فيديو وصور| «قصر السكاكيني».. قصة تحفة إيطالية في طي النسيان

قصر السكاكيني
قصر السكاكيني

- القصر بناه «السكاكيني باشا» على الطراز الإيطالي وآلت ملكيته للدولة بعد وفاته كهدية لثورة يوليو

- «قصر السكاكينى» تعرض للسرقة والحريق ويستغله موظفو الآثار كمقرا لهم.. والدخول بتصريح

- «القصر» مكون من 5 طوابق و50 غرفة و400  نافذة وباب و300 تمثال ونافورة وحديقة

 

على بعد خطوات من محطة مترو غمرة وبالتحديد في ميدان السكاكينى بمنطقة الظاهر؛ تقع عيناك على قصر السكاكيني، تلك التحفة الإيطالية التي تجسد أسمى آيات الإبداع والجمال في فنون العمارة والبناء والتصميم، إذ يجمع بين الفن المعماري الأوربي وتحديدا الإيطالي ويحوي تماثيل ونقوش وزخارف تعود للعصور اليونانية والرومانية والقبطية.


 

هذا القصر العظيم الذي بُني منذ 121 عامًا، وضمته وزارة الآثار إلى قوائمها منذ 31 عامًا، واتخذته مقرًا إداريًا لمنطقة آثار وسط القاهرة، ومع ذلك يعاني من الإهمال الشديد سواء من خارجه أو داخله، إذ تتراكم أكوام قمامة بمحيطه، وظهرت على جدرانه عوامل التعرية وبدا قديما وألوانه باهتة، وأبوابه مغلقة أمام الزائرين، فلم يُستغل بعد كمزار أثري لراغبي اكتشافه من الداخل، كما توارى بين العمارات الشاهقة والمحال التجارية في تلك المنطقة ذات الطابع الشعبي، بعدما كان أبرز القصور التي تسطر تاريخ المرحلة الخديوية.

 

 

قصة صاحب القصر

 

في عام 1856 جاء إلى مصر شاب سوري يدعى «جابرئيل حبيب السكاكيني» الذي ولد في دمشق عام 1841، ولقب بـ«السكاكيني» نسبة إلى والده الذي كان يعمل في صناعة الأسلحة البيضاء،  وتولى حبيب وظيفة بشركة قناة السويس ببورسعيد، لفت الشاب نظر الخديوي إسماعيل، حاكم مصر آنذاك، بعدما استطاع حل أزمة انتشار الفئران وما تنقله من أوبئة في منطقة السويس، وذلك عن طريق إرسال طرود قطط جائعة مُحملة على الجِمال، فقضت على مشكلة انتشار الفئران في منطقة قناة السويس.

 

 

ومنذ ذلك الحين، اعتمد الخديوي إسماعيل على الشاب السوري وأسند بناء الأوبرا الخديوية له، ونجح بالفعل في الانتهاء من بناء الأوبرا في الوقت المحدد في 17 نوفمبر 1869، وأنعم عليه الخديوي لقب «بك»، وبعدها أصبح حبيب السكاكيني من كبار المقاولين، وفي مارس 1901 منحه البابا في روما لقب «الكونت» لخدماته المجتمعية.

 

عام 1897 تم بناء قصر السكاكيني على بركة أرض تسمى «قراجا التركماني» ومنحت له في منطقة الظاهر لعلاقته الوطيدة بالخديوي، وقام بردم البركة وبناء القصر عليها.

 

 

انتقال ملكيته للدولة

 

وبعد وفاته عام 1923 قُسمت ثروته بين الورثة الذين تنازلوا عن القصر للدولة، وقام أحد أحفاد السكاكيني؛ وكان طبيبا بالتبرع بحصته لوزارة الصحة.

 

وفي الفترة من عام 1961- 1983 أصبح القصر مقرا لمتحف التثقيف الصحي، وفي عام 1987 تم تسجيل القصر في عِداد الآثار الإسلامية والقبطية بقرار رئيس مجلس الوزراء، ليتم وضعه تحت رعاية المجلس الأعلى للآثار.

 

 

طراز إيطالي

 

وتبلغ مساحة القصر نحو 2698 متر، وتم بناؤه على الطراز الإيطالي، حيث يعتبر نموذجا لفن «الروكوكو»، وهو فن ينتمي إلى الزخرفة في العمارة والديكور الداخلي والخارجي وكذلك الأثاث والتصوير والنحت، وبنته شركة إيطالية ليكون نسخة من قصر إيطالي قد رأه حبيب باشا السكاكيني وأراد تقليده أو عمل نسخة منه في القاهرة.

 

ويتكون القصر من 5 طوابق، الطابق الأول يتكون من 4 غرف، والثاني مكون من 3 قاعات و4 صالات وغرفتين، أما الصالة الرئيسية تبلغ مساحتها نحو 600 متر، وتحتوي على 6 أبواب تؤدي إلى قاعات القصر، ومجموع غرف القصر تبلغ 50 غرفة، ويحتوي على أكثر من 400 نافذة وباب، و300 تمثال منهم تمثال نصفي لحبيب باشا السكاكيني بأعلى المدخل الرئيسي للقصر، وللقصر مصعد ويطل على شرفة بها قبة مستديرة تؤدي إلى غرفة الإعاشة الصيفية، كما يحوى حديقة دائرية حوله غنية بالأشجار والورود.

 

ويحوي القصر على تماثيل لأسدين بواجهة القصر وفتيات وأطفال عاريات، لكنها اختفت ألوانها وبدا عليها الإهمال، بالإضافة إلى نافورة جفت المياه منها.

 

 

سرقة محتويات القصر

 

وتعرض القصر لعمليات سرقة لمحتوياته، حيث سُرق تمثال «ملاك»، وتمثال «درة التاج» الذي كان يمثل فتاة ترتدي تاج ويعد من أقرب وأحب التماثيل إلى السكاكينى باشا، وتمثال «مرمر» الذي كان يتميز بتغير لونه عند تعرضه لأشعة الشمس، هذا بخلاف ما تم تحطيمه وكسره من تماثيل مثل تماثيل الأسود أمام حديقة القصر، وجميعهم اختفوا وتحطموا في ظروف غامضة.

 

حفيدة «السكاكيني» 

 

المخرجة أسماء البكري، حفيدة السكاكينى باشا، كانت أوضحت في تصريحات سابقة قبل وفاتها، أن الأسرة أهدت القصر لثورة يوليو 1952 عقب قيامها، ليصبح مقرا لمتحف التثقيف الصحي.

 

وأضافت أن القصر قد شهد أزهى عصوره إبان حكم الملك فاروق، لكن بعد تلك الفترة ظل القصر مهملا، مشيرة إلى أن وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني وعدها بترميم القصر فى أواخر فترته، إلا انه لم يتخذ أى خطوات تنفيذية استنادًا إلى مشكلة التمويل.

 

 

«قصر السكاكيني».. الدخول بتصريح

 

حاولنا اكتشاف القصر من الداخل وما آل إليه، وكان أحد المداخل مفتوحًا أمامنا، وحينما دخلنا وجدنا موظفتين تتبعان وزارة الآثار رفضتا الإدلاء لنا بأي معلومات، بحجة عدم وجود تصريح رسمي من المجلس الأعلى للآثار.

 

 

القصر لم يدخل مرحلة الترميم

 

وكان سعيد حلمي، رئيس قطاع الآثار الإسلامية، قد أكد أن قصر السكاكيني آمن ولا توجد به أي أضرار، موضحًا أنه لم يدخل حتى الآن مرحلة الترميم، وأنه مازال في مرحلة الدراسة لأعمال الترميم، فور الانتهاء من مرحلة الدراسة سوف تقوم الجهات المسؤولة بالأعلى للآثار بعمل مقايسة تقديرية لأعمال الترميم المطلوبة.

 

وأضاف بأن هناك لجنة وزارية تدرس خطة استغلال القصر بعد ترميمه، مشيرًا إلى أن أبرز المقترحات المطروحة بتحويل القصر إلى مزاراً سياحيًا لكل أبناء مصر، لتعرض به لوحات ورسومات خاصة مثل وصف مصر والأماكن السياحية ليصبح من أجمل المزارات.

 

 

حريق «قصر السكاكيني»

 

وكان قد نشب حريق بحجرة الحارس في بدروم القصر، وأكد الدكتور مصطفى أمين، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، على سلامة «قصر السكاكينى» بعد «الحريق المحدود» الذى اندلع فى القصر وتمكنت قوات «الحماية المدنية» من السيطرة على الحريق، موضحاً أنه تم التأكد من ذلك بعد المعاينة المبدئية التى قام بها للقصر.

 

وأضاف أن الحريق نشب فى حجرة الحارس الموجودة فى بدروم القصر، نتيجة ماس كهربائى، وأنه لم يؤثر على الحالة الإنشائية والمعمارية للقصر، حيث لم تتأثر سوى الطبقة الأولى من السقف الخشبى لحجرة حارس القصر فقط، مشيراً إلى أن «البراطيم الخشبية الحاملة للسقف سليمة، ولم يمسها أى سوء».

 

 

حال القصر الآن

 

لايزال القصر يعاني الإهمال ويستغله موظفوا الآثار كمقر لهم، ولم يتحرك أحد لإنقاذ القصر سوى بعض عمليات الترميم البسيطة التى تمت لإنقاذ تماثيله من السقوط والتى كانت تعاني من الشروخ، ولا تزال أبوابه مغلقة أمام الزائرين فلا يتاح لك سوى تصويره من الخارج دون القدرة على الدخول واكتشاف أروقته ودهاليزه المثيرة.