أسوار المدارس.. فوضى على كل لون

أسوار المدارس.. فوضى على كل لون
أسوار المدارس.. فوضى على كل لون

الخبراء: مطلوب مواجهة سريعة ودوريات متحركة لتوفير أجواء آمنة للعملية التعليمية


مجمعات شبرا الخيمة تحت حصار الجراجات.. والمقاهى «كاملة العدد»

 

هنا فى «جمهورية شبرا» وشارع مصر والسودان بحدائق القبة العشوائية تحكم وتسيطر.. مدارسها محاصرة بكل أشكال العشوائية.. باعة جائلون وحرفيون ومعهم مجموعة كبيرة من أصحاب العمالة الحرة كلهم حولوا أسوار المدارس إلى «فتارين» يعرضون من خلالها بضائعهم ومنتجاتهم وقطع الغيار التى يبيعونها لقائدى السيارات.

 

صرح تعليمى كبير نربى فيه النشء على النظام من الداخل ليخرج فى نهاية اليوم الدراسى ليرى أمام عينيه البريئتين عالما مخيفا لا يحكمه سوى العشوائية والألفاظ البذيئة التى منعته براءته كطفل أن يسمعها.. أما بالنسبة لمدارس الكبار من وصل منهم إلى المرحلة الثانوية فقد ولد لديه إحساس أنه لا شيء يمكن أن يتغير لأن الجهل هو من دفع هؤلاء الباعة والعمال بأن يحولوا أسوار المدارس إلى جريمة مرئية بشكل يومى.

 

تمكنت «الأخبار» من الوصول إلى الشروط التى لابد من توافرها فى موقع بناء المدرسة بأن يكون بعيدًا عن الضوضاء والمحال العامة والصناعية والتجارية والأماكن الخطرة كمحطات البترول التى تؤثر على صحة الأطفال أو وصول الرسالة التعليمية إليهم، وكذلك لابد من استيفائه لعوامل الأمن والسلامة، وهذه الاشتراطات لم تتوفر فى معظم المدارس وهو ما تم رصده فى الجولة هذا بالإضافة إلى إشغالات معظم الأرصفة بسبب السيارات التى اتخذت من أسوار المدارس جراجا خاصا لها متعدية على حق الطلاب فيه.

 

حدائق القبة


فى جولة لـ «الأخبار» بمنطقة حدائق القبة تحديدًا بشارع الدويدار تقع مدرسة السلام الإعدادية بنات، لم يسلم المكان أمامها من الإشغالات والمخالفات فأول ما يقابلك عربة تبيع فاكهة اللحوم تلتف حولها كتل من الذباب .

 

وكذلك يقف المشترون ناهيك عن أكشاك الحلوى التى تتراص على رصيف المدرسة وماشية يمتلكها أحد الجزارين فى السوق المقابل يتم ربطها أمام أبواب وسور المدرسة مباشرة مما يسبب أضرارًا للفتيات وتعرضهن للمعاكسات باستمرار وهذا ما أكدته بعض الطالبات – رفضن ذكر أسمائهن لعدم وقوع ضرر - أنهن يخرجن من المدرسة ويتعرضن للتحرش اللفظى من الباعة الجائلين وكذلك يتعرضن لرائحة كريهة «فشة وكرشة وكوارع وممبار مبنقدرش نتنفس بس بنستحمل وخلاص هنعمل إيه.

 

ومهما نقدم شكاوى مفيش فايدة».. الأمر لم يتوقف حتى عند الباعة الجائلين والروائح الكريهة والإشغالات لكنه يتطور إلى خدش حياء الفتيات حيث تحول سور المدرسة إلى مرحاض عام يلجأ إليه بعض المارة لقضاء حاجتهم عند سور المدرسة بدلًا من زراعة الأشجار ووضع لافتات لتهدئة السرعة أصبح الوضع العام لا يعبر من الأساس عن وجود مدرسة.

 

لم تكن تلك هى المدرسة الوحيدة التى تعانى من الإشغالات والمخالفات فمدرسة السلام الثانوية بنات أيضًا الوضع بها أسوأ حيث يقف الميكانيكية ومعهم العديد من العمالة الحرة أمام السور مباشرة ويضع العمال السيارات المراد تصليحها أمام الباب مما يؤدى إلى تعثر الطلبة والطالبات أثناء الخروج من بوابة المدرسة.. ناهيك عن الألفاظ السيئة التى شكت منها الطالبات والتى تصدر من عمال الورش بالإضافة إلى تأكيد الطالبات على وجود مشاحنات ومشاجرات بسبب الإصلاحات تعرضهن للخطر ويسمعن ألفاظا نابية جارحة لهن.

 

مدرسة أحمد ماهر هى الأخرى فى منطقة حدائق القبة تحديدًا فى شارع مصر والسودان، يقابلها مقهى كبير توسع فى وضع الكراسى الخاصة به أمام أبواب المدرسة ويجلس المدخنون أمام الطلاب على المناضد والمقاعد التى تم وضعها تغلق أبواب المدرسة، بالإضافة إلى مطعم «كبدة ومخ» يجاور المدرسة اتخذ من سور المدرسة مطعما خاصا له يسد الطريق واعتاد الطلاب على ذلك فيقول أحد طلاب المدرسة «احنا خلاص اتعودنا بقينا كل يوم نطلع ناكل من عنده قبل ما نروح» .

 

اللافت للنظر وجود بعض طلاب المدرسة التجريبية يجلسون على المقهى ويدخنون السجائر والشيشة دون أن يحدثهم أحد أو يعنفهم رغم صغر سنهم.

 

مشهد آخر يثير الغضب بل يجعلك تشعر وكأن بركانا ما انفجر بجانبك وتناثرت ألهبته على طلاب مدرسة حدائق القبة القومية بسبب الجريمة التى تقع على بواباتها عقب انتهاء اليوم الدراسى تحديدا فى تمام الساعة الرابعة عصرا.

 

حيث يقوم مجموعة من الباعة الجائلين بمراقبة المدرسة وحين يطمئنون على خلوها تماما من أى تلميذ أو مدرس على الفور يقومون بركن السيارة التى يستقلونها ويبدأون فى إخراج بضائعهم من شنطة السيارة والتى هى عبارة عن شتى أنواع الأحذية صاحبة الصناعة الصينية يقومون فى لحظات بتعليقها على بوابة المدرسة وسورها الفاره لكى يراها كافة المارة دون أى اهتمام أو اعتبار لقيمة الصرح التعليمى الذى يتلقى التعليم داخله طلاب ما بين الصفوف الابتدائى والإعدادى والثانوى.

 

الأمر يتعلق بأنهم احتلوا الرصيف المواجه للمدرسة تماما ومنعوا أى شخص بالمرور من خلاله حتى لا يعترض طريق بضائعهم وعلى من يرغب مشاهدة الأحذية التى يبيعونها يكتفى بإلقاء نظرة من بعيد مع معرفة سعرها.

 

جمهورية شبرا


أما فى شبرا الخيمة صاحبة الحظ السيئ فى تراكم كافة أشكال المخلفات على أعتاب المدارس سواء الابتدائى أو الإعدادى أو الثانوى فأكوام القمامة صديق حميم لأسوارها هناك.

 

مجمع مدارس السيدة نفيسة وابن رشد ومصطفى مشرفة بإدارة غرب التعليمية تعانى من كل أشكال الفوضى والعشوائية التى جعلتها سيدة المناطق المهملة فى شبرا الخيمة.. فيواجهها ترعة كبيرة تفصل مجمعات المدارس عن بعضها البعض وعلى حوافها يتواجد كافة الحشرات المتطايرة التى غالبا ما تلازم التلاميذ داخل الفصول وبالتالى تنقل إليهم كل أشكال الفيروسات التى تصيب الأطفال خاصة من هم مناعتهم ضعيفة لا تقوى على مواجهة أى مرض.

 

وأمام بوابات تلك المدارس داخل المجمع استغل عدد من البلطجية ساحتها وحولوها إلى جراجات عشوائية لركن السيارات قيمة الساعة 5 جنيهات ضاربين بكل القوانين عرض الحائط بالإضافة إلى المقاهى التى افترشت كراسيها وطولاتها بجانب المدارس لجذب أكبر عدد من الطلاب إليها عقب انتهاء اليوم الدراسى أو لعدد من الطلاب الذين « زوغوا « من المدرسة ـ جاذبين هؤلاء الطلاب ـ من خلال تنافس تلك المقاهى على تقديم « حجر الشيشة الفاخر « ليكسبوا ود الطلاب والتلاميذ دون أن يضعوا فى اعتبارهم أنهم يدمرونهم.

 

بعد انتشار الأكشاك والباعة الجائلين أمام أسوار المدارس ليعرضوا عليها شتى أنواع البضائع بالإضافة إلى مشاهد أخرى خارجة على القانون، مشاهد يومية تقع أعيننا عليها ولكنها قنابل موقوتة تحيط بمدارس أبنائنا، تعرض حياتهم للخطر فى اليوم الواحد أكثر من مرة.. «الأخبار» رصدت مع الخبراء هذه المظاهر السلبية والحلول المطلوبة من أجل القضاء عليها.

 

فى البداية يقول الدكتور كمال مغيث الباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية إن الأجواء المحيطة بالمدارس أمر أشبه بالكارثة، فما بين باعة جائلين وعربات طعام بل ويصل الأمر فى بعض الأحيان فى استغلال أسوار بعض المدارس من قبل الباعة لتكون بمثابة «فاترينة» عرض للأحذية والملابس التى يقومون ببيعها.

 

ويؤكد أن هذه المظاهر هى قنابل حقيقية تنفجر فى بعض الأحيان متجسدة فى إصابة طلاب بحالة تسمم بسبب شراء الأطعمة غير الصحية من الباعة الجائلين وصولا إلى المشاجرات خارج أسوار المدرسة والتى تعكس مدى تأثير ثقافة هؤلاء الباعة عليهم خاصة وأن هناك بعض الحالات التى تصل فيها المشاجرة إلى استخدام أسلحة بيضاء وذلك منتشر بصورة أكبر فى المناطق الشعبية، فإذا لم تتم السيطرة على هذه السلبيات نخشى أن تنفجر القنابل فى وجه طلابنا ليدفع الثمن فى النهاية أولياء الأمور.

 

ويشير أن هذه المشاهد موجودة منذ سنوات عديدة ولكن ما يجعلنا ندق جرس الإنذار أن أغلب الأطعمة التى يقبل عليها الطلاب غير خاضعة للرقابة، وأعراضها حاليا لا تقتصر على حالات إعياء أو الآلام ولكن الأمور متفاقمة وبسبب إنتاجها فى مصانع بير سلم فهى قد تتسبب فى الإصابة بأمراض مسرطنة.

 

ويقول إنه لابد من التفكير فى حلول جذرية لهذه الأزمة تبدأ من توعية الطلاب بخطورة هذه الأغذية وهذا الدور على عاتق المدرسة وأولياء الأمور، بالإضافة إلى ضرورة وجود خط ساخن بين المدارس وبين الجهات المعنية ومن بينها الشرطة لتكون هناك دوريات متحركة تقوم بالمرور على المدارس لترصد أى مخالفات وتقوم بتنفيذ القانون تجاهه.

 

توعية الطلاب


ويؤكد اللواء رفعت عبد الحميد الخبير الأمنى أنه عندما نتحدث عن التعليم فنحن نذكر منظومة كاملة تقوم بتأسيس شخصية أجيال قادة والتأثير فيها أيضا، لذا كلما كانت البيئة المحيطة صالحة وآمنة أنعكس ذلك على الطلاب والعكس كلما كانت فاسدة أثرت بشكل سلبى على سلوكيات وتصرفات الطلاب.

 

فيؤكد أن الأمن عليه دور فى القيام بالحفاظ على حياة الطلاب ولكن الأمر لا يقتصر عليه فقط، فهناك جهات مسئولة أخرى عليها أن تقوم بواجبها لنهيئ لأبنائنا أجواء آمنة حول المدارس، فعلى سيبل المثال على رؤساء الأحياء رصد الباعة المخالفين والذين لا يحملون ترخيصا ومنعهم من بيع أى شيء بالقرب من المدارس، خاصة وأنه فى بعض المناطق يقوم الباعة بعرض منتجاتهم من ملابس وأحذية وأطعمة على حوائط وأسوار المدرسة الأمر الذى يخلق بيئة غير مناسبة للطلاب من أجل التعلم.

 

ويضيف أنه على أولياء الأمور والمدرسة توعية الطلاب بعدم الاحتكاك أو التعامل مع هؤلاء الباعة حفاظا على صحتهم وعلى سلوكياتهم، مشيرا أن هناك مسئولية أخرى كبيرة نرصدها جميعا تقع على عاتق أولياء الأمور تتجسد فى الميكروباصات ووسائل النقل غير الآدمية التى يعتمد عليها بعض الأسر لتوصيل أبنائهم إلى المدارس وهذا أمر فى منتهى الخطورة لأن هناك بعض السائقين لا يحملون رخصة وبالتالى فهم غير أمناء على أبنائنا.

 

ويقول المهندس صادق على عبد المقصود رئيس حى الخليفة أن كافة العاملين فى الحى يقومون بدورهم على أكمل وجه فنحن لا نسمح بوجود أى مخالفات، لدينا 6 إدارات للإشغالات والمرافق تتخصص فى التعامل مع كل السلوكيات السلبية وإذا تم اكتشاف أى مخالفة نقوم على الفور باتخاذ الإجراءات اللازمة ونقوم تحديدا بالتفتيش على عملية الترخيص والبطاقات الصحية، مشيرا أننا باستمرار نقوم بالمتابعة والرصد خاصة للأماكن التى بها مدارس.