«الأسباب حاضرة والحلول غائبة»| التسرب من التعليم.. شبح يطارد أكثر من مليون طالب

تسرب الطلاب من التعليم - صورة تعبيرية
تسرب الطلاب من التعليم - صورة تعبيرية

- خبراء: الفقر والزواج المبكر والشك في جدوى التعليم والبطالة والتفكك الأسري أبرز الأسباب

- القروض التعليمية وتحقيق التنمية وإيجاد فرص عمل وتفعيل الأنشطة بالمدارس وتغيير ثقافة الأسرة.. أهم الحلول

- مدارس الجمعيات الخيرية تعالج ابتعاد المدارس عن سكن الطلاب.. لكنها ليست كل الحلول

- «الإحصاء»: أكثر من مليون متسرب من التعليم.. والجيزة وأسيوط وسوهاج في المراتب الأولى

- القانون ينص على إلزامية التعليم ومجانيته في مراحل ما قبل الجامعي

 

كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عن تقرير صادم خلال الأيام القليلة الماضية، حول ارتفاع نسبة التسرب من التعليم في مصر لعام 2017، والتي بلغت  نحو مليون ومائة ألف متسرب من التعليم، لتحتل مصر المرتبة الأولى عربيًا في ظاهرة الأمية منذ عام 2014 وحتى الآن.

 

وأظهر التقرير، أن أكثر من 200 ألف متسرب من التعليم بسبب ظروف مادية، فيما بلغ عدد الطلاب المتسربين من التعليم بسبب صعوبة الوصول للمدرسة 58.2 ألف متسرب، و211.9 ألف متسرب آخر بسبب عدم رغبة الأسرة، فيما حرم الزواج المبكر نحو 71 ألف طالب من استكمال تعليمهم.

 

ووفقًا لتقرير الإحصاء، فإن محافظة البحيرة كانت أكثر المحافظات التي يعاني طلابها من صعوبة الوصول للمدارس، تليها محافظة الجيزة، وأسيوط، بينما جاءت محافظة الجيزة في صدارة المحافظات الأعلى تسربًا من التعليم بسبب الظروف المادية، تليها محافظة سوهاج.

 

في هذا السياق، استطلعت «بوابة أخبار اليوم» آراء خبراء التعليم والتربية حول أسباب التسرب من التعليم، وخطورتها على المجتمع وما ينتج عنها من أمراض اجتماعية آخري، وعلاج تلك الظاهرة، وجدوى المدارس التي تنشأها الجمعيات الخيرية كـ«مؤسسة مصر الخير» بالمحافظات، والقانون الذي ينص على إلزامية التعليم في مصر.

 

المشكلة والحل

 

في البداية يقول الدكتور كمال مغيث، الأستاذ بالمركز القومي للبحوث التربوية والخبير التربوي، إن مشكلة التسرب من التعليم مشكلة قديمة ولها أسبابها المعلومة كما ورد بتقرير الجهاز المركزي للإحصاء، واتفق معها تماما كالظروف المادية الصعبة وعدم رغبة الأسرة وصعوبة الوصول للمدرسة والزواج المبكر، بالإضافة إلى أن هناك أسبابا تتعلق بالشك في قيمة العملية التعليمية نفسها، وفي ضوء انتشار البطالة من المنطقي أن أي أسرة فقيرة تسأل «ما جدوى التعليم؟»، الكل يتساوي في قيادة «التوكتوك»، وما العائد من مصروفات المدارس على الزى المدرسي والأدوات المدرسية والدروس الخصوصية.

 

وتابع أنه بالنسبة للفتيات فالأسرة تفضل تعليم الولد عن البنت، حسب عادات «البنت مصيرها البيت»، مضيفا أن بُعد المدرسة في ظل ظروف أمنية غير مستقرة يساهم في ازدياد التسرب من التعليم، وكذلك التعليم نفسه غير فعال فمثلا يصل الطالب للمرحلة الثالثة الابتدائية ولا يستطيع كتابة اسمه، فيلجأ والده لخروجه من المدرسة.

 

وأوضح الدكتور «مغيث»، أنه من أبرز الأسباب أن المدرسة نفسها غير جذابة فالمعلمين لم يعودوا مرحبين بالطلاب لظروف نفسية صعبة والفصول ذات كثافات طلابية كبيرة.

 

وأشار إلى أن جوهر المشكلة هو هل تزيد أعداد المتسربين من التعليم أم تقل؟ في النظم التعليمية المحترمة بالدول من المفترض أنها تقل حتى تصبح في سبيلها للانتهاء، لكن في مصر للأسف الشديد الأعداد تزيد في ضوء الفقر المتزايد ومصروفات الدراسة المرتفعة والتدهور في المنظومة التعليمية.

 

ولفت إلى أن علاج المشكلة في خطط تنمية حقيقية وناجحة ومنتشرة في مختلف أقاليم مصر، ودعم الاستثمار لخلق فرص عمل للشباب والقضاء على البطالة، حتى يشعر الطلاب بجدوى التعليم، وأنهم سيجدون فرص عمل في المستقبل، مضيفا أن المدرسة يجب أن تكون جذابة بممارسة الأنشطة الرياضية والفنية والمسرحية وفي ذات الوقت تحقق له الاستفادة العلمية حتى يستغنى عن الدروس الخصوصية.

 

وشدد على ضرورة أن تتبنى الدولة «القروض التعليمية» كباقي الدول الأوربية، إذ تحصل الأسرة على قرض «حسن» بهدف التعليم من بنوك قائمة على ذلك الأمر، وعند التخرج تساعده الدولة على إيجاد فرصة عمل، ومن مرتبه يسدد 5% للقرض التعليمي الذي تعلم منه.

 

وألمح إلى أن المدارس التابعة للجمعيات الخيرية وأبرزها مؤسسة مصر الخير تساهم في القضاء على التسرب من التعليم، لكننى لست مع التعويل عليها بشكل كامل لحل المشكلة.  

 

واتفق معه الدكتور محمد عبد العزيز، الأستاذ بكلية التربية جامعة عين شمس والخبير التربوي، أن مشكلة التسرب من التعليم تعتبر مسئولية المؤسسات التعليمية والمحافظين ووزارات التخطيط والتضامن والثقافة، وكلهم مشاركين فيها لعدم وجود خطة واضحة للتعليم، ومستقبل للخريجين.

 

وتابع الدكتور «عبد العزيز»، أن الأسر في المناطق التي سجلت أعلى نسب للتسرب فقدت الثقة في التعليم، فتجد الأسر تعزف عن تعليم أبنائهم، وتفضل أن يتعلم الطفل حرفة، ويعمل ليزيد دخل الأسرة، حيث تعتبر الأطفال هناك مصدر لزيادة دخل الأسرة بسبب العوز الاجتماعي، وارتفاع تكلفة التعليم في ظل المجانية الوهمية.

 

وأضاف أن تسرب البنات في بعض البيئات بسبب الزواج المبكر، وهذا لأسباب ثقافية أو عوز اجتماعي للأسر، وهناك أسباب للتسرب ترجع إلى الطفل ذاته لنفوره من التعليم، بسبب الفقر والذي يترتب عليه سوء التغذية، مع مناهج هزيلة ومعلمين في أغلب حالاتهم غير مؤهلين أو غير جادين نظرا لتدني رواتبهم، وتواجدهم داخل بيئات تعليمية فقيرة لا تمكنهم من زيادة دخولهم، ومدارس في أغلبها غير أدمية، مما ينعكس على المناخ التعليمي فيفقد  الطفل القدرة على التحصيل فيصاب بعدم القدرة على التعلم بصورة مزمنة.

 

ولفت الأستاذ بكلية التربية جامعة عين شمس، إلى أن البيئة التعليمية المنفرة كازدحام الفصول الدراسية، مع فقدان الدور الحقيقي للأخصائي الاجتماعي والنفسي، والخلط بين دور كل منهم وعدم توافق نسبتهم مع المعدل العالمي بالنسبة لعدد التلاميذ، وانتشار التنمر «العنف المدرسي»، وكذلك التفكك الأسري، وغياب الظهير الاجتماعي للمؤسسات المعنية التي تحمي الأطفال في حالات التفكك الأسري.

 

وألمح إلى تسرب الآلاف من طلاب المدارس الفنية، والتي تبلغ نسبتها حوالي 49% من التعليم الثانوي، إذ لا يحصلون على خدمة تعليمية حقيقية، فليس التسرب هو ذلك الذي ترك التعليم مبكرا بل أيضا من التحق وتسرب ثم حصل على شهادة دون أي مردود.

 

وأوضح الخبير التربوي، أن تحقيق التنمية يساهم في الحد من تسرب الطلاب، وكذا تفعيل دور المحافظين والجهات المعنية لعلاج هذه الظاهرة، مضيفا أن خلق منظومة تعليمية هادفة تتضافر فيها كل الجهات المعنية والإعلام لتغيير مفهوم وفلسفة التعليم لبناء إنسان نافع لنفسه ولمجتمعه وقادر على الالتحاق بسوق العمل، لافتا إلى تغيير  ثقافة الأسرة نحو أهمية التعليم.

 

مخاطر التسرب من التعليم

 

واستطرد الدكتور «عبد العزيز»، أن ظاهرة التسرب من التعليم ينتج عنها العديد من المشكلات المجتمعية؛ منها انتشار البطالة حيث لن يتمكن المتسرب من الالتحاق بالعمل، فيصبح عضو غير هادف وفاعل في المجتمع، وبالتالي يقع ضحية الفقر، وتستقطبه الجماعات الإرهابية  وعصابات التهريب والمخدرات وغيرها، فيزداد معدل الجريمة والتفكك الأسري وأطفال الشوارع.

 

مدارس الجمعيات الخيرية

 

ولفت إلى أهمية دور المدارس المجتمعية التي تنشأها الجمعيات الخيرية، مضيفا أنها خطوة جيدة لحل بعض النقاط كمشكلة بُعد المدارس عن سكن التلاميذ، ولكنها لابد أن تكون وفق معايير محددة تهدف إلى محو الأمية القرائية والثقافية بكل جوانبها ولا تتوقف عند مجرد حجرات دراسية تهدف إلى تعليم القراءة والكتابة فقط.    

 

قانون إلزامية التعليم

 

يشار إلى أن قانون التعليم رقم 139 لسنة 1981، ينص على أن «التعليم إلزامي ومجاني في مرحلتا التعليم قبل الجامعي، وتشمل مرحلة التعليم الأساسي وتتكون من حلقتين الابتدائية والإعدادية، ويهدف التعليم إلى تكوين الطفل علميًا وثقافيًا وروحيًا وتنمية شخصيته ومواهبه وقدراته العقلية».