المسئولية تائهة بين «الكهرباء» والمحليات

مصـر منـورة فـى «عـز الظهـر»!!

 أعمدة الإنارة مضيئة فى الصباح
أعمدة الإنارة مضيئة فى الصباح

أعمدة الإنارة فى الشوارع والميادين والطرق السريعة «شغالة» نهاراً وتظلم ليلاً


«الكهرباء»: 2٫١ مليار جنيه لتوفير 2400 مليون كيلو وات ساعة


8 مليارات جنيه سرقات التيار سنويا بنسبة 12% من الطاقة المنتجة

 

فى الوقت الذى تسلك فيه الدولة كل الطرق الممكنة لترشيد استهلاك الطاقة، وتصرف فيه الحكومة نحو مليارى جنيه لانارة الشوارع واستبدال 2.5 مليون كشاف للطاقة نجد ان التيار الكهربائى «مسروق» عينى عينك فى عز الظهر والاعمدة مضاءة نهارا ومظلمة ليلا!.

 

الامر الذى يؤكد ان ما نبنيه باليمين نهدره باليسار مما يتسبب فى زيادة نسب الهدر من الكهرباء فى ظل احتياجنا الشديد لكل وات خاصة مع ارتفاع شرائح الكهرباء مؤخرا، كما أن المسئولية تائهة فنجد ان المحليات ما زالت تلقى بالأمر على كاهل وزارة الكهرباء فى الوقت الذى تؤكد به الكهرباء أن إدارة اعمدة الإنارة تابعة للمحليات وانها تبذل قصارى جهدها لتكون حلقة وصل بينها وبين المواطن.. «الاخبار» ترصد مظاهر التطوير فى منظومة الكهرباء وما يعكر صفو هذه المنظومة فى السطور القادمة..

 

 بخطوات ثابته تقوم الحكومة بالبدء فى تنفيذ المرحلتين الأولى والثانية من مشروع تغيير إنارة الشوارع على مستوى الجمهورية من الكشافات العادية إلى كشافات موفرة للطاقة والجارى تنفيذه بالتعاون مع وزارتى التنمية المحلية والكهرباء والهيئة العربية للتصنيع، بتكلفة تقدر بنحو مليارى جنيه، لتركيب 2٫5 مليون كشاف إنارة و64 ألف وحدة تحكم لقياس كمية الطاقة الفعلية المستخدمة فى الإنارة العامة بهدف المساعدة فى مكافحة سرقة التيار الكهربي.

 

وينفذ المشروع طبقا لجدول زمنى وتدفقات مالية محددة، لتمويل جميع مراحل هذا المشروع القومى المهم، حيث يتم إتاحة 25% من قيمة كل مرحلة كدفعة مقدمة فى بداية العمل بها ثم نسبة 55% أخرى على دفعات شهرية عند التوريد طبقًا لتطور التنفيذ للمرحلة الواحدة، ثم تسدد نسبة الـ20% المتبقية فور تمام التركيب والفحص والاستلام.

 

وتقوم خطة ترشيد الطاقة بالمجتمعات العمرانية الجديدة على 3 محاور رئيسية، أولها «ترشيد استهلاك الطاقة» وذلك باستبدال اللمبات الليد فى الإضاءة وتعميم ونشر سياسات وثقافة الترشيد فى هذه المدن، أما المحور الثانى الممثل فى»الطاقة الشمسية» وذلك باستخدام الخلايا الفوتوفولتية فوق أسطح المبانى، وإنشاء محطات الطاقة الشمسية على مستوى المجاورات والمدن، وأخيرا «إنارة الشوارع» إذ يتم استخدام الخلايا الفوتوفولتية واللمبات الليد فى أعمدة الإنارة.

 

فى جولة «الاخبار» بعدد من الشوارع الرئيسية بمصر الجديدة ووسط البلد واعلى كوبرى اكتوبر رصدنا تركيب عدد كبير من لمبات الانارة «الليد» على اعمده الانارة وتركيب خلايا الطاقة الشمسية اعلاها، هذا الامر ساهم بشكل كبير فى ترشيد الاستهلاك وتخفيف الأحمال على الشبكات الرئيسية، ويتماشى ذلك مع سياسة الدولة فى الاعتماد على توفير الكهرباء بوسائل بديلة ونظيفة بعدما كانت هذه الاعمدة من فترة قريبة مضاءة نهارا وسط استهجان وغضب المواطنين المترددين على هذه الشواع فقال محمد شعبان - موظف - ان اعمده الانارة القديمة كانت مضاءة 24 ساعة طوال اليوم واضاف ان تركيب اللمبات الجديدة الموفرة سوف يساهم بشكل كبير فى ترشيد الاستهلاك وطالب الدولة بتعميم هذه التجربة الناجحة بكل المحافظات لتقليل الهدر فى الطاقة والاستفادة منها فى المشروعات القومية العملاقة.

 

ورغم هذه الخطوات الثابتة إلا ان هناك جزءا مظلما لابد ان تقف امامه الحكومة وتضع حلا لعلاجه وهو فوضى الإنارة فى عز الظهر  وسرقة التيار الكهربائى الذى يكبد الدولة خسائر بالجملة.

 

البداية كانت على الطريق الدائرى ذلك الشريان المرورى الهام الذى يصل القاهرة الكبرى ببعضها البعض، فبدلا من ان يكون هذا الطريق تحت اعين الرقابة إلا ان الواقع كشف فشل منظومة الانارة على هذا الطريق، فأعمدة الانارة مضاءة نهارا فى عز الظهر وسط استغراب واندهاش سائقى السيارات الذين يعانون الأمرين.. فعلى جانبى الطريق يقف احد باعة الشاى الذى يستقبل سائقى النقل الثقيل والذى يكشف مدى المعاناة التى تلحق بهم جراء انارة الاعمده نهارا وظلامها ليلا. 

 

قال محمد سعدون - سائق - ان الطريق الدائرى طوال النهار منور فالاعمدة لا تنطفىء وقمنا بالابلاغ عشرات المرات ولم يستجب احد واضاف ان الكارثة الكبرى ان هذه الاعمدة تفصل ليلا ويتحول الطريق الدائرى الى ظلام دامس ويعتمد كل سائق على نور السيارة وهذا ينعكس دائما على ارتفاع الحوادث وتصادم السيارات والتقط الحديث رمضان محمد - سائق - ان اعمدة الانارة اغلبها تعمل بالطاقة  الشمسية وهى منورة صباحا فيأتى الليل فتفقد شحنها وتنطفئ ويتحول الطريق الى ظلام ويصبح مسرحا للجريمة والسرقة بالإكراه.

 

وبعد جولة مطولة بالطريق الدائرى قمنا باتصال تليفونى بالخط الساخن للابلاغ عن وجود اعمده انارة مضاءة فى « عز الضهر « بدائرى اكتوبر وتحديدا عند نزلة المريوطية فقمنا بالاتصال 121 الخط الساخن للابلاغ وتم تسجيل البلاغ برقم 3865739 بتاريخ 19/4 /2018 وأخطرونا بأنه سيتم الابلاغ لإصلاح العطل.. وبعد ساعتين توجهنا الى نفس المكان فوجدنا اعمدة الانارة مازالت مضاءة نهارا مثلها مثل باقى الاعمدة فى عدد كبير من المناطق.

 

 ورغم الشكاوى التى لا تنقطع عن الخط الساخن للابلاغ عن الانارة نهارا وخروج عدد كبير من المبادرات على جميع مواقع التواصل الاجتماعى تحمل عنوان «طفى النور» الا ان الحكومة رفعت شعار «لا أرى لا أسمع  لا اتكلم» فالوضع يزداد سوءا يوما عن الآخر ووسط هذه الفوضى التى تنتقل الى الطريق الدائري وليلا والشوارع الرئيسية فعدد كبير من اعمدة الانارة تطفىء ليلا لتتحول الشوارع الرئيسية الى ظلام دامس تنيره كشافات السيارات.

 

الإهدار لم يقتصر على اعمدة الانارة بل يمتد ايضا الى سرقة التيار الكهربائى ففى تقرير صادر عن الشركة القابضة لكهرباء مصر عن وصول قيمة الخسائر السنوية لقطاع الكهرباء من سرقات التيار إلى 8 مليارات جنيه وتبلغ حوالى 12% من إجمالى  القدرات الكهربائية المنتجة سنويا (200 مليار كيلووات) وسط غياب الأجهزة الرقابية التى تعد المسئول الأول عن هذا الإهدار للمال العام، حيث كشفت الشركة القابضة لكهرباء مصر، أن هذه السرقات تهدد أمن واستقرار الشبكة القومية، بالإضافة إلى ما تمثله من إهدار للمال العام.

 

وقالت  الشركة القابضة ان معظم السرقات تتركز فى الأسواق العشوائية، وأماكن الباعة الجائلين المنتشرين فى الشوارع، الذين يحصلون على التيار بدون وجه حق، من خلال الوصلات غير الشرعية.

 

وهذا ما رصدته جولتنا فى عدة مناطق بالدائرى وبمنطقة العتبة والموسكى وكبارى المنيل والجامعة وبعض أحياء الجيزة ايضا فالوصلات غير الشرعية تملأ الشوارع واستباح الباعة اعمدة الانارة وقاموا بتوصيل الوصلات دون حسيب او رقيب وامتدت هذه الظاهرة الى المبانى المخالفة الذين استباحوا اكشاك الكهرباء وقاموا بتوصيلها بالعقارات وسط غضب من المواطنين وتراخ من اجهزة الدولة والاحياء.

 

وقال رضا عبد الرحيم - مدرس - ان سرقة التيار الكهربائى يتم عينى عينك وسط غياب اجهزة الدولة وغياب اجهزة الاحياء التى ترفع شعار: «شاهد ما شفش حاجة « واضاف ان العقارات المخالفة والباعة الجائلين يقومون بتوصيل الكهرباء بطريقة غير شرعية مما يسبب مشاكل كثيرة بالمنطقة ويزيد من نسبة هدر الطاقة.

 

خطوة موفقة

 

وأكد د. رشاد عبده الخبير الاقتصادى ان ما اعلنت عنه وزارة المالية من صرف 1٫5 مليار جنيه لإنارة الشوارع بلمبات ليد موفرة امر لابد من دراسته جيدا وكان من الافضل ان تقوم بتوجيه هذا المبلغ لتركيب خلايا شمسية بأعمدة الانارة فهى الاوفر والافضل وأوضح ان لمبات الليد عمرها الافتراضى قصير وسوف يتم تغييرها بينما اعمدة الانارة بالطاقة الشمسية تعيش فترات طويلة ولاتكلف الدولة شيئا.

 

واضاف الدكتور حمدى عرفة خبير التنمية المحلية انها خطوة مهمة نحو ترشيد الاستهلاك واضاف انه قبل تعديل القانون كانت المسئولية مشتركة بين وزارة الكهرباء والمحليات فى ازمة انارة اعمدة الانارة نهارا ولكن بعد تعديل القانون اصبحت تقع المسئولية كاملة على وزارة الكهرباء اما المحليات فمسئوليتها تركيب وصيانة اعمدة الانارة فقط.

 

وكشفت وزارة الكهرباء عن خطة لتغيير إنارة الشوارع على مستوى الجمهورية من الكشافات العادية إلى الكشافات الموفرة بتكلفة تقدر بنحو 2٫1 مليار جنيه، تم توقيعها بالفعل بين ثلاث وزارات «الكهرباء والتنمية المحلية والمالية» والهيئة العربية للتصنيع.

 

ومن جانبه أكد الدكتور أيمن حمزة، المتحدث الرسمى باسم وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة أن الخطة تستهدف تركيب 2٫6 مليون كشاف تم تركيب مليونى كشاف منهم حتى الآن، وتركيب 42 ألف تايمر إلكترونى للتحكم فى الربط والفصل ولقياس كمية الطاقة الفعلية المستخدمة فى الإنارة العامة بهدف المساعدة فى مكافحة سرقة التيار الكهربي، لافتاً إلى أن تلك الخطة ستوفر 2400 مليون كيلو وات / ساعة من استهلاك الكهرباء.