى بعد أيام من احتفالات مصر بالذكرى ٤٥ للنصر المعجزة الذى حققه الجيش المصرى فى ٦ أكتوبر ١٩٧٣.. وهى المعركة التى اعتمد الجيش المصرى خلالها فى الأساس على السلاح الروسى.
الزيارة التاريخية تحتفى خلالها روسيا بزعيم مصر عبدالفتاح السيسى كما لم تحتف بأى زعيم قبله، فهى أول زيارة لرئيس أجنبى يتنقل خلالها بين مدينتين هما موسكو وسوتشى، ويجمع الإعلام الروسى الذى لا يتوقف عن الحديث عن الزيارة منذ أيام ان بوتين حريص على إظهار الحفاوة الكبيرة بالضيف المصرى الكبير خلال القمة التى ستجمعهما غدا فى سوتشى، كما أن رئيس الوزراء الروسى ميدفيديف حرص على أن يتم اللقاء الذى سيجمعه برئيس مصر فى منزله الخاص خارج موسكو للتعبير عن الحفاوة الكبيرة، واليوم سيكون الزعيم السيسى هو أول رئيس فى العالم يلقى كلمة أمام مجلس الفيدرالية الروسى وهو الغرفة الأعلى فى البرلمان، وبعد الكلمة التاريخية يجتمع الرئيس السيسى مع رئيسة المجلس الفيدرالى وعدد من الوزراء والنواب.
منذ وصولنا موسكو نلمس الحفاوة بزيارة زعيم مصر فى كل وسائل الإعلام الروسية، وترتيبات الزيارة تكشف الاهتمام غير المسبوق، للتأكيد على أن العلاقات الثنائية والتى شهدت طفرة كبيرة منذ ثورة ٣٠ يونيو العظيمة تسير بخطوات ثابتة إلى الأمام على كل المستويات اقتصادية وتجارية وأمنية وعسكرية وسياحية.
القمة التى ستجمع السيسى وبوتين غداً هى اللقاء التاسع الذى يجمع الزعيمين الكبيرين خلال ٥ سنوات فقط، حيث كان اللقاء الأول فى موسكو فبراير ٢٠١٤ وكان الرئيس السيسى وقتها وزيراً للدفاع، وكانت أول قمة للرئيسين فى أغسطس ٢٠١٤ فى سوتشى وكانت أول زيارة لزعيم مصر إلى بلد غير عربى بعد انتخابه للولاية الأولى، بعدها زار بوتين القاهرة فى فبراير ٢٠١٥، وزار السيسى موسكو ٩ مايو ٢٠١٥ للمشاركة فى احتفالات روسيا بالذكرى الـ ٧٠ لنصر الحرب الوطنية العظمى، كما زار السيسى موسكو فى أغسطس ٢٠١٥، ثم جمع الزعيمين لقاءان فى الصين.. الأول سبتمبر ٢٠١٦ فى قمة العشرين والثانى سبتمبر ٢٠١٧ فى قمة البريكس، وبعدها زار بوتين القاهرة فى ديسمبر ٢٠١٧.
الزيارة التاريخية لموسكو وسوتشى هذه المرة تأتى والشراكة الاستراتيجية بين البلدين والتعاون فى كل المجالات يسير إلى الأمام بكل قوة، فمحطة الضبعة النووية التى تنفذها روسيا لصالح مصر تسير وفق الجدول المحدد لها ليتحقق أخيراً حلم مصر فى امتلاك تكنولوجيا نووية تمكننا من توليد الكهرباء، وبعد عودة الطيران بين القاهرة وموسكو فى أبريل الماضى ثبت نجاح عودتها وبدأت شركتا مصر للطيران وإيروفلوت الروسية التفكير فى زيادة عدد الرحلات بسبب الإقبال الكبير، والمؤكد أن عودة رحلات الشارتر من موسكو لشرم الشيخ والغردقة معروض على جدول أعمال القمة، كما أن حركة التبادل التجارى بين البلدين تسير بوتيرة متسارعة ووصلت إلى ٦٫٧ مليار دولار لتصبح مصر الشريك العربى الأول لروسيا تجاريا وتستحوذ على ٣٤٪ من جملة تجارة روسيا مع الدول العربية، كما أن موسكو بدأت الاستعداد لبدء العمل بالمنطقة الصناعية الروسية بقناة السويس وهى أول منطقة صناعية روسية خارج روسيا، ويشارك فيها ٦٠ شركة روسية باستثمارات ٧ مليارات دولار وستوفر ٣٥ ألف فرصة عمل ويبدأ التنفيذ خلال شهور ويستمر العمل بها حتى ٢٠٣١، والحقيقة أن الشركات الروسية وجدت أن رسوم العمل والاستثمار بمصر تتراوح من صفر إلى ١٠٪ بينما فى أى دولة بالعالم تتراوح من ٤٠ إلى ٥٠٪ بما يؤكد أن مصر أصبحت سوقاً جاذبة للاستثمار العالمى بشكل كبير.. وكان الرئيس السيسى حريصاً فور وصوله إلى موسكو على لقاء مجلس الاتحاد الأوراسى ورؤساء كبرى الشركات الروسية الذين أكدوا حرصهم على الاستثمار بمصر.
وفى نفس الوقت تشهد العلاقات العسكرية تعاوناً كبيراً حيث تحصل مصر على أحدث الأسلحة من روسيا والتعاون الأمنى بين البلدين كبير خصوصا فى مواجهة الإرهاب، وسبق أن شارك البلدان فى توقيع عدة اتفاقات سلام لتخفيض حدة التوتر فى المناطق الملتهبة بسوريا، وهناك تنسيق وتشاور مستمر حول كافة قضايا المنطقة والعالم.
فى القرن التاسع عشر بدأت العلاقات بين مصر وروسيا ثقافيا وعام ١٩٤٣ بدأت العلاقات الدبلوماسية، بعدها كان الصديق الروسى مخلصا وهو يساند مصر فى بناء السد العالى ومصانع الحديد والصلب والألومنيوم وتسليح الجيش المصرى حيث كانت أول صفقة أسلحة عام ١٩٥٥ وبعد هزيمة يونيو ١٩٦٧ ساهمت روسيا بشكل كبير فى تسليح الجيش المصرى.. وبعد انتصار أكتوبر المجيد ظلت العلاقات مع روسيا قوية لكنها شهدت طفرة هائلة ابان ثورة ٣٠ يونيو المجيدة ووصول الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الحكم، ونتذكر جميعا وجود صور للرئيس الروسى بوتين فى ميدان التحرير خلال أيام الثورة.. حيث كان الشعب المصرى قد سئم التدخلات الغربية فى مسارات حياته ومساعدة أمريكا وأوروبا وقتها لجماعة الإخوان الإرهابية.
ومنذ وصول الزعيم عبدالفتاح السيسى للحكم كان القرار بأن السياسة المصرية مستقلة ولم ولن تكون تابعة، سياسة منفتحة على كل العالم فى إطار الاحترام والصداقة والمصالح المشتركة بما يحقق مصالح مصر وشعبها، ولهذا كانت الدفعة القوية للعلاقات المصرية ـ الروسية، مع الحفاظ على علاقات استراتيجية وقوية مع أمريكا والصين وأوروبا، نعم مصر ـ السيسى تحتفظ بعلاقات قوية واستراتيجية مع الجميع، وأينما كانت مصالح مصر وشعبها يتوجه الرئيس السيسى، ففى بداية سبتمبر كان الرئيس فى الصين تجمعه قمة ناجحة مع بينج وفى النصف الثانى من سبتمبر كان السيسى فى نيويورك لتجمعه قمة الصداقة والتعاون مع ترامب، وغداً القمة المهمة مع بوتين.. نعم خلال شهر واحد التقى الرئيس فى ثلاث قمم ناجحة مع بينج وترامب وبوتين، هذه هى مصر ـ السيسى التى يحترمها العالم ويحرص على التعاون معها، مصر مستقلة القرار والإرادة والتى يبحث زعيمها عن مصالح شعبها مع كل دول العالم شرقاً وغرباً.
الزيارة الحالية لزعيم مصر إلى روسيا تؤكد أن العلاقات الاستراتيجية والشراكة الكاملة بين البلدين تسير فى طريقها الصحيح وتحقق مصالح الشعبين، وأن آفاق المستقبل تحمل الكثير من فرص التعاون ودفع العلاقات إلى الأمام اقتصادياً وتجارياً وعسكرياً وأمنياً. والزعيمان السيسى وبوتين حريصان على منح قوة دفع إضافية للعلاقات إلى الأمام، علاقات تستند لتاريخ طويل وعريق يجمع البلدين والشعبين، ويؤكد الحاضر أن مستقبل العلاقات مشرق بفرص التعاون التى تحمل معها الخير للشعبين الصديقين.
من تحت قبة الفيدرالية الروسية يتحدث السيسى اليوم كأول زعيم عالمى، وغداً قمة النجاح والمستقبل تجمعه مع بوتين، وتظل الصداقة المصرية الروسية عنواناً واضحاً لتحقيق مصالح الشعوب فى إطار من الصداقة والاحترام.