حكايات| بـ«True Caller» والقانون.. حرب نسائية على المتحرشين «إلكترونيًا»

النساء يواجهن المتحرشين إلكترونيا (تعبيرية)
النساء يواجهن المتحرشين إلكترونيا (تعبيرية)

«العقاب من جنس العمل».. قاعدة شرعية وسنة إلهية حولها عدد من أعضاء صفحات العالم الافتراضي إلى واقع يعاقب كل من يحاول الاعتداء على خصوصية الغير بانتهاك أمره وفضحه في دائرة أهله وأصدقائه.

 

الجزاء ربما لم يتخذ طريقا قانونيا أو مسلكا نظاميا تفرضه أنظمة مواقع التواصل الاجتماعي، بل هو عبارة عن تجمعات من مستخدمي تلك المواقع رفعت شعار «امسك متحرش».

 

افضح متحرش

 

«أمسك متحرش» أو «افضح متحرش» بين هاتين العبارتين تعددت أسماء العشرات من الصفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي خاصة «فيسبوك»، بل اتخذت بعضها شكلا جغرافيا في عدد من المدن والمناطق مثل «افضح متحرش في مدينة ما»، الكل فيها اجتمع على عقاب المتحرشين بالطرد من رحمة «فيسبوك»، عن طريق المشاركة الجماعية على تلك المجموعات في إبلاغ إدارة موقع التواصل الاجتماعي بحظر حساب ذلك المتحرش.

 

 

اقرأ حكاية أخرى:   3 حضارات قديمة بطشت بالمتحرشين .. «العبودية» عقوبة

 

 

شروط قبل ما قبل الطرد

 

الدخول إلى تلك «الجروبات» له شروط وضعها مسئولو تلك الصفحات أبرزها الدليل على صحة اتهام أي حساب أو شخص بأنه متحرش عن طريق وضع الرابط الإلكتروني للمتحرش مع صورة تثبت مصداقية البلاغ، ومع تحقق تلك الاشتراطات تقام محاكمة عاجلة يمنح فيه الشخص أو الحساب المتهم صفة «متحرش»، ليكون الهجوم الجماعي من أعضاء تلك المجموعات على ذلك الحساب بما يعرف بـ«الريبورتات» أو البلاغات ليخرج نهائيا من العالم الافتراضي.

 

عقوبة قاسية

 

«الريبورتات ربما لا تكفي في العقاب بل الفضيحة أوقع للعقاب»، هكذا ينصح أعضاء تلك «الجروبات» المجني عليهم من المتحرشين، فحين تقدم المتحرش بها دليل اتهامها، تنال تلك الاستغاثة عدة تعليقات بين ضرورة فضحه بين أهله وأصدقائه، وخاصة زوجته أو خطيبته إن ظهر ذلك على صفحته، عن طريق إرسال صور دليل إدانته لهم، ثم بعد ذلك تبدأ حملة الهجوم على حساب هذا الشخص.

 


تختلف البلاغات عن المتحرشين في تلك الصفحات بين استغاثة من شخص يرسل صورا أو مقاطع فيديو إباحية عبر الشات الخاص بإحدى الفتيات، أو كلام خادش للحياء يتم طمسه في الصورة المرسلة على الصفحات، أو ربما يكون البلاغ عن سرقة صفحة إحدى الفتايات ومحاولة ابتزازها بنشر صورها بعد التلاعب فيها بأخرى إباحية، وبين امرأة تستغيث بأن طليقها يهددها بنشر صورها الخاصة بعد سيطرته على صفحتها.

 

 

اقرأ حكاية أخرى:  المحجبات والرياضة.. تحرشات ومحاصرة و«ترنج» تفصيل

 

«هدير» توثق تجربتها

 

الصحفية «هدير عادل» تروي تجربتها مع تلك الفكرة لتقول: «لم أكن أعلم ما التصرف السريع لتفريغ غضبي من رقم هاتف تعود على التحرش بخصوصيتي بعيدا عن البلاغات الأمنية وإجراءاتها التي تأخذ وقتا كبيرا، لكن جاءتني فكرة اعتقدت أنها يمكن أن تكون عقابا أوليا لهذا المتحرش، فسجلت رقمه على موقع (True caller) باسم (متحرش) حتى يظهر بهذه الصفة لأي ضحية أخرى فتأخذ حرصها منه قبل الرد».


«هدير» حاولت توثيق تجربتها بنشر صورة لرقم هاتفه باسم «متحرش» على صفحتها بـ«فيسبوك»، فتقول: «لما شاركت الصورة، أبلغني أحد الزملاء بوجود جروبات تفضح المتحرشين، فوضعت صورة رقم هذا المتحرش في جروب اسمه (امسك متحرش إلكتروني)»، لافتة إلى أن هذه الفكرة أيضا تضع حدا للحسابات المزيفة بعمل الـ«report» الجماعية حتى يغلق هذا الحساب أو الصفحة.

 

«منى» تستغيث

 

«منى الشرقاوي» أيضا استغاثت بأحد جروبات «امسك متحرش» لوقف سيل من التحرشات الإباحية من شخص قالت أنه يدعى «ا. ا»، فتقول «البني آدم ده بعت صورة قذرة زيه على شات فيسبوك، لو سمحتوا لو حد يعرفه يفضحه، بجد لو حد يقدر يساعدني أنا مش هسيبه وهوديه في داهية»، لتنهال عليها تعليقات طلب لينك حسابه حتى يقومون بالهجوم الجماعي عليه ومحاولة إغلاقه من إدارة موقع التواصل الاجتماعي.


فضح المتحرش أو التشهير به عبر مواقع التواصل الاجتماعي مبادرة اجتماعية نظمتها مجموعات خاصة، إلا أن البعد القانوني لها قد يكون غائبا عن منظميها، فكان لابد من استطلاع رأي أحد أساتذة وخبراء القانون للوقوف على الوضع القانوني للفكرة، وهل هذا الفعل يقع تحت المساءلة؟ وما هو الفعل الإلكتروني الذي يضع المتحرش تحت طائلة العدالة؟ وما العقوبة الممكن أن تطاله؟ وطرق الإبلاغ القانونية، وسبل معالجة الظاهرة.

 

التوصيف القانوني والعقوبة

 

الدكتور أحمد مهران، أستاذ القانون العام ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، قال: «إن هذه المبادرات تخرج عن إطار التشهير، لأن التشهير هو اختراق خصوصية شخص ما وإعلانها للعامة، لكن في هذه الحالة هذا الشخص هو من أرسل معلومات خاصة به»، موضحا أن هذه الحالات أيضا لا تمثل تحرشا جنسيا بأحد نوعيه اللفظي أو الفعلي اللذينّ تبدأ العقوبة فيهما من شهر وتصل إلى 5 سنوات في حال التحرش الفعلي الذي يرتقي للفعل الفاضح في طريق عام.


«مهران» دعا كل السيدات اللائي يتعرضن لمثل هذه الحالات من المضايقات على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تحرير محضر في مباحث الإنترنت أو أي قسم شرطة بتهمة خدش الحياء والحض على الفجور، لأن مثل هذه الأفعال لا تمثل تحرشا جنسيا بنوعيه اللفظي والنوعي، ناصحا الفتيات بعدم وضع صورهن على مواقع التواصل الاجتماعي حتى لا يستخدمها هؤلاء المرضى في ايتزازهن والتشهير بهن.
 

في القانون الجنائي بحثنا عن توصيف تلك الحالات، ففي قانون العقوبات «رقم 58 لسنة 1937» والتي تنص في المادة «206-مكر»: «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على ألف جنيه أوبإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها بالقول أو الفعل في طريق عام أو مكان مطروق»، وفي المادة «179»: «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تتجاوز ثلاثمائة جنيه مصريا، كل من ارتكب مع امرأة أمرا مخلا بالحياء ولو في غير علانية».

 

بعض نماذج التحرش التي وصلت لنا من المصادر