حكايات| قرية العميان.. آفة بلدتنا «الزواج»

قرية العميان.. آفة بلدتنا «الزواج»
قرية العميان.. آفة بلدتنا «الزواج»

من فقد بصره يستطيع العيش بسعادة؛ لكن من فقد أمله فقد السعادة في الحياة».. وفي قرية «دالي كمبة» مازال الأمل يرفرف في سماء تلك القرية، رغم أن سكانها ابتلوا بمرض وراثي تتناقله الأجيال جيلا بعد جيل، وهو «فقدان البصر».

 

في عمق الصحراء الموريتانية، يتوارى أكثر من نصف سكان قرية «دالي كمبة»، فلم تكتف الظروف بفقر العيش وخشونة الحياة في تلك المنطقة المقفرة فزادت من قسوتها بسحب أعز نعمة لديهم، ليصبح «العمى» ميراثهم الوحيد المتبقي الذي يتقاذفه الأجداد والأحفاد.

 

على قلب «بصر» واحد

 

«دالي كمبة» قرية صغيرة منعزلة جنوب شرق موريتانيا، يعاني أكثر من نصف سكانها من مرض العمى الوراثي المنتشر في القرية منذ عقود، وتعاني أسر بأكملها من العمى، مما يحد من قدرتهم على القيام بالوظائف اليومية.

 

اقرأ حكاية أخرى| مصر أول وطن للاجئين.. 3 أنبياء لاذوا بها 

 

كل ذلك يقذف في قلوب هؤلاء المصابين الألم ويعصف بذرات الكبرياء المستقرة فيهم، ورغم أنهم دائما في حاجة لمن يمد لهم يد العون، إلا أن حال القرية يدفعك لرفع القبعة أمام مشهد تشد كل يد من الأخرى، فالجميع يقدم لبعضهم البعض يد المساعدة، بخلاف أن المبصرين لا يترددون في مساعدة فاقدي البصر دون طلب، بل إن الجميع في تلك القرية يتسابق للتبرع بجهده ووقته وتقديم يد العون لمن تعفف عن طلب المساعدة.

 

تتعدد الروايات والحقيقة واحدة أن كان سكان هؤلاء القرية فقدوا البصر، وبدلا من زرع الأمل لمواجهة هذه الظروف بات اليأس يتغلغل إلى قلوبهم من إطلاق المسئولين الوعود الزائفة، دون حتى توفير مستلزمات الصمود والدعم المالي والغذائي والمعنوي والتربوي لسكان هذه القرية، الذين يعيشون مأساة مستمرة، مع اضطرارهم إلى العوز والتسول.

 

زواج الأقارب.. كارثة تاريخية

 

سيدي محمد ولد أبه - إعلامي موريتاني – قدم لـ«بوابة أخبار اليوم» من نواكشوط،  تصورًا حقيقيًا لقرية دالي كمبة، والتي تقع في أقصى الجنوب الشرقي من البلاد، وتحديدًا على بعد أكثر من 1000 كيلومتر من العاصمة، مؤكدا أن أغلب أفرادها يعانون من العمى الوراثي.

 

اقرأ حكاية أخرى| بدون يدين.. مخترع ينقل «دركسيون» سيارته للقدم 

 

بعض التقارير الطبية أرجعت انتشار هذا المرض إلى عوامل وراثية تنتشر بين صفوف أبناء القرية؛ بسبب الاستمرار في زواج الأقارب، حيث أن أهل القرية الصغيرة منعزلون ويتزاوجون فيما بينهم، ما تسبب في رفع حالات الإصابة بالعمى إلى هذه الدرجة، بحسب «ولد أبه».

 

 

أمام حالة العجز التي يعاني منها أبناء القرية، سارعت وفود طبية من وزارة الصحة ومنظمات خيرية من دول أجنبية إلى القرية لانتزاع فتيل تلك المأساة، إذ أن تلك الأزمة لم تعد مرتبطة بحدود القرية، وفقًا للإعلامي الموريتاني.

 

أرقام مخيفة

 

ما يدعو للتوقف قليلا في موريتانيا عامة؛ وليس في «دالي كمبة» على وجه الخصوص، أن هذا البلد العربي الإفريقي لا تتوافر فيه سوى أربع مؤسسات لطب العيون، كلها في نواكشوط، ويوجد في موريتانيا أخصائي واحد في أمراض العيون لكل 400 ألف شخص، ما دفع جمعيات طبية وهيئات خيرية إلى التطوع لتسهيل نفاد السكان المحرومين إلى العلاجات الحديثة لأمراض العيون، والحد من ظاهرة انتشار العمى التي يؤكد الباحثون أن الأرقام الرسمية بعيدة جدا عن الحقيقة.

 

اقرأ حكاية أخرى| فنان أهان محمد رمضان بسبب «قلم ألماظ».. اليوم يشاركه إعلان

 

الشيخ ولد المحفوظ، أحد أعيان مدينة تمبدغة القريبة من قرية «دالي كمبة»، يقول: «إن مرض العمى الوراثي فتك بالقرية منذ عقود.. وحسب ما يتناقله الناس فإن الجيل السادس توارث العمى أبا عن جد، واستمر المرض في الفتك بسكان القرية، فهناك بعض الأسر التي أصيب جميع أفرادها بالعمى.. وفي بعض الحالات يولد مولود سليم لكل أسرة، وهناك على الأقل شخص أعمى في كل أسرة»، حسب موقع العربية.

 

 

أما الناشطة في مجال حقوق الإنسان والمرأة، مكفولة إبراهيم، تؤكد أن «السبب في هذا العمى المتوارث هو اقتصار سكان القرية على زواج الأقارب فيما بينهم، وذلك راجع إلى تشبثهم بالتقاليد والعادات وعدم انفتاحهم على الآخر»، حسب موقع أصوات مغاربية.

 

وفي أخر مسح لوزارة الصحة الموريتانية حول أسباب العمى، توصلت إلى أن ثمة عدة عوامل مسببة للمرض، من بينها عدم توفر العلاجات كما ينبغي، وحدوث العمى الناتج عن العلاجات التقليدية. 


ويعاني نحو 50 ألف شخص في موريتانيا من مجموع عدد سكان البلاد البالغ حوالي ثلاثة ملايين نسمة من العمى. وتعمل وزارة الصحة، ممثلة في البرنامج الوطني لمكافحة العمى، على تعريف السكان بالأمراض المؤدية إلى العمى كالرمد الحبيبي والمياه البيضاء.

 

اقرأ حكاية أخرى|  القادمون من الخلف.. عصام الحضري «من حرق الملابس» لروسيا 2018 

 

وبعد إذاعة تقرير تلفزيوني في محطة محلية بموريتانيا، نقلت السلطات مجموعة من أطفال قرية «دالي كمبة» إلى نواكشوط، لمحاولة علاجهم من العمى الوراثي المنتشر في قريتهم، وبعد اتخاذ تدابير بسيطة تمكن طفلان حتى الآن من إبصار النور، فيما تقرر إجراء عمليتين جراحيتين لطفلين آخرين بعد تحديد حالاتهما المرضية.

 

ويخشى المتابعون للملف أن تكتفي السلطات بهذا الإجراء لإسكات الأصوات التي تعالت منددة بحال القرية ومعاناة سكانها.. فهل هناك منظمة عالمية تنظر إلى هؤلاء الضحايا بنظرة رحمة وتفتح تحقيقا ثم المساعدة في محو مسمى «قرية العميان» اسمًا وفعلا؟