حكايات| رحلة مصري من «المظاليم» حصد دوري أبطال أوروبا أربع مرات

عمرو وجدي في إحدى لحظات التتويج بدوري أبطال أوروبا
عمرو وجدي في إحدى لحظات التتويج بدوري أبطال أوروبا

تغلّب الحب على ضعف السمع في علاقة عمرو وجدي بكرة القدم، فمارسها منذ طفولته بنادي بيلا - أحد أندية الدرجة الثالثة بمحافظة كفر الشيخ - وكرّس حياته حتى أسمعت أمجاده من كان به صمم، فتحوّل من مجرد لاعب تحدى ظروفه في إحدى مدن الدلتا إلى أيقونة عالمية في الإصرار وصنع مجدًا وتاريخًا يفتخر به.

 

وكأن عالم الساحرة المستديرة أراد أن يقدم في كواليس حكاية عمرو وجدي كل المشاعر المتضاربة والمواقف المؤلمة والفرحة الغامرة منذ بداية رحلته مع كرة القدم.


البداية بجوار «الكابيتانو»

 

على العشب الأخضر لملعب نادي بيلا الرياضي في منتصف التسعينات بدأت فصول حكاية عمرو وجدي ناشئ بيلا المولود في 22 مارس من العام 1980، بجوار زميله في مدرسة الكرة حسام غالي.

 

اقرأ حكاية أخرى إحدى عجائب الرياضة السبع.. مصر تلتهم الديوك وتتوج بطلا لأوروبا

 

4 سنوات قضاها عمرو وجدي يداعب كرة القدم بجوار غالي قبل أن ينتقل الأخير إلى النادي الأهلي ويبدأ رحلة المجد ليصير «الكابيتانو» تاركًا زميله في بيلا، حتى تم تصعيده للفريق الأول المنافس في الدرجة الثالثة، وتحمّل عبء الاستمرار في الملعب متحديًا ضعف السمع، الذي تطلب منه مجهودًا مضاعفًا ليمثل ناديي بيلا على المستوى الاحترافي، وأيضًا كفر الشيخ ضمن منتخب الصم.

 

وشارك عمرو وجدي في مواسم عديدة مع نادي بيلا حتى صعد مع فريقه إلى دوري «الممتاز ب» موسم 2005/06، في إنجاز كبير للمدينة الهادئة، وواصل تألقه وقدم موسمًا جيدًا، لفت إليه أنظار أندية كبرى عديدة في منطقة الدلتا على رأسها المنصورة وبلدية المحلة، لكن ضعف السمع حال دون انتقاله.

 

اقرأ حكاية أخرى| مغامرات التوأم حسن الأوروبية من سالونيكي إلى نيوشاتل

 

فضية كأس العالم

 

طوال 11 سنة من ممارسة كرة القدم على مستوى الفريق الأول لم يستسلم وجدي لعقبة ضعف السمع التي حرمته من الانتقال لأحد الأندية الكبرى، حتى جاء العام 2012 الذي شهد مشاركته مع منتخب مصر لكرة القدم للصم في التصفيات المؤهلة إلى نهائيات كأس العالم.

 

وشارك وجدي بقوة في مرحلة التصفيات وسجل أهدافًا حاسمة، حتى تحقق الحلم وتأهل الفراعنة إلى المونديال في تركيا، وهي البطولة التي شهدت تألقًا كبيرًا للاعب المصري الذي تخطى آنذاك عامه الثاني والثلاثين، فسجّل هدفًا رائعًا في مرمى منتخب ألمانيا وساعد الفراعنة أيضًا لتخطي المنتخب الأوكراني في نصف النهائي بركلات الترجيح.


 

وخسر منتخب مصر المباراة النهائية أمام نظيره التركي مستضيف البطولة بهدف نظيف ليتوج الفراعنة بالميدالية الفضية، ويتلقى عمرو وجدي عرضًا من 3 أندية تركية ويونانية وإسبانية تنافس في دوري أبطال أوروبا لكرة القدم لـ«الصم».

 

اقرأ حكاية أخرى| حسين حجازي.. الأقدار تكتب قصة «الأب الروحي» للكرة المصرية

 

من المظاليم إلى اليونان

 

لم يكتف عمرو وجدي بالتكريم الذي حصل عليه مع منتخب مصر للصم فور عودتهم إلى القاهرة من مختلف الجهات، وعاد إلى مدينة بيلا ليفكر في العروض التي تلقاها خلال مشاركته في المونديال بتركيا، ليحسم أمره بالانضمام لنادي بوك أثينا اليوناني.

 

حزم عمرو وجدي حقيبته، وسافر إلى العاصمة اليونانية أثينا حاملاً أحلامه التي تأخرت كثيرًا، ليشارك مع بوك أثينا في دوري أبطال أوروبا لكرة القدم للصم عام 2014 في صربيا ويتوج باللقب، ويعود في 2015 مجددًا مع الفريق ذاته ليكرر الإنجاز ويرفع الكأس الثانية.


 

ولم يحالف عمرو وجدي الحظ في 2016، بعدما ودع فريقه دوري أبطال أوروبا لكرة القدم للصم في نصف النهائي، لكن الحكاية لم تكن قد انتهت، وكان إصراره أقوى من يهزمه التقدم في العمر بعدما كان قد وصل إلى سن السادسة والثلاثين.

 

لارسيا 2017

 

احتفل عمرو وجدي بعيد ميلاده السابع والثلاثين في مارس 2017، وحزم حقائبه وسافر مجددًا إلى اليونان التي بدأ منها رحلة المجد باحثًا عن اللقب الثالث وتحقيق رقم قياسي جديد، حين تلقى خطابًا يفيد باستضافة اليونان للبطولة في مدينة لاريسا.

 

تألق عمرو وجدي خلال فعاليات البطولة ونجح في قيادة فريقه باقتدار إلى تخطي دور المجموعات ثم دور الثمانية مرورًا بنصف النهائي، وحان موعد المجد الكبير بالوصول إلى المباراة النهائية.

 

شهدت المباراة النهائية صراعًا كرويًا كبيرًا بين بوك أثينا واسطنبول سيسزلر التركي في سيناريو أشبه بالمواعيد الكبرى في عالم كرة القدم وكان النهائي الأقوى في تاريخ البطولة منذ انطلاقتها بشهادة الجميع.  

 

بدأت المباراة وتقدم اسطنبول التركي بهدفين نظيفين في الشوط الأول ولكن في الشوط الثاني نجح بوك اثينا في تسجيل هدف لتقليص الفارق، ولم تكن المهمة سهلة.  

 

في الدقيقة 74 نجح عمرو وجدي، في تحويل ضربة ركنية برأسه داخل مرمى اسنطبول التركي، لتصبح النتيجة التعادل 2-، وفي اللحظة الأخيرة وتحديدًا الدقيقة الثانية من الوقت بدل الضائع المقدر بثلاث دقائق عاد وكرر السيناريو نفسه متقمصًا شخصية الإسباني سيرجيو راموس مدافع ريال مدريد مسجلاً الهدف الثالث وهدف البطولة لبوك أثينا برأسية من ركلة ركنية.


 

ورفع عمرو وجدي كأس البطولة وسط احتفالات صاخبة من الجماهير اليونانية التي حضرت المباراة النهائية على ملعب آيل آرينا الخاص بنادي لاريسا اليوناني، ليتوج إصراره بالنجمة الثالثة في مسيرته.

 

النجمة الرابعة والحلم المستمر

 

رغم بلوغه العام السابع والثلاثين تلقى عمرو وجدي عرضًا رسميًا للانضمام لنادي بيكرمي المنافس في دوري الدرجة الثالثة اليوناني، ولم يتردد في قبوله للاستمرار في اليونان التي شهدت مجده الكبير ليواصل المسيرة.

 

ونجح وجدي في مهمته الجديدة بالتألق ضمن صفوف بيكرمي وتسجيل الأهداف التي ساهمت في بقاء الفريق بدوري الدرجة الثالثة، قبل أن يأتي موعد كل عام بالاستعداد لمنافسات دوري أبطال أوروبا للصم مع بوك أثينا.

 

وشد وجدي الرحال إلى مدينة ميلانو الإيطالية التي استضافت نسخة العام 2018 من دوري الأبطال، تأهل بوك أثينا وصيفًا للمجموعة الثانية بفارق الأهداف عن إيزين الألماني بعدما حصد كل منهما 7 نقاط من فوزين وتعادل، حيث فاز الفريق اليوناني على ليون الفرنسي بعد انسحابه بنتيجة «3-0»، وفاز على بارنت الإنجليزي برباعية بيضاء، وتعادل مع إيزين الألماني بنتيجة «3-3».     

 

وفي الدور ربع النهائي حقق بوك أثينا فوزًا عريضًا على تورينو الإيطالي بسبعة أهداف نظيفة، وتأهل إلى النهائي بفوز في الوقت القاتل بهدفين مقابل هدف على باريس الفرنسي.


 

توج بوك أثينا اليوناني، بلقب دوري أبطال أوروبا لكرة القدم للصم، بعد فوزه الصعب على دونكاستر الإنجليزي بهدفين نظيفين وشارك عمرو وجدي بقوة في النهائي الذي انتهى برفعه الكأس الرابعة في تاريخه.

 

تحوّل عمرو وجدي إلى أيقونة عالمية في الإصرار والتحدي ويحتفظ بالرقم القياسي في التتويج بدوري أبطال أوروبا لكرة القدم للصم، ومازالت أحلامه مستمرة بتحقيق النجمة الخامسة في العام المُقبل بألمانيا.