«آخر أيام حكم العشيرة»| الحقوق الضائعة في دستور «نصف الليل» للإخوان

المعزول مرسي يتسلم دستور 2012 من المستشار حسام الغرياني رئيس اللجنة التاسيسية لوضع الدستور
المعزول مرسي يتسلم دستور 2012 من المستشار حسام الغرياني رئيس اللجنة التاسيسية لوضع الدستور

- دستور 2012 لم يجرم عمالة الأطفال وزواج القاصرات وختان الإناث والاتجار بالبشر

- دستور الإخوان أغفل تمثيل المرأة في المجالس النيابية ولم ينص على المساواة مع الرجل

- لم يحدد نصيب العمال في إدارة المشروعات وأرباحها.. وأسس لدولة دينية وولاية الفقيه

- لم يضمن حرية الإعلام والإبداع وحظر الرقابة.. وأهدر حقوق الأقليات والمعاقين والمصريين بالخارج

 

 مع مرور السنوات وزخم الأحداث وسرعتها في مصر، تناسى كثيرون ما ارتكبته جماعة الإخوان من خطايا في حق الشعب المصري، وما ضيعته تلك الجماعة على نفسها من فرص، وخيبت آمال وطموحات الشعب، ولعل أبرزها ما قامت به من إقصاء للقوى السياسية جميعها، وانفردت لنفسها مع باقي الأحزاب الإسلامية بتشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور المكونة من 100 عضوا، في أكبر خطوة منها للهيمنة و«التكويش» على دستور الشعب، والإنفراد بصياغة مواده بما يحقق مصالحها ويكرس هيمنتها على مفاصل الدولة المصرية.

 

وقامت جماعة الإخوان بين ليلة وضحاها بسلق الدستور في فترة وجيزة، وحشدت أنصارها في المحافظات رافعين شعارات دينية لخداع البسطاء لتمرير الدستور في غيبة من توافق القوى السياسية ومؤسسات الدولة عليه، وفي مخالفة لكل ثوابت وأبجديات السياسية بأن يتم إعداد دستور الشعب بتوافق جميع القوى السياسية ومؤسسات الدولة.   

 

وترصد «بوابة أخبار اليوم» في سياق هذه السطور أبرز مواد دستور الإخوان 2012 والتي تضمنت عوارا فجا، وشكلت اعتداءا على حقوق الأقليات وحرية الرأي والتعبير وذوي الاحتياجات الخاصة والعمال والأطفال والمصريين بالخارج وباقي فئات المجتمع.  

 

المادة 70:

 

وتخص الأطفال، ونصت على «لكل طفل، فور الولادة، الحق فى اسم مناسب، ورعاية أسرية، وتغذية أساسية، ومأوى، وخدمات صحية، وتنمية دينية ووجدانية ومعرفية».

 

وانتقدها الفقهاء الدستوريين والقانونيين والقوى السياسية والمعنيون بشئون الطفل آنذاك، إذ لم توفر الحماية اللازمة للطفل بحظر عمالة الأطفال في أعمال لا تناسب أعمارهم حتى سن التعليم الإلزامي، وتحديد سن معينة لعمالتهم.

 

كذا لم تجرم المادة انخراط الأطفال فى أسوأ أشكال العمل التي تهدد حياتهم أو صحتهم أو أخلاقهم أو تعليمهم، كالاشتراك فى العمل السياسى وأعمال العنف وذلك للأطفال دون 18 سنة.

 

المادة 10:

 

وتخص الأسرة، إذ نصت على: «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسخ قيمها الأخلاقية وحمايتها، وذلك على النحو الذي ينظمه القانون، وتكفل الدولة خدمات الأمومة والطفولة بالمجان، والتوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها وعملها العام، وتولى الدولة عناية وحماية للمرأة المعيلة والمطلقة والأرملة».

 

وانتقدها الفقهاء الدستوريين، والمنظمات المعنية بحقوق المرأة، إذ لم تؤكد على مراعاة المساواة بين كل من الرجل والمرأة بالإشارة في الصياغات إلى الجنسين، ولم تتضمن موادا تضمن تمثيلا عادلا للنساء فى المجالس النيابية المختلفة، ولم تؤكد على دور الدولة فى توفير الرعاية والخدمات الخاصة بالصحة الإنجابية، كذا لم تحدد سن الزواج للجنسين على ألا يقل عن 18 عاما، ولم تجرم ختان الإناث، والاتجار بالبشر، والاتجار بالنساء عن طريق زواج القاصرات.

 

المادة 27:

 

ونصت على أن يكون للعاملين نصيب فى إدارة المشروعات وفى أرباحها، ويلتزمون بتنمية الإنتاج والمحافظة على أدواته وتنفيذ خطته فى وحداتهم الإنتاجية، وفقا للقانون ويكون تمثيل العمال فى مجالس إدارة وحدات القطاع العام فى حدود خمسين بالمائة من عدد الأعضاء المنتخبين فى هذه المجالس، ويكفل القانون تمثيل صغار الفلاحين وصغار الحرفيين بنسبة لا تقل عن ثمانين بالمائة فى عضوية مجالس إدارة الجمعيات التعاونية الزراعية والصناعية.

 

وانتقدها الفقهاء الدستوريين، إذ لم تحدد نصيب العمال في إدارة المشروعات وأرباحها، وطالبوا بألا تقل عن نسبة 10%.

 

المادة 219:

 

ونصت على أن مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، فى مذاهب أهل السنة والجماعة.

 

وطالبت الكنيسة آنذاك بإلغاء المادة 219 الخاصة بتفسير الشريعة الإسلامية التى تمثل تعديلاً على (المادة 2) بالمخالفة للتوافق العام وللعرف الدستورى الذى يقضى بعدم إدراج مواد مفسرة للدستور فيه، لتكون أحكام الشريعة المختلف عليها بين الفقهاء والقابلة للتأويل والتبديل هى المصدر الرئيسى للتشريع فى إطار وجوب أخذ رأى الأزهر فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية (المادة 4)، الأمر الذى يضع مؤسسات الدولة الديمقراطية تحت ولاية الفقيه، وإضافة مواد متعلقة بالمواطنة والعدالة الاجتماعية والهوية المصرية.

 

المادة 49:

 

ونصت على أن الإعلاميون لهم حرية إصدار الصحف وتملكها بجميع أنواعها، مكفولة بمجرد الإخطار لكل شخص مصرى طبيعى أو اعتبارى، وينظم القانون إنشاء محطات البث الإذاعى والتليفزيونى ووسائط الإعلام الرقمى وغيرها.

 

وتعالت الأصوات المطالبة من نقابة الصحفيين بإلغاء النص الخاص بإخضاع وسائط الإعلام الرقمى لنظام الترخيص القانوني، وذلك لأنها تعد أبرز مظاهر حرية الإعلام والاتصال والتواصل الإنسانى والاجتماعى فى عالمنا المعاصر، ووضع مادة تضمن استقلال المجلس الوطنى للإعلام، واستبعاد المواد التى تعطى مجلس الشورى الحق فى اختيار رئيس المجلس الوطنى للإعلام وعزله، وأن يتم النص على تكوينه من مختلف الأطياف المجتمعية وأطراف صناعة الصحافة والإعلام، وأن ينص على عدم قابلية أعضائه للعزل خلال فترة العضوية، ووضع مادة «تتوفر حرية التعبير والرأى والصحافة والإعلام ويحظر تعديل أو إلغاء وثائق الاتصال والنشر عامة، ويجوز استثناء فرض رقابة محددة فى زمن الحرب».

 

وطالبت بوضع مادة أخرى تتعلق بالحق فى تملك وإصدار الصحف بمجرد الإخطار وإنشاء محطات البث الإذاعى والتليفزيونى ووثائق الإعلام الرقمى مكفولة للأفراد والشخصيات الاعتبارية العامة والخاصة وأن الدولة تكفل استقلال الصحف ووسائل الإعلام، وعدم توجيه الاتهام فى جرائم النشر بغير الادعاء المباشر ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى تلك الجرائم.

 

المادة 62:

 

ونصت على أن الرعاية الصحية حق لكل مواطن، تخصص له الدولة نسبة كافية من الناتج القومى، وتلتزم الدولة بتوفير خدمات الرعاية الصحية، والتأمين الصحى وفق نظام عادل عالى الجودة، ويكون ذلك بالمجان لغير القادرين، وتلتزم جميع المنشآت الصحية بتقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل مواطن فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة، وتشرف الدولة على جميع المنشآت الصحية، وتتحقق من جودة خدماتها، وتراقب جميع المواد والمنتجات ووسائل الدعاية المتصلة بالصحة؛ وتصدر التشريعات وتتخذ جميع التدابير التى تحقق هذه الرقابة.

 

وطالت الانتقادات تلك المادة إذ لم تشمل اعتبار الحق فى الصحة من الحقوق الإنسانية الأصيلة، وتلتزم الدولة بكفالته لجميع المواطنين دون أى تمييز لأى سبب، عبر وضع سياسات اجتماعية واقتصادية تهدف إلى تأسيس نظام صحى موحد، ينشئ مظلة حماية تأمينية صحية اجتماعية شاملة لكل المواطنين تغطى كل الأمراض بما فيها زراعة الأعضاء.

 

كما لم تنص على النهوض بمقدمى الخدمة الصحية علمياً واجتماعياً مع ضمان أجور كريمة لهم، مع الاهتمام بالفئات العمرية الحرجة وذوى الاحتياجات الخاصة، على أن تتحقق لها معايير الإتاحة والمقبولية والجودة والحماية والتطور، وتلتزم الدولة بالإنفاق على الرعاية الصحية بنسبة لا تقل عن المعدلات العالمية، مع الالتزام بالاتفاقات الدولية الموقعة فى هذا الشأن، ويكون للنقابات الطبية ومنظمات المجتمع المدنى المعنية دور فعال فى المشاركة فى وضع هذه الخطط والسياسات ومتابعة تنفيذها.

 

المادة 67:

 

ونصت على أن تعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين والعمال الزراعيين والعمالة غير المنتظمة، ولكل من يتمتع بنظام التأمين الاجتماعى وينظم القانون ذلك.

 

ولم تشمل تلك المادة الإبقاء على المادة الخاصة بنسبة 50% للعمال والفلاحين بمجلس النواب وضرورة وضع مادة تنص على حدين أدنى وأعلى للأجور وربطها بالأسعار، ولم تؤكد على حقوق صغار الفلاحين وتوفير تأمين صحى ومعاش لهم.

 

المادة 2:

 

لم تراعي حقوق الأقليات، إذ نصت على أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، والمادة 60 نصت على أن اللغة العربية مادة أساسية فى مراحل التعليم المختلفة بكل المؤسسات التعليمية والتربية الدينية والتاريخ الوطنى مادتان أساسيتان فى التعليم قبل الجامعى بكل أنواعه.

 

وانتقد الفقهاء الدستوريين تلك المادة، إذ لم تشتمل على أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الإسلامية وتلتزم الدولة بالحفاظ على اللغات القومية والمحلية «النوبية» والأمازيغية والبجاوية، وكذا طالبوا بتعديل المادة 60 الخاصة بوضع اللغة العربية بأن تكون مادة أساسية فى مراحل التعليم المختلفة «الدولة تتيح المادة لأصحاب اللغات المحلية تعلم لغتهم الأصلية فى إقليمهم الجغرافى وأى إقليم آخر»، وطالبوا بإضافة مادة تتيح إصدار مادة لتشكيل المجلس القومى للثقافات المحلية (الأمازيغية - النوبية - القبطية - البجاوية - الأرمينية) باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من الثقافة المصرية الأم.

 

المادة 46:

 

وتخص المثقفون، ونصت على حرية الإبداع بأشكاله المختلفة حق لكل مواطن، وتنهض الدولة بالعلوم والفنون والآداب، وترعى المبدعين والمخترعين، وتحمى إبداعاتهم وابتكاراتهم، وتعمل على تطبيقها لمصلحة المجتمع، وتتخذ الدولة التدابير اللازمة للحفاظ على التراث الثقافى الوطنى، وتعمل على نشر الخدمات الثقافية.

 

وطالب المثقفون بتعديل المادة 46 المتعلقة بحرية الإبداع وأن يتضمن الدستور مجموعة من المبادئ وإضافة مواد تتيح تغيير قوانين الرقابة بحيث تلغى الرقابة على «النص» وتتيح إصدار قانون حرية الإبداع ويكون التركيز على الشكل النهائى للمنتج الفنى.

 

المادة 72:

 

وتخص المعاقون، ونصت على أن تلتزم الدولة برعاية ذوى الإعاقة صحيا وتعليمياً واجتماعياً واقتصادياً، وتوفر لهم فرص العمل، وترتقى بالثقافة الاجتماعية نحوهم، وتهيئ المرافق العامة بما يناسب احتياجاتهم.

 

وطالب ذوى الاحتياجات الخاصة أنذاك بتعديل المادة 72 بإضافة مادة تتعلق بأن تكفل الدولة حقوق المعاقين من حيث الصحة والعمل، وأن تتم مراعاة الاتفاقية الدولية للمعاقين والتى وقّعت مصر عليها حينما يتم التفكير فى سن تشريعات أو قوانين بالنسبة لذوى الإعاقة، وأن يصبح المجلس القومى لشؤون ذوى الإعاقة أحد المجالس المذكورة فى الدستور المصرى، وينص الدستور على صلاحياته أسوة بالمجلس الأعلى للشرطة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.

 

المادة 51:

 

وتخص المصريين فى الخارج، ونصت على أن ترعى الدولة مصالح المصريين المقيمين بالخارج، وتحميهم، وتكفل حقوقهم وحرياتهم، وتعينهم على أداء واجباتهم العامة نحو الدولة والمجتمع المصرى، وتشجع إسهامهم فى تنمية الوطن.

 

وطالب المصريون بالخارج أنذاك بإضافة مادة تتيح حق المواطن المصرى دستورياً فى الاحتفاظ بالجنسية المصرية ـ كجنسية أصلية ـ فى حالة تجنسه بجنسية من دولة المهجر، وإضافة مادة حق المصريين بالخارج دستورياً أن يكونوا ممثلين بمجلس النواب حتى يتسنى لهم المشاركة فى صناعة القوانين، مما يضمن مستقبل أجيال الملايين من أبناء مصر المغتربين وتمكين المواطن المصرى دستورياً ـ من ذوى الجنسية المزدوجة ـ من الترشح للمجالس التشريعية، وإضافة مادة تتيح إنشاء هيئة مستقلة للرقابة الإدارية تختص بمراقبة أعمال البعثات الدبلوماسية (باستثناء ما يتعلق بالأمن القومى المصرى) وإعداد تقرير لنشر ما به من مخالفات.

 

وكذلك طالبوا بتعديل المادة 51 بحيث تضمن القيد التلقائى فى جداول الناخبين لكل من يقيم بالخارج وبدون شروط طالما ثبت حمله لرقم قومى.

 

وتعالت الأصوات حينذاك بان دستور الإخوان يسمح له بتغيير الحدود، إذ أن أبرز قيادات الإخوان ومرشدهم العام قد كرروا مرارا وتكرارا أن «الوطن حفنة من التراب العفن.. وأي حد مش مصري ممكن يحكم مصر.. وأنه لا حدود ولا أوطان في الدين».

كما تخوفت النخبة المثقفة والمصريون بشكل عام من أن الدستور الجديد يؤسس لدولة دينية وولاية فقيه سنية، وتغيير هوية الدولة المصرية.

 

وكان سلق الدستور 2012 وتمريره دون توافق من القوى السياسية وغالبية الشعب بمثابة مسمار في نعش الجماعة المحظورة، وهو ما عجل بخروج الجماهير الغفيرة في ثورة 30 يونيو.