رئيس اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية بوزارة الصحة

حوار| «دوس»: بعد مبادرة القضاء على فيروس «سى».. معهد الكبد «هيشوفوله حاجة تانية»

جانب من الحوار
جانب من الحوار

منذ سنوات ليست بعيدة، كان العالم يتحدث عن مصر كواحدة من أعلى دول العالم فى انتشار فيروس سى، لكن الآن يتحدثون عن أول مرشحة للقضاء على فيروس سى، ومع انطلاق المبادرة الرئاسية للقضاء على الفيروس، بدأ الحلم يتحول إلى حقيقة بإعلان مصر خالية من الفيروس خلال عامين.

 

فى حوار خاص لـ«لأخبار» يشرح د. وحيد دوس، رئيس اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية بوزارة الصحة، كيف تحولت مصر من دولة تصنف فى قائمة أعلى دول العالم فى نسب الإصابة إلى دولة يقتدى العالم بتجربتها فى مكافحة الفيروس، ومرشحة لتصبح أول دولة تقضى على فيروس سي، ويتحدث أيضا عن تغيير شكل خريطة أمراض الكبد فى مصر بعد القضاء على سى، وأمراض الكبد الجديدة التى ينبغى مواجهتها.

 

 

> قبل أن تحدثنى عن تغير خريطة أمراض الكبد فى مصر بعد القضاء على فيروس «سى».. نريد أن نعود بذاكرتنا اربعة أو خمسة أعوام لنستعرض أحوال مرضى فيروس «سى» فى مصر قبل ظهور العقاقير الحديثة والتزام مصر بتوفيرها لمرضاها؟

- ببساطة شديدة قبل عام 2014 كانت تكلفة علاج مريض فيروس «سى» بالإنترفيرون 480 جنيهاً للحقنة، والكورس العلاجى للمريض الواحد يكلف الدولة أكثر من 25 ألف جنيه، وكانت نسبة الشفاء بهذا العلاج وقتها لا تتجاوز الـ50%، بالاضافة إلى أعراضه الجانبية القاسية التى كانت تمنع الكثير من المرضى من إتمام العلاج، وبعد اكتشاف السوفالدى منذ حوالى 4 سنوات ونجاحنا فى التفاوض مع الشركات المنتجة لخفض سعره.

 

الآن أصبح العلاج يتكلف 2500 جنيه للكورس العلاجى، بنسبة شفاء 90%، ومع ظهور العقاقير الأحدث والسماح للشركات المحلية بالمشاركة فى التصنيع.. أصبح لدينا علاج فعال بدون أعراض جانبية ويكلف الدولة 800 جنيه للمريض الواحد.. ونسب نجاحه تتجاوز 95%.. وهو إنجاز ضخم يحسب للقيادة السياسية لوجود إصرار حقيقى على القضاء التام على الفيروس.

 

> ما هى أهداف المسح الضخم الذى بدأ أول أكتوبر؟

الهدف الأساسى من المسح القومى الذى بدأته وزارة الصحة منذ أيام قليلة هو القضاء على فيروس سى من خلال اكتشاف المرضى الذين لا يعرفون حقيقة إصابتهم وبدء علاجهم فورا على نفقة الدولة، حيث أكدت الوزارة على علاج جميع المواطنين الذين يثبت إصابتهم بالفيروس بغض النظر عن مظلتهم التأمينية والعلاجية.. والمسح يأتى فى إطار مبادرة الرئيس السيسى للقضاء على فيروس سى، وحرص الدولة على الدعم الحقيقى لهذا الملف والذى أدى لتحقيق العديد من الانجازات خلال السنوات القليلة.

 

فحتى عام 2015 كانت الأرقام تشير إلى وجود خمسة ملايين مواطن يحملون الفيروس (5% من المصريين تقريبا)، وقد انتهينا خلال عام 2018 من علاج 2 مليون مواطن.. ولايزال هناك حوالى 3 ملايين لا يعلمون بإصابتهم.. وهم من نريد اكتشافهم وعلاجهم من خلال المسح الجديد لتصبح مصر خالية من الفيروس خلال عامين.. بالإضافة إلى أن المسح أيضا يستهدف الكشف عن الأمراض السارية كالضغط والسكر.

 

 

وقررت وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد استغلال كافة إمكانيات وزارة الصحة فى المستشفيات والوحدات الصحية فى القرى والنجوع للوصول إلى جميع الفئات، مع استخدام تقنية الفحص السريع وهى تقنية حديثة معتمدة من منظمة الصحة العالمية.. وتعتمد على أخذ نقطة دم واحدة من المريض وتحليلها لتظهر النتيجة فورية خلال خمس دقائق، فإذا كانت نتيجة الفحص سلبية نعطى المواطن شهادة تفيد خلوه من الفيروس، أما إذا كانت إيجابية فنستكمل بتحليل «بى سى آر».. ثم يتم تحويله لأحد المراكز التابعة للوزارة لتلقى الخدمة العلاجيةعلى نفقة الدولة. ويؤكد أن هذه التقنية تعد بديلا أسهل وأسرع وأقل تكلفة للطريقة التقليدية التى تتطلب أخذ عينة من الوريد يقوم بها فنيون مدربون.. وتستغرق وقتاً طويلاً لظهور النتيجة.

 

> ماذا عن حجم الإنجاز الذى تحقق؟

 

حتى الآن تم علاج 2 مليون حالة بالفعل، ونستهدف علاج باقى الحالات (حوالى 3 ملايين) خلال العامين القادمين، والحمد لله فقد أشاد العالم بتجربتن، وطلبت منظمة الصحة العالمية أن نكون نموذجا يحتذى به فى القضاء على فيروس سى، والصحف العالمية أيضا تتحدث عنا والنيويورك تايمز على سبيل المثال وضعتنا فى صفحتها الأولى، وفى مايو الماضى أشادت مجلة «ذى أتلانتك» الأمريكية بتجربة مصر الرائدة فى علاج فيروس سى وكتبت تقريراً بعنوان «لماذا مصر رائدة فى علاج فيروس سى.

 

وقالت المجلة فى تقريرها، إن دولا لديها موارد أكبر من مصر لم تستطع أن تحقق مثل هذا التقدم الذى أحرزته القاهرة ضد المرض، فخلال السنوات الثلاثة الأخيرة تم علاج 2 مليون مريض من مرضى «سى».. وهو أكثر من جميع المرضى الذين تم علاجهم خلال نفس الفترة فى الولايات المتحدة وأوروبا.

 

> أتصور أن تتغير خريطة أمراض الكبد فى مصر بعد الانتهاء من علاج مرضى فيروس سى، فكيف ترى شكل الخريطة الجديد؟

- بالفعل ستتغير الخريطة وسيشهد تخصص أمراض الكبد فى مصر تغيراً كبيراً، فمثلا معهد الكبد «هيضطروا يشوفوا له حاجة تانية»، فبعد أن كان يستقبل يوميا ألف مريض أصبح الآن يستقبل 30 مريضا فقط كل يوم بعد نجاح مبادرة الرئيس فى القضاء على الفيروس، وأنصح الأطباء الشباب الآن بالتركيز على أمراض الجهاز الهضمى الأخرى مثل أمراض الكبد المناعية المرتبطة بالقناة المرارية وارتجاع المرىء والكبد الدهنى.

 

> ولكن هناك فئة من المرضى لم تستجب للعلاج بالعقاقير الحديثة.. فما هو مصيرهم؟

- فعلا هناك حالات لم تستجب.. مثل حالات تليف الكبد المتقدم مع وجود استسقاء فهذه الحالات لا علاج لها حتى الآن سوى زرع الكبد، أما حالات التليف البسيط فأصبح من الممكن علاجها بالعقاقير الحديثة.. وهو إنجاز تاريخى.. وفى نفس الوقت فالعلم يتقدم كل يوم فى هذا المجال.. وهناك أدوية حديثة جديدة ستساعد بعض فئات المرضى التى لم تستجب للعلاج.. ونستعد حالياً لدراستها وبدء التفاوض على دخولها مصر.

> وماذا عن حالات زرع الكبد؟

- لازال هناك مرضى يحتاجون زراعة الكبد، ونجرى حالياً حوالى 400 جراحة سنوياً تتكلف الواحدة 250 ألف جنيه، تتحمل منها الدولة مائة ألف، وتتحمل منها الجمعية المصرية لرعاية مرضى الكبد مائة ألف أخرى.

 

> وما هو أخطر مرض يهدد كبد المصريين بعد فيروس سى؟

- الكبد الدهنى الذى زادت نسبة انتشاره أخيراً بسبب السمنة وسوء العادات الغذائية والتدخين والكحوليات، وخطورته أنه يمكن أن يؤدى إلى تليف الكبد، لكن فى المقابل علاجه سهل من خلال علاج السمنة.

 

> رغم نجاح العقاقير الحديثة فى تحقيق الشفاء التام للمرضى.. إلا أن حاملى الأجسام المضادة لفيروس سى لا يزالون يعانون الاستبعاد من سوق العمل وخاصة فى الخارج.. فهل وجود الأجسام المضادة يعنى أن الشخص لا يزال مريضا؟

- إطلاقا، فمجرد وجود أجسام مضادة للفيروس فى الدم لا يعنى أن الشخص مريض، فالأجسام المضادة تبقى فى الدم حتى بعد الشفاء، وظهورها فى التحليل قد يعنى أن الفيروس دخل فى وقت ما وتم القضاء عليه سواء بالعلاج أو تلقائيا، والفيصل الحاسم فى كشف الإصابة بالمرض هو تحليل «بى سى آر» الذى يكشف إن كان الشخص لايزال مريضا أم لا.

 

الحقيقة أن التمييز فى سوق العمل ضد فيروس سى هو بالفعل مشكلة كبيرة يتعرض لها شبابنا وخاصة فى الخارج.. ونحن ندعو وزارة الخارجية لمخاطبة الجهات المسئولة فى الدول المختلفة بعدم التمييز ضد فيروس سى طالما تم شفاء المريض، كما ندعو لاعتماد شهادات الشفاء التام من فيروس سى فى السفارات الأجنبية وقد يحتاج الأمر تدخل جامعة الدول العربية مع مجلس وزراء الصحة العرب لإنهاء هذه المسألة نهائياً وتمكين العمال من السفر بشكل طبيعى للعمل فى الخارج.

 

> كيف ترى أهمية قانون التجارب السريرية الذى أعاده الرئيس لمجلس النواب لإعادة الدراسة؟

- إعادة قانون التجارب السريرية للبرلمان تعنى حرص الرئيس على خروجه فى أفضل صورة، وأنا أشعر بسعادة كبيرة لاهتمام الدولة بهذا القانون، وأتمنى خروجه فى أفضل صورة، والتجارب السريرية مهمة جدا لتطوير العلاج ورفع نسب الشفاء لأن كل بلد له مشكلاته الصحية التى تختلف عن أى بلد آخر.

 

المفروض أن تكون لها أبحاثها وتجاربها الخاصة المرتبطة بهذه المشكلات.. بشرط أن تتم بضوابط دقيقة وأن تتم الموافقة عليها أولا من لجنة أخلاقيات البحث العلمى، وعلى سبيل المثال فإن نوع فيروس «سى» المنتشر فى مصر يختلف عن الأنواع التى تنتشر فى الدول الأخرى.. وعند ظهور عقار جديد لا يجب أن نكتفى بنتائج الأبحاث التى أجريت فى أماكن أخرى، بل لابد أولا أن نتأكد من صلاحيته لمرضانا..لأن ما يصلح للمرضى فى دول أخرى قد لا يصلح للمرضى فى مصر.. والعكس صحيح.

 

> القضاء على فيروس سى خلال عامين.. حلم أم وعد؟

- وعد نلتزم به تنفيذا لمبادرة الرئيس السيسى، ويدعمنا فى ذلك وجود ارادة سياسية حقيقية وحرص وزارة الصحة على تذليل كل الإمكانيات ونحن كلجنة تابعة لوزارة الصحة وبالتعاون مع كل الجهات نسابق الزمن لتنفيذ هذه المبادرة، والحمد لله فقد أصبحت مصر الآن أول دولة فى العالم مرشحة للقضاء على فيروس سى، وذلك بفضل تكاتف الجميع، فهدفنا جميعا خدمة المرضى وأن تصبح مصر خالية من فيروس سى بحلول عام 2020 وبعد أن يتحقق هذا الأمل أتمنى أن تتكرر هذه التجربة مع باقى الأمراض.

 

 
 
 

احمد جلال

محمد البهنساوي