الاستفتاء الثاني.. بين المطالب والترجيحات لرسم مستقبل بريطانيا مع الاتحاد الأوروبي

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

مضى أكثر من عامين على استفتاء انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، الذي كان في يونيو من عام 2016، والذي صوّت خلاله البريطانيون لصالح إنهاء الصلة مع التكتل الأوروبي الأعرق في القارة العجوز، لتبدأ من بعد ذلك مرحلةً جديدةً تتعلق بالمفاوضات بشأن آلية خروج بريطانيا من تكتل بروكسل.

وبعد مداولاتٍ بدأت من يونيو العام الماضي، ومضت عليها الآن أكثر من خمسة عشر شهرًا، لم يتوصل الاتحاد الأوروبي إلى اتفاقٍ بعد مع بريطانيا بشأن مرحلة ما بعد الانسحاب، كما أن فواتير الخروج عن الاتحاد الأوروبي تبدو باهظةً على بريطانيا، في ظل إصرار بروكسل على عدم إعفاء لندن من التزاماتها المالية للاتحاد، المتفق عليها مسبقًا.

تفاوض مع الاتحاد الأوروبي

وقد حثت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي قادة الاتحاد الأوروبي خلال قمة غير رسمية اليوم الأربعاء على أن يحذوا حذوها ويعدلوا مواقفهم التفاوضية في محادثات انسحاب بريطانيا من التكتل بهدف التوصل إلى اتفاقٍ جيدٍ.

ومن جانبه قال رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، إنه سيدعو إلى قمة إضافية لقادة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في غضون منتصف نوفمبر المقبل لإنهاء الاتفاق مع بريطانيا حول خروجها من الاتحاد.

وقد عزا توسك ذلك إلى استعداد المملكة المتحدة للعمل عن قرب مع الاتحاد الأوروبي في مجالات الأمن والسياسة الخارجية بعد الخروج، لكنه شدد على أن اقتراحات ماي بشأن الحدود المستقبلية مع أيرلندا والتعاون الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ستحتاج إلى إعادة صياغة ومزيد من التفاوض حولها.

لكن في الوقت ذاته، نقل مسؤولٌ أوروبيٌ عن رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، الذي يعتبر بمثابة رئيس وزراء لدول الاتحاد الأوروبي مجتمعين، قوله إن الاتفاق مع بريطانيا لا يزال بعيد المنال، حسب رأيه.

الاستفتاء الثاني مطروح

وفي ضوء هذه المعطيات، تتنامى مسألة إعادة الاستفتاء على انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، والتي أشار إليها وزير المالية البريطاني ميل سترايد في وقتٍ سابقٍ اليوم، خلال لقاءٍ مع شبكة "سكاي نيوز"، متحدثًا عن أن بريطانيا قد ينتهي بها المطاف إلى إجراء استفتاء ثانٍ على عضويتها في الاتحاد الأوروبي إذا رُفضت خطة ماي بشأن ترتيبات الخروج من الاتحاد.

وقبل يومين، دعا رئيس بلدية لندن صادق خان، الذي ينتمي لحزب العمال المعارض، إلى إجراء استفتاء آخر على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ليدعم بذلك فكرة أُطلق عليها "تصويت الشعب".

وكتب خان في صحيفة أوبزيرفر منتقدًا تعامل الحكومة مع مفاوضات الخروج من الاتحاد، وقال إن التهديد الذي يواجه مستويات المعيشة والاقتصاد والوظائف كبير جدًا بدرجة تستدعي أن يكون للمواطنين صوت بهذا الشأن.

وأضاف خان في الصحيفة "هذا يعني إجراء تصويت شعبي على أي اتفاق حكومي يخص الخروج من الاتحاد أو إجراء تصويت على عدم التوصل إلى اتفاقٍ إلى جانب خيار البقاء في الاتحاد الأوروبي".

وطبقًا لاتفاقية البريكست الخاصة بخروج بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، فإن بريطانيا ستكون خارج التكتل الأوروبي بحلول التاسع والعشرين من مارس عام 2019، حتى ولو لم يتم التوصل لاتفاقٍ بين لندن وبروكسل حول القضايا العالقة بينهما.

وإلى الآن، لم يتوصل الجانبان لأي اتفاق، ولا تزال المفاوضات بينهما في حالة متعثرةٍ، ولا ترضي الطرفان، واستدعت استقالة وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون والوزير البريطاني لشئون الانسحاب من الاتحاد الأوروبي ديفيد ديفيز، احتجاجًا على ما اعتبراه تنازلاتٍ قدمتها رئيسة الوزراء تيريزا ماي، خرجت عن مسار مصالح بريطانيا من الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.

ووسط هذه الضبابية التي تشهدها بريطانيا على وقع عدم وضوح المشهد بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يبقى الاستفتاء من جديدٍ على مسألة خروج بريطانيا من التكتل أو على الخطة الخاصة بمرحلة ما بعد الانسحاب، حلًا أمثلًا يراه السياسيون في المملكة المتحدة.

واستبعدت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في أكثر من مرة إجراء استفتاء آخر حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقالت إن أعضاء البرلمان سيصوتون على ما إذا كانوا سيقبلون أي اتفاقٍ نهائيٍ، دون اللجوء إلى استفتاءٍ شعبيٍ.

وستكشف الأيام المقبلة النقاب على ما سيؤول إليه الوضع في بريطانيا، وهل بالفعل سترضخ ماي لحل الاستفتاء الثاني للتخلص من معضلة المباحثات مستعصية الحل إلى الآن؟