حكايات من السجون| لغز المرأة الأفعى

المتهمة
المتهمة

وقفت المرأة الأفعى داخل القفص الحديدي بمحكمة الجنايات، تنتظر دورها في الرول وسط القضايا العديدة المنظورة، كانت تتمنى أن ينتهي اليوم دون أن تتم محاكمتها.

 

شريط الذكريات
الدموع لم تفارق عينيها، شاردة الذهن، تنظر لعشيقها الجالس بجوارها نظرة حسرة وعتاب، وكأنها تقول له في قراره نفسها ليتك ما دخلت حياتي، ولكنها في نفس الوقت لم تعفي نفسها من مسؤولية ما حدث، نظرت حولها فوجدت كل الحاضرين لجلسة محاكمتها ينظرون إليها نظرة اشمئزاز وضيق، العيون كانت تتربص بها وكأن الجميع لدية "تار بايت" معها وينتظر لحظة الانتقام، شرد عقلها وهي تسترجع شريط ذكرياتها، وقتها كانت زوجة محترمة وأم لطفل صغير، ثم تبدل بها الحال لتسقط في مستنقع الخيانة والرذيلة وتجارة المخدرات ثم القتل، حياتها شهدت العديد من التقلبات الغريبة والعجيبة لم تكن الظروف وحدها هي من دفعتها لذلك ولكن دفعها لذلك حبها للدنيا وأنانيتها وتفضيلها نفسها على بيتها وطفلها وزوجها وأسرتها. 

 

كوكتيل إجرام
مرت عدة دقائق حتى ارتفع صوت حاجب المحكمة فوق الجميع معلنًا بدء جلسة المتهمة وشريكها، لحظات عصيبة مرت على المتهمين، التزم الجميع الصمت ثم قام ممثل النيابة بتلاوة أمر الإحالة الذي تضمن توجيه تهمتي الاتجار بالمخدرات وممارسة الفجور والرذيلة والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، كان أمر الإحالة كفيلًا بأن يُنزل بالمتهمين أقصى عقوبة ولكن قبل أن تصدر هيئة المحكمة قرارها طلبت المتهمة من رئيس الجلسة أن تتكلم لتروي قصتها. 

 

كتاب حياتي
قبل أن تبدأ بالكلام كانت الدموع تملئ عينيها، والحزن يرتسم على قسمات وجهها، حاولت التماسك أمام هيئة المحكمة ثم بدأت كلامها قائلة، لم تكن الجريمة في حسباني من الأساس ولم أولد مجرمة بطبعي، ظروفي غير الطبيعية هي من دفعتي لأكون الشخص الذي أنا عليه أمامكم حياتي يمكن تقسيمها لثلاثة فصول درامية الفصل الأول منها بدأ منذ إجباري على الزواج من رجل لا أحبه ويكبرني بـ15سنة، والفصل الثاني بدأ بعد هروبي من منزل الزوجية مع عشيقي الذي علمني تجارة المخدرات، أما الفصل الثالث فكان احترافي لتجارة المخدرات واشتراكي في جريمة قتل بعد الخلاف على ثمن صفقة هيروين. 

 

جواز بالعافية
تقول المتهمة بعد حصولي على شهادتي في التعليم المتوسط، بدأ الخطُاب يطرقون بابي، لم أري في أي منهم الزوج الذي يحقق طموحي، إلى أن أصبحت على مشارف العقد الثالث من عمري وقتها أجبرني أبي على الزواج من رجل يكبرني بـ15 عامًا، ومنذ اللحظة الأولى للزواج وأنا أشعر بغربة على هذه الحياة فزوجي كان كثير السفر والترحال بحكم عمله في إحدى الدول العربية، حتى رُزقنا بطفل جميل كان هو قرة عيني، بمرور الوقت شعرت أنني تحولت لنصف زوجة، الوحدة كانت هي مؤنسي، والضيق والهم بدأ يعتريني، احتياجاتي كزوجة تحولت لوحش كاسر ينهش في قلبي ومشاعري، وما زاد الأمر سوءًا مرض زوجي الذي جعله غير قادر على الوفاء بالتزاماته تجاهي كأنثى.

 

وتستطرد المرأة الأفعى قائلة، في هذه الأثناء تعرفت على شخص نجح في أن يملئ الفراغ الذي تركه زوجي، ارتبطت به عاطفيًا ونشأت بيننا قصة حب، بعت من أجله الدنيا كلها، استثمرت فترة وجود زوجي المريض بالقاهرة في أجازة وضحيت بطفلي الوحيد، وتركته وفررت مع عشيقي الذي جعلني ملكه متوجه، صحيح عشت معه أيام في الحرام، لكنها أجمل أيام حياتي كان يغدق علي بالأموال والهدايا وشعرت أنه يحبني من قلبه، لذا استسلمت له عندما طلب مني مساعدته في تجارته للمخدرات وتحولت المخدرات لوسيلة لكسب الأموال الطائلة، حققنا ثروة لا بأس بها، قام عشيقي باستئجار شقه لتكون مستقرًا لنا لعقد لقاءاتنا وصفقاتنا المشبوهة. 

 

وتواصل المرأة الأفعى كلامها قائلة، كان لنا شريك تقتصر مهمته على القيام بعملية التسليم والتسلم، ولكنه خاننا في الصفقة الأخيرة وحصل على عشرات الآلاف دون علمنا، قررنا تأديبه والانتقام منه حيث قمنا باستدراجه لشقة الصفقات المشبوهة وقتلناه جزاء لخيانته لنا، ثم حملنا جثته داخل سيارته النقل وقمنا بإلقائها في إحدى المصارف وبعد عدة كيلو مترات تركنا السيارة تسير بمفردها حتى سقطت في المصرف وغاصت في الأعماق، ثم فوجئنا بعد خمسة أيام من اختفائنا بقوات الشرطة تلقي القبض علينا بتهمة القتل العمد، لكن عقب سقوطنا في قبضة الشرطة كشفت التحريات جرائمنا تباعًا.


مرت دقائق عصيبة قبل أن ينطق رئيس الجلسة بالحكم، ثم أصدر قراره بالسجن المشدد للمتهمة وعشيقها، الآن المتهمة وعشيقها يقضيان فترة العقوبة التي لم تمر منها سوى بضعة سنوات لتصبح قصتها حكاية من حكايات السجون، هذا العالم الذي يختلف تمامًا عن العالم الخارجي.